غليان داخل الحكومة الإسرائيلية: خلافات شخصية وأزمة ائتلافية

24.11.2015 05:02 PM

وطن - وكالات: برغم أنَّ الحكومة الإسرائيلية الحالية - وهي حكومة ضيّقة لا يتواجد فيها سوى اليمين يتبعه الغاوون - هي الأكثر تجانساً في تاريخ إسرائيل، إلَّا أنَّها تكاد تنفجر من داخلها لأسباب موضوعية وذاتية. ووصل الأمر بزعيم "البيت اليهودي"، نفتالي بينت، يوم أمس، للإعلان أنَّ طمأنة رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، له وتعهّده بأنّه لن يقدم على أيّ خطوات من طرف واحد في الضفة الغربية، لم يأتِ إلَّا بعدما "وضعت له رصاصة بين عينيه". وطبيعي أن يقود مثل هذا التصريح إلى حملة واسعة من "الليكود" ضدّ بينت، فضلاً عن توبيخ نتنياهو له.

والواقع أنَّ الائتلاف الإسرائيلي الحاكم يعيش أزمةً فعليّة منذ تشكيله، وذلك لاعتبارات عديدة، أقلّها أنَّه ائتلاف يتكون من 61 نائباً، أي النصف زائداً واحداً. وهذا يعني أنَّ الائتلاف لا يملك ترف الاختلاف على أيّ مسألة؛ وإذا اضطر لذلك، فإنَّه يخسر أمام معارضة جادّة مكونة من 59 عضو كنيست. ومع ذلك، وبرغم أنَّ الائتلاف يمينيّ بامتياز بين من يعرّفون أنفسهم على أنّهم وسط اليمين، إلَّا أنَّ هذا لم يخلق انسجاماً لا سياسياً ولا فكرياً والأهم شخصياً أيضاً. فالخلافات الشخصيّة كانت معروفة وعلنيّة، بين نتنياهو وزعيمي كل من "البيت اليهودي"، نفتالي بينت، الذي سبق وخدم كأحد أفراد طاقم نتنياهو قبل أن تعلن زوجة نتنياهو، سارة، الحرب عليه، وموشي كحلون الذي يرأس حزب "كلنا" ترك "الليكود"، وكان نجماً صاعداً فيه، بسبب خلافاته مع نتنياهو.

واضطرّت الظروف نتنياهو للتحالف مع خصومه الشخصيين لتجنب الخضوع لابتزاز خصومه السياسيين. ومع ذلك، لم تكن الخلافات بين نتنياهو و "البيت اليهودي" مجرّد خلافات شخصية، بل كان لها أيضاً أبعاد زعامية وأيديولوجية وسياسية. فبينت يتطلع لتزعم اليمين الإسرائيلي، وهذا يبقيه في صدام دائم مع زعيم اليمين الحالي، أي نتنياهو. وهو أيضاً يحمل فكراً يمينياً متطرفاً لا يبقي هامشاً للتسوية مع الفلسطينيين، وينطلق من أنَّ لليهود فقط الحق في هذه الأرض. ونتنياهو، الذي قد لا يختلف مع بينت جوهرياً في هذه المسألة، يأخذ في الحسبان أنَّه من مدرسة جابوتينسكي الفكرية التي لا تتجاهل وجود الفلسطينيين ولو من الناحية الظاهرية.

وهذا يقود إلى المستوى السياسي حيث يريد نتنياهو أن يبقي لنفسه هامشاً للمناورة السياسية في ظلّ وضع دولي ضاغط على إسرائيل، اضطره إلى أن يعلن التزامه بحلّ الدولتين وثرثر بكلام عن "خطوات من طرف واحد" في زيارته الأخيرة إلى واشنطن. وطبعاً حاول بينت الظهور بمظهر من أصابه مسّ عندما سمع نتنياهو يكرّر كلاماً كان قد أطلقه أرييل شارون، وقاد إلى خطة الفصل عن غزة.
وهكذا، وبعدما أعلن نتنياهو أنَّه لا يقصد شيئاً بالخطوات من طرف واحد في الضفة الغربية المحتلة، وقرّر توسيع الاستيطان في محيط القدس، وإخراج الجناح الشمالي في "الحركة الإسلامية" داخل الخط الأخضر عن القانون، قال بينت في حديث مغلق مع أعضاء حزبه: "لقد تراجع نتنياهو عن الخطوات من طرف واحد فقط بعدما أطلقت له رصاصة بين عينيه". ونشرت إذاعة الجيش الإسرائيلي نص كلام بينت هذا الذي وصلها طبعاً من خصوم له كانوا حاضرين في الاجتماع. وبحسب إذاعة الجيش الإسرائيلي، فإنَّ وزير الزراعة من حزبه، أوري أرييل، توجّه لبينت منبهاً: "انتبه لما تقول". حينها حاول بينت تفسير كلامه - وهو ليس الأول ضدّ رئيس حكومة هو وزير فيها - فقال: "لا تفهموا كلامي خطأ. هذه استعارة، إذا سرّبتم هذا الكلام فلن تعقد لقاءات كهذه مستقبلاً".

وعندما سألته الإذاعة عن هذا الكلام، رفض بينت التعليق واكتفى بالقول: "أنا مسؤول عن أمن إسرائيل ولن أردّ على أحاديث شخصيّة". وأضاف أنّه طالما لا يزال موجوداً في الحكومة، "لن يكون هناك انسحاب من طرف واحد". وقال إنَّ الحلّ لما أسماه "موجة الإرهاب" الحالية ينبغي أن يكون "السور الواقي 2"، وبحسب رأيه، "ينبغي الدخول بقوات كبيرة جداً إلى الخليل، وإلى المدن حولنا، ولا مفر من فعل ذلك".

وكان بينت قد أعلن أثناء زيارة نتنياهو إلى واشنطن، أنَّ "أيّ تسليم للأرض من طرف واحد للعرب هو خطأ جسيم، دائماً. والحديث عن هذا في ذروة موجة إرهاب يبعث برسالة تناقض المطلوب. ينبغي معاقبة العدو على إرهابه وليس منحه جائزة لقتل اليهود. ولا ريب أننا بحاجة لخطوات من طرف واحد: فرض السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في يهودا والسامرة".

وكان جانب من توتر العلاقة، مؤخراً، بين نتنياهو وبينت، يكمن في إدراك الأخير أنَّه بعد إقرار الميزانية ينوي نتنياهو تكثيف مساعيه لضمّ "المعسكر الصهيوني" إلى الحكومة، وهو ما سيقود فعلياً إلى انسحاب "البيت اليهودي" من الائتلاف. ولهذا، يحاول بينت رفع الصوت عالياً من الآن، وإشعار نتنياهو أنَّه جاهز لمناكفته. وهذا ما دفع نتنياهو، قبل يومين إلى محاولة طمأنة بينت و "البيت اليهودي" بإعلان أنَّه "ليست هناك نيّة لأيّ تغيير في الائتلاف الحالي"، وأنَّ أيّ توسيع للائتلاف، لن يكون على حساب أيّ من الشركاء الحاليين.

وكان واضحاً أنَّ كلام بينت لن يمرّ من دون ردّ من جانب نتنياهو و "الليكود". ووبّخ نتنياهو بينت علناً، قائلاً له: "إنَّ الأقوال المنسوبة إليك ليست مناسبة، وهي تناقض الواقع بشكل مطلق". وهزأت جهات في "الليكود" من بينت قائلة: "بينت هذا صاحب خيال واسع جداً ـ لكنّه لأسفنا يعاني من حالة متقدمة من التشويش بين الخيال والواقع. وما بدأ بتسجيل نقاط لصالحه على خطوات قادها رئيس الحكومة، تطوّر إلى نوع من انعدام الإدراك التام بمكان، ومكانة وزير التعليم في عملية صنع القرارات"

وقال مسؤول آخر في "الليكود" إنَّ "بينت، فهم وبحق، أنَّ نتنياهو لا ينوي إبعاد البيت اليهودي عن الائتلاف ولا يسمح لنفتالي بينت وأفيغدور ليبرمان بالالتفاف عليه من جهة اليمين في المعارضة. لذلك يسمح بينت لنفسه بالتصرف بلامبالاة مطلقة وهو متأكد أنَّ كرسيه مضمون. نحن نسمع عن انتقادات غير مناسبة يوجهها لنتنياهو في دوائر مختلفة. ينبغي وضع حد لهذا. إن كنت داخل الحكومة، تصرف برسمية. لا تهن نتنياهو. المسألة على حافة الغليان".

تصميم وتطوير