واد الباذان المتنفس السياحي-البيئي لمدينة نابلس يعاني الإهمال...الحلول موجودة مع وقف التنفيذ

07.10.2015 07:30 AM

وطن- تقرير: رائد جمال موقدي: تعتبر منطقة واد الباذان الرئة التي يتنفس بها سكان محافظة نابلس، بالإضافة الى كونها معلماً بيئياً وسياحياً هاماً بالنسبة للمنطقة ككل، فبحسب معطيات وزارة السياحة الفلسطينية لعام 2013 فإن هناك ما يزيد عن 600 ألف سائح من مختلف أنحاء الضفة الغربية ومناطق الداخل يرتادون منطقة الباذان في كل عام بغرض الاستجمام والتنزه هناك، حيث أنها تعتبر من ضمن أفضل المناطق السياحية في فلسطين، وتساهم بشكل كبير في توفير دخل للعشرات من العائلات الفلسطينية التي تعتمد على قطاعي الزراعة والخدمات والسياحة في تأمين مصدر دخلها.

معضلة كبيرة.

لكن بالتوازي مع ذلك، فإن المنطقة تعاني منذ أكثر من 30 عاما وحتى هذه اللحظة - بحسب ما أفاد به السيد محمد صلاحات رئيس مجلس قروي الباذان لمجلة " آفاق" - من معضلة كبيرة، تتمثل بمياه الصرف الصحي التي تنساب من مدينة نابلس تحديدا "المنطقة الصناعية" لتسير عبر الوديان باتجاه وادي الساجور، لتلتقي هناك مع الينابيع السطحية في منطقة الباذان ووادي الفارعه، ثم تتابع تلك المياه سيرها بعد أن تختلط مع بعضها وتصبح ملوثة لتخترق الأودية هناك، وتصب في نهاية المطاف مع كافة الملوثات التي تحملها في الأراضي الزراعية في النصارية والعقربانية على امتداد 8 كيلومترات، فتتحول الأراضي الزراعية في المنطقة بعد ذلك إلى مصدر للوباء والأمراض المختلفة، ما ألقى ذلك بظلاله على قطاع التنمية الزراعية والسياحة في المنطقة برمتها.
   يذكر أن وادي الساجور ينبع من قريتي الباذان والفارعة شمال شرق نابلس ويتجه شرقاً مروراً بقرى النصارية والعقربانية وبيت حسن وعين شبلي، ويواصل السير باتجاه عمق الأغوار، وهو ما يعرف جغرافياً بوادي الفارعة، الذي يشار إليه بأنه من روافد نهر الأردن.

خطر يهدد المنظومة البيئية والزراعية

وتكمن الخطورة كما يقول المهندس امجد الخراز مدير دائرة سلطة البيئة في محافظة نابلس في انتشار القوارض والحشرات والخنازير البرية التي هي بدورها تعتبر ناقلا للعديد من الأمراض خاصة الجلدية منها، عدا عن الأثر القاتل على المنظومة البيئة في المنطقة من خلال انتشار أعشاب جديدة وضارة، وانحسار أنواع أخرى من النباتات العشبية والزينة التي هي تعتبر أساس التنوع البيئي في المنطقة وعنوان طابع المنطقة الفريد.

يشار إلى انه وفي ظل توسعة رقعة المياه الملوثة بالصرف الصحي، استصدرت وزارة الزراعة الفلسطينية تعليمات مشددة من خلال لجنة السلامة العامة في محافظة نابلس تمثلت بمنع ري المحاصيل الزراعية وخاصة الورقية منها بالمياه الملوثة بالصرف الصحي، لما له من تبعات سلبية تؤثر على صحة الإنسان وانتشار الأوبئة في المنطقة، عدا أثرها السلبي في تدني جودة المنتج الزراعي، حيث أن هذا القرار وضع العديد من المزارعين بين أمرين، إما الحد من الزراعات المروية أو الاستمرار بالوضع القائم مما يعرضهم للمساءلة القانونية.

ولعلّ المزارع علام دراوشة من منطقة الفارعة يعد مثالا للعشرات من الحالات التي تعكس عمق المأساة التي يمر بها المزارعون في منطقة الباذان والتجمعات الزراعية القريبة منها، حيث اضطر المزارع المذكور إلى تقليص المساحات المروية لدية من 12 دونما لتصبح ثلاث دونمات فقط، وذلك في ظل الأزمة المائية وتلوث عدد كبير من الينابيع هناك، وجعلها غير صالحة لري المزروعات، حيث عبّر دراوشه عن غضبه عما يحدث وحمل كامل المسؤولية على مؤسسات المجتمع المدني في عدم الاهتمام الكافي بالواقع الزراعي المرير بالمنطقة، والذي يتهالك يوما تلو يوم ليصبح على حافة الانهيار.
 
خطوات ريادية خجولة....

يضيف المهندس عازم الحج محمد منسق مشاريع الإغاثة الزراعية في منطقة الأغوار حول مشكلة تلوث المياه، " بأن مشكلة التلوث الحاصل للمياه تحديدا في منطقة واد الساجور هي مشكلة مستعصية وبحاجة إلى خطوات جادة وعملية للحد منها"، حيث أشار إلى أن الإغاثة الزراعية نفذت مشاريع تنموية متعلقة بالحصاد المائي وبناء عدد من البرك المائية المعدنية في منطقة الأغوار الوسطى، وذلك بهدف تجميع المياه والحد من الفاقد منها في ظل نقص كمية المياه في المنطقة من جانب، ومن جانب آخر تلوث قسم كبير من المياه المتبقية لتصبح غير صالحة للزراعة، ما ألقى بظلاله على الموارد الطبيعية التي باتت مستنزفة، وعلى قطاع الزراعة المروية والمحمية هناك.

وأشار الحج محمد أن تلك المشاريع ساهمت بشكل لا بأس به في إنقاذ مساحات كبيرة من الأراضي التي كانت مهددة بالجفاف والاضمحلال في ظل الكارثة البيئية والمائية هناك، عبر إعطاء المزارع بارقة أمل في إعادة زراعة مساحات من أرضه التي كانت متروكة لبعد حين. 
 

وحول طبيعة المياه الملوثة أضاف المهندس عازم بالقول:" بأن تلك المياه الملوثة التي تحتوي في ثناياها على مواد كيمائية وعضوية ذائبة فيها، لهي معضلة كبيرة يجب الوقوف عندها، ويجب التعاطي مع الموضوع بطريقة أكثر جدية للحد من تلك المأساة، التي طالت التنوع النباتي عبر زيادة ملوحة التربة وبالتالي جعلها غير صالحة للزراعات الكثيرة وخاصة الحمضيات والخضار، مما دفع نسبة عالية من المزارعين للتوجه نحو الزراعات الحقلية البعلية ، كذلك أثرها السلبي على القطاع الحيواني وتقليص أعداده هناك..

حلول مع وقف التنفيذ

تجدر الإشارة الى ان محافظة نابلس بالتنسيق مع عدد كبير من المؤسسات الأهلية والرسمية المختصة، قد عكفت قبل ثلاثة أعوام تقريبا – كما يشير المهندس امجد الخراز من سلطة البيئة- في وضع تصور لحل مشكلة تدفق مياه الصرف الصحي من مدينة نابلس والقرى المجاورة لها صوب واد الباذان، ومن تلك الطروحات التي تم اعتمادها وجرى توفير الدراسات الكاملة والعلمية لها، وتوفير التمويل لها أيضاً من قبل الحكومة الألمانية "إقامة محطة معالجة للمياه العادمة" المتدفقة باتجاه واد الباذان، بحيث تكون المخرجات هي عبارة عن مياه صالحة من الممكن إعادة استغلالها في الزراعة مجددا.

وتم اختيار المنطقة السهلية لقرية دير الحطب كموقع لتنفيذ هذا المخطط، حيث كما يشير المهندس الخراز فقد تم تنفيذ دراسة تقييم للأثر البيئي للموقع في حال تنفيذ المشروع، وقد ساهمت العديد من المؤسسات الرسمية في إعداد الدراسة والتي كانت نتائجها ايجابية، لكن المعضلة كانت في رفض المجالس القروية والبلدية في تلك المنطقة لفكرة إقامة المشروع هناك، بل معارضته بكافة السبل، والنتيجة كانت تجميد العمل بالمشروع منذ عام تقريبا، وإيداع الدراسات والقرار المتعلق بها في يد جهات ذات الاختصاص للبت فيها.

وتبقى مشكلة تلوث واد الباذان مشكلة تنتظر الحل السريع قبل فوات الأوان، حيث ان الحفاظ على طبيعة بلادنا وحماية المنتج الزراعي الوطني هو ركيزة يجب عدم الاستهتار بها، بل لا بد من وضعها في سلم أولويات عمل الحكومة والجهات المختصة.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير