الغُبار: زائر أصفر و"ضيف" ثقيل!

13.10.2015 08:52 AM

وطن- تقرير: عبد الباسط خلف: حمل النصف الأول من أيلول الفائت أجواءً غير معهودة في فلسطين والدول المجاورة، حيث سيطر اللون الأصفر على الأفق، وارتفعت الحرارة بشكل لافت. ترصد "آفاق" الحال الذي صنعته الأجواء المُغبرة، وتقدم قراءات وتفاعلات لــ "الزائر الأصفر" المُتطرف.

بعكس التوقعات

اللافت أن دوائر الأرصاد لم تتوقع هذه الموجة، فاستفاق المواطنون على طقس غريبٍ وقاسٍ. يقول الفتى عادل عبد الله (14 عاماً):" شعرنا بالضيق في المدرسة حيث كانت الدنيا رمل، وكنا لا نطيق ملابسنا من شدة الحر، وانتقل الغبار لكل شيء حتى حقائبنا."
وأفادت دائرة الأرصاد الجوية الفلسطينية عبر بياناتها المتكررة  وتصريحات مديرها العام م. يوسف أبو أسعد في حينه: "تجتاح الأراضي الفلسطينية والدول المجاورة موجة غبار قوية، كانت أعلى بـ 140 مرة من الرقم الطبيعي، ومصدرها منخفض حراري قادم من العراق، وأثرت عليه رياح شرقية سريعة أدت إلى انتقالها لبلاد الشام وهي موجة نادرة الحدوث، ولم نتوقعها."

وأضافت:" تمركز الغبار القادم من العراق في فلسطين وجنوب الأردن ولبنان، كما رافقت الموجة العراقية، أخرى قادمة من الجنوب والجنوب الشرقي لصحراء سيناء باتجاه النقب وجنوب فلسطين ."

حديث الناس

تتكاثر الأحاديث في وسائل النقل العامة والأسواق، يقول السائق علي المصري:" لن أغسل سيارتي إلا بعد انتهاء الموجة، وتمنيت لو أستطيع  قطع العمل والجلوس في البيت، فالحال أسوأ من الضباب، والرؤية شبه معدومة على الطرقات، والحر يجعلنا نسبح في العرق، والركاب يطالبن بتشغيل المُكيف."

ووفق المصري، فإن المستفيد الوحيد من هذه الأجواء أصحاب محطات غسل المركبات، ويستعير قولاً مأثورًا :" مصائب قوم عند قوم فوائد."

فيما يتخذ تجار جنين بعض الاحتياطات، فيغطون بضاعتهم، ويمتنعون عن عرضها في مداخل المتاجر، ويمددون فترات تشغيل مكيفات الهواء.

يقول طارق أبو حسن، تاجر الخضار الأربعيني:" عانينا كثيراً في الحر والغبار، وكنا نبحث عن الزبائن فلا نجدهم، وكان منظر سوق الخضار لا يسر صديقاً، وقد طالت الموجة لعدة أيام، وتمنينا لو يعود الشتاء سريعًا." ويضيف: " لا نستطيع فعل شيء سوى الدعاء أن ترحل الأجواء المغبرة هذه، ولا تعود لنا مرة أخرى."

مزارع ورمال

يفيد مزارعون في سهول جنين وعرابة أن أحوال الزراعة مع موجة الغبرة ازدادت بؤسًا، فكان عليهم مضاعفة الري، ومشاهدة الحقول وهي تكتسي اللون الأصفر.

يقول المزارع صلاح إبراهيم:" كل شيء يسير عكس المزارعين، حتى الأجواء، فعليه أن يحمى نباتاته مثل أطفاله، فيمنع عنها الرياح والصقيع والحر والبرّد والثلج، لكنها من المرات القليلة أن نشاهد بيوت البلاستيك (الدفيئات)، وقد تحولت إلى جبال صفراء.!"
وبحسب إبراهيم، فإن القطاع الزراعي ضعيف أصلاً، ولا يستطيع تحمل المزيد من ضربات الطبيعة القاسية، فقد كان الصيف الحالي حارقًا، وأستنزف كميات كبيرة من المياه، كما قصّر من دورة حياة المزروعات، وقلت إنتاجيتها، وتراجعت نوعيتها.

بيوت بائسة

تقول علا عبد الكريم، وهي موظفة:" بسبب الغبار الكثيف تحولت بيوتنا إلى مساحات مغطاة بالتراب القادم من الصحراء. وعبثا حاولنا التخلص منه، ففي اليوم الأول نظفنا الغبار، ثم عادت الأجواء وطالت، وتحولت النوافذ والجدران إلى منازل صحراوية بائسة. ولم نستطع فتح النوافذ، تراكم غسيلنا داخل البيوت. وشعرنا بضيق شديد. أما الحدائق بشجرها ونباتاتها فقد اختفى لونها الأخضر."

أراء وتداعيات

يقول وسيم غنام الموظف في بلدية عقابا: "التغيرات البيئية في حياتنا لابد منها، ولكن لم نشهدها من قبل بهذه الطريقة، فكان الغبار كثيفًا، ويحجب مدى الرؤية، وأثر على الحياة  بكل أشكالها، والتزم كثيرون منازلهم لتفادي الإصابة بالأمراض الجلدية والتنفسية. كما لم تستطع ربّات البيوت الاستمرار في تنظيف المنازل، فكلما قامت السيدة بتنظيف البيت كلما عاد الجو بعمل اللازم. ولم تقتصر هذه الموجة أو هذا الطقس  على الإنسان أو على الحيوان، ولكنه أثر بشكل مباشر على الزراعة، فغطت الرمال النباتات والأشجار، لتضعنا بمشهد غير اعتيادي للنباتات المتفتحة والمزهرة والخضراء لتحولها إلى بائسة حزينة وكئيبة، وجاءت هذه الأتربة لتضع نفسها حاجزا بين النبات وأشعة الشمس."

ويرى المُدرس أسامة الخطيب أن تأثير الغبار كان سلبيًا بامتياز، وسبب ضيقًا في التنفس وتعرقًا شديدًا، وهذا كله له تأثير على طريقة العمل، وقد يعيش الإنسان في حالة توتر بسبب قسوة وتطرف الجو.

يقول: "لم أذكر أن عشنا جوًا قاسيًا ومتطرفًا مثل ما نعيشه الآن، وقد مرت أيامٌ مغبرة ولكن ليست بهذه القوة، ولم تدم مدة طويلة أيضًا، وكانت سرعان ما تنتهي بزخات من المطر الذي يغسل الغبار، وما يلفت الانتباه دوام هذه الأجواء بهذه القوة والحر الشديد رغم غياب الشمس وعدم ظهورها كثيرًا بلونها المعهود."

خوف ذكريات صحراوية

يقول الستيني نمر الشايب: "ذكرتني هذه الأجواء الصفراء القاسية بما عشناه خلال الطفولة من فترة صعبة أخرى، فيومها شاهدنا السماء حمراء، بلون قريب من الدم، وطال وقتها، وقد أصاب ذلك الناس بخوف وقلق شديدين مما سيحدث، وراجت الشائعات، واحتمى البعض بالبيوت."

ويقول  المربي المتقاعد محمد أبو فرحة: "ﻻ شك أن هذا الجو المغبر الذي يحمل الرطوبة يسبب الكسل والخمول وصعوبة التنفس عند المرضى، ولم نعهده في فلسطين من قبل، لكنني عشته 22 سنة وأنا معلم في ليبيا بل وأكثر من هذا بكثير، فوقتها كانت تنعدم الرؤية على مسافة مترين من رمال الصحراء القريبة على بنغازي."

يزيد: "رغم أني متقاعد وﻻ أخرج كثيرًا إﻻ أنني ﻻحظتُ تململ الناس وتهافتهم على المكيفات، وبعضهم لجأ إلى المساجد والأماكن التي تتوفر فيها مكيفات وأجواء بعيدة عن الغبار والرمال."
 

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير