حقوق الموظف المهنية في المؤسسة العامة بين مطراق وسندان

25.11.2015 10:30 PM

وطن - كتبت:خلود ناصر:مع اقتراب اليوم العالمي لحقوق الإنسان والذي يصادف العاشر من كانون اول/ديسمبر، لا تزال تحديات جمة تقف في وجوهنا على المستوى الداخلي الفلسطيني، احد جوانبها يتمثل في انتهاكات حقوقية تمس الفرد والجماعة نابعة من ضعف العمل المؤسسي العام، الامر الذي يستدعي ضرورة مواجهة تلك الانتهاكات لتجاوزها، ليس فقط لدفع جهود بناء الدولة، بل لأن منظومة ومبادئ حقوق الإنسان التي تعكس قيم المساواة والعدالة وحرية التعبير لا تتجزأ بكل الظروف، مع الآخذ بعين الاعتبار انتهاكات الاحتلال التي لا زال الفلسطينيون يتعرضون لها.

وكما نص علم الادارة، على ضرورة تحمل المسؤولين نتائج الاخفاقات المتراكمة والمشكلات الفنية والادارية في المؤسسة التي قد تؤدي الى انهيارها بدلالة الدراسات والمؤشرات التي تتوفر حول الأداء العام لها، سواء بسبب الاهمال او سوء الاداء او الافتقار الى قيم واخلاقيات المهة، فأن ذلك ايضا يفتح المجال امام طرح تساؤلات عدة حول أداء المؤسسة وسياساتها ترتبط ارتباطا وثيقا بنهج المساءلة والحكم الرشيد لمستويات ادارية عليا تعمل على شغل المؤسسة بممارسات تنافي الأسس المهنية للعمل لإبعاد الأعين عن الفشل المتراكم، وتلجأ الى المؤامرات واستغلال النفوذ وهدر المال العام وانتهاك الحريات والاخفاق في القرارات.

وبما ان المحاسبة ركن من اركان الحكم الرشيد، فان انكسار الاستقامة أمام تحديات انتهاك الحقوق امر مخيب للآمال وطريق يقود الى افق ومستقبل مظلم، فيه تغييب للكفاءات في المؤسسة واقصاء عن المناصب المهمة في ظل وجود سياسة المكائد في الغرف المظلمة، التي يلجأ اليها المتنفذون لاقصاء من لا يرغبون بهم او الذين ينافسونهم على مناصبهم بما يملكونه من مؤهلات ومعرفة وخبرات علمية وعملية، قادرة على كشف سوء ادارتهم واخطائهم واسلوب عملهم وأدواتهم التي سببت تردي المؤسسة ليصبح الامر اقرب الى الإرهاب منه الى العمل الاداري، على حساب الالتزام بالقانون وبنوده والعمل المؤسساتي، معتمدين بذلك على النفوذ والعلاقات وأساليب التضليل، يدعم ذلك وجود قانون قديم مليء بالثغرات، وضعف للمحاسبة الا للضعيف.

ان وجود التعدي على قيم العدالة والحقوق في المؤسسة العامة، لا تقتصر على حقوق افراد فقط بل تتعدى ذلك الى المستقبل للمجموع الوطني الذي سيصبح في غاية السوداوية والظلام، في ظل تدجين نظام التبيعية والدونية القائم على المصلحة الشخصية تحت شعار ميكافييلي الغاية تبرر الوسيلة، لتسقط كل القيم القانونية والاخلاقية والوطنية، وتبدأ اسماك القرش الصغيرة بابتلاع كل ما يعترض طريقها حتى تتضخم فلا يستطيع احد مواجهتها، فتغدو العدالة والحقوق والشفافية والحكم الرشيد شعارات فارغة تُلقى في الخطب وسائل الاعلام في ظل سيادة التمييز واللامساواة وانتهاك الحقوق والكرامة الانسانية والفساد.

وفي ظل سيادة هذه المنظومة فأن المرأة القادرة المؤهلة سُتمنى بالخسارة الاكبر والضرر الافدح، كونها تعاني من ظلم وقهر مركبين، الاول غياب القوانين والشفافية والمعايير المنضبطة في المؤسسة، والاخر طبيعة البنية الذكورية في المجتمع والنظرة القائمة على الاضطهاد والدونية للمراة وحرمانها من المشاركة في القرار أو التعبير عن الرأي، اذ ان مشاركة المرأة في الوظائف الحكومية محدودة وبعيدة عن التأثير في القرار والوصول الى المراكز الادارية العليا، اذ تشكل النساء 10.9% فقط من مجموع العاملين في القطاع العام من درجة مدير عام A4 فأعلى، مقابل 89.1% من الرجال في نفس الدرجة وذلك استنادا الى تقارير الجهاز المركزي للاحصاء 2014.  وهنا تجدر الاشارة والاشادة بما ورد في بيان جلسة الحكومة رقم 78 في 24-11 الذي شدد على وقوفه الى جانب حقوق المرأة وحمايتها من العنف بكافة أشكاله ومن الإقصاء والتهميش والاضطهاد والتمييز المجتمعي.

وتبدو هذه الانتهاكات والمؤشرات صادمة في ظل استمرار الحديث عن بناء مؤسسات الدولة وسيادة القانون ومباديء الشفافية، لكنها تبقى بالنهاية سياسات قائمة تضرر منها العديد من الموظفين، يتمادى بها المتنفذين في ظل بقائها طي الكتمان والسرية نتيجة الخوف من عمليات ابتزاز بانواع مختلفة (سحب منصب، تنزيل درجة، تأجيل ترقية، النقل، الاقتصاء) فيذعنون الى تحمل المعاناة والإهانة والمس بالكرامة الانسانية والمهنية؛ فالرداءة في القرارات قد تكون بأغلفة تعكس بريق الحقيقة فتبرئ الظالم وتجرم المظلوم، وتعكس أبعادا أخرى من الحقد والكراهية.

وتختلف طرق التعدي على الحقوق المهنية في بعض المؤسسات الرسمية والتي تتغذى على التهميش الوظيفي التي قد تصل الى حد قلب الهيكل الاداري رأسا على عقب، استنادا الى المصالح الخاصة الضيقة ليتم تكريس تفرد وسيطرة البعض على فكر وأنشطة المؤسسة الأمر الذي يعيق عمليات تطويرها، وهنا تنحرف بوصلة المؤسسة ودورها ووظيفتها عن مسارها الى مسار الاجندة الخاصة، كأن يجعل المسؤول من إدارته ثكنة للمقربين والمراقبين الذين يتربضون باداء موظف مقصود ومستهدف للانقضاض عليه ونقل معلومات خاطئة حول سلوكياته فإن ذلك يؤدي الى تفشي الظلم والجبروت وتدمير شخصية الموظف وطموحه وهو اللبنه الأساسية للبناء المؤسساتي، متناسيا ذلك المسؤول واجباته في خلق جو مهني في ادارته قائم على الإنصاف ووحدة المعايير المستندة الى العلم والأدلة والتواصل البناء.

إن وجود هذه الصور المرعبة لطبيعة بيئة العمل في القطاع العام يجب ان تدق ناقوس الخطر، ليس لانها تمس حقوق كفلها القانون فقط، بل لانها تخلق مواطنا ناقما على المدى البعيد، وتجعل اصحاب الكفاءات والخبرات يعيشون في حالة اغتراب وظيفي ويعشش وقتها العجز وفقدان الامل وعدم المبالاة في نفوسهم حين يرون حاشية سيادة المسؤول الموقر الذي يتم التغاضي عن أخطائه ومخالفاته هم من يصعدون الى كراسي المناصب.

إن توقف حياة الموظف المهنية وتشظي مستقبله بسبب ظلم ارتكبه مسؤول في حقه للتخلص منه لانه لم يكن مطواعاً له ولم يستجب لمطالب مراكز القوى في المؤسسة، وغياب الجهة القادرة على لمس الخلل والانتهاكات وعلاجها او تأمين الحماية لاصحاب المظالم، الذين يختارون الصمت على التظلم أمر ينافي كل مبادئ حقوق الانسان ويستدعي ضرورة التوقف عنده وتسليط الضوء عليه.

ان الوقائع اليومية التي تحدث حافلة بالحقائق التي تحمل في ثناياها قدرا كبيرا من الظلم، تكشف زيف الشعارات التي يطلقها هؤلاء المتنفذين، ما يتطلب من الجميع التحرك لتفعيل حقيقي لدور العاملين في مؤسساتنا على أسس المشاركة والديمقراطية والتطوير والتنمية المستدامة بشكل أفضل. 

ان طرح هذه القضية هدفها الاشارة الى المشكلة والخلل في هذا الوقت الذي قد نستطيع به السيطرة عليه واصلاح ما يتم تدميره، قبل ان يكبر ويتسع مع الوقت كالسرطان، وليس القصد منه التعميم على جميع مؤسساتنا ففيها الكثير من القيادات المشرفة التي يُحتذى بها في المهنية والموضوعية.

واذا ما اردنا مواجهة هذه الازمة يجب علينا في البداية الاعتراف بالمشكلة، ومن ثم اخضاعها للتحليل والتقييم للتخلص من فلسفتها القائمة على "الاقصاء والتهميش" من قبل أباطرة المؤسسات الذين يعتقدون أنهم يملكون سلطة القرار المطلق دون حسيب او رقيب، اضافة الى وقفه جادة من الجهات الحكومية وغير الحكومية امام هذه الممارسات لما لها من مردود سلبي على الشأن الخاص والعام.

ان دراسة أزمات المؤسسات العامة، وكمية المظالم المتراكمة بموضوعية ومصداقية وشفافية يعد واجبا حتميا وحقوقيا لوضع هذه الظاهرة على مرأى من صناع القرار والقيادة الرشيدة، فما يتعرض له بعض الموظفين الأكفاء الذين لا يملكون نفوذا من تهميش وظلم من أصحاب النفوذ وما يترتب عليه من قهر وظلم أمر أبعد ما يكون عن المؤسساتية وبناء دولة القانون.

ان بناء الوطن ومؤسساته بحاجة إلى عقول تفكر وتبني، ودعم اصحاب الكفاءات وليس تهميشهم، وتفعيل القانون وليس الالتفاف عليه، ومحاسبة الجناة الحقيقيين من مستغلي النفوذ وليس ترقيتهم وزيادة نفوذهم، والمحافظة على المصداقية الأخلاقية للمؤسسة وليس تحويلها الى اقطاعية شخصية، والحد من مظاهر الفساد بكل أشكاله التي أشارت إليها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، ولذلك فالحاجة الى المساءلة بشفافية على جميع المستويات الوظيفية والضغط من أجل تعزيز المطالبة بالتطور الديمقراطي في مؤسساتنا أمر لازم وضروري للتحول الى مجتمع الدولة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير