أشرف فيّاض: أمُّه بلقيس وأبوه الحلاج

27.11.2015 10:54 AM

وطن - كتب: الملازم أول رأفت صوايفة:"وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ ..

- إلا نحنُ -
تغتالُ القصيدة ؟"

- هذا النص هو مقطع من القصيدة التي كتبها نزار قباني في رثاء زوجته وحبيبته بلقيس الراوي التي قُتلتْ في حادثة تفجير السفارة العراقية في بيروت عام ١٩٨١ م من قِبل من وصفوا بـِ "قوى ظلاميّة" .

الشعوب التي لم تصل لمقومات المدنيّة السليمة ولم تعي معنى الحضارة وشكل رقيها لن تلقي بالًا للفنون وأهميّة إبرازها، وبذلك فإنها لن تعلم بأن فنانيها ومثقفيها ليسوا بالإضافة؛ بل هم أساس في صنع قيمة المجمتع التي لا تموت بعكس الفناء والضياع الذي تقدمه الأثمان.

ولا نستغرب، فالعرب قتلوا الحلاج الذي لم يرضَ عن شعرِه وفلسفته فقيه بغداد محمد بن داود الذي سبق قصيدة نزار بقرابة الألف عام، ولا زالوا في كلّ يومٍ يقتلون شاعرًا .. يقتلون حسّ الجمال .. يفتكون بالأرواح ذات الأجنحة الحرّة والأصوات الحانية بالرفق والمغرّدة بالألق.

فالوجدانية، والحس الإنساني السامي الذي تقدمه القصيدة واللوحة والمقطوعة الموسيقية والمنحوتة هي التي تعلو بالأشياء والوسط الجامد إلى الروحانية فٓتُفاعلُ الإنسان معها وتأجج له الجوارح لها، فلا تخرج الأغنية والقصيدة ولمسة الريشة إلا من جوفٍ رحيم ومن نبضٍ شفيف وفكرٍ رقيق؛ هي نتاج السمو الداخلي، والأطلال أكبر دليل على ذلك.

لستُ عالمًا في اللاهوت ولا ذاك الضليع في علوم القانون، ولكني أبدًا لا أتخذ معيار التدين في حكمي على الآخرين فأعتبر مثل هذه الاعتناقات رتوشًا بجانب الجوهر الذي يتمثل في مقدار السلوك السويّ وممارسة الأخلاق والمواطنة الحسنة، وحُب الأرض ومضامين الحياة فهي المعيار الأهم وباقي ما تبقى هو هامش الحريّة والسلوك الشخصي للإنسان، وهذا بجانب أني لا أعتبر " الحيوان البشريّ " إنسانًا الا إذا وصل لمرحلة إنهاء غريزتة في إيذاء الآخرين.

قبل فترة سألني شاعر، وهو صديقٌ لي كان قد عرض عليّ قصيدة طالبًا الرأي، أجبته بمنتهى الصدق بأن قصيدة كتلك قد تودي بحياته، فـ "داعش" ليست تنظيمًا برأيي بقدر ما أصبحت نهجًا فكريًا لا يقترب من أي دين؛ فالنهج الذي يضعُ لهُ ربًا يُعبد ُبالدماء والإيذاء لن يكون دينًا أبدًا، فالعلوم الروحانية التي يندرج منها اللاهوت لا تهدف أبدًا لإنهاء الروح.

أريد أن أتكلم عن تجربتي الشخصية مع القصيدة، أتذكرُ أول وزنٍ شعريّ نطقتُ عليه كلماتي كان في بداية أكتوبر عام الـ٢٠٠٠ وأنا في التاسعة من عمري وساعدني فيها أخي الأكبر أكرم الذي كان في الثانوية العامة وكان شاعرًا وتنبه بأن لديّ شيء أستطيع إبرازه في مجال الشعر والموسيقى، وكانت القصيدة من عشرة أبيات على بحر المحدث، كتبتها بعد حادثة استشهاد محمد الدرة بأيام، ويومها قام أبي بتوبيخي متذرعًا بخوفه من أن يتم اعتقالي فقد كان متأثرًا بسلوك الاحتلال في السبعينيات والثمانينيات وما قبلها تجاه الأدباء، والتصق بهِ هذا الخوف حتى تلك الفترة، فتركتُ اللغة حتى عادت إليّ وأنا في التاسعة عشرة عام الـ٢٠١٠ وكنت حينها أكمل دراستي الجامعية في كلية الطيران العسكرية اليمنية، وقد كان زملائي اليمينون هم الذين عززوا عزيمتي وشراهتي بأن أواصل النظم والكتابة بكونهم شعب يحب اللغة العربية إلى جانب كوني فلسطينيّاً أكتب في القضية الفلسطينية التي يولون لها اهتمامًا كبيرًا.

عدتُ إلى فلسطين في عام الـ ٢٠١٢م، وانضممت مع زملائي إلى صفوف أجهزة الأمن الفلسطينيّة، وعندما كان أحدهم يراني ألقي قصيدة يبادلني السخرية بالقول:
" أنت ضابط ولا يجوز لكٓ أن تكون شاعرًا !! "
على الرغم من أن كتاباتي لم تقترب من النقد اللاذع للمجتمع أو اللاهوت، مجموعة هذه السخريات قادتني إلى أن أنتهز الفرصة بالبوح في إحدى اللقاءات مع قائدي اللواء الركن جهاد جيوسي كونه هو الرتبة الأعلى ونهاية السلّم العسكري الذي تبدأ بعدهُ سلطة السياسة، فطرحتُ عليه السؤال؛
هل يجوز أن يكون العسكريّ شاعرًا ؟
نظرٓ إليّ وابتسم قائلًا:
هل أنت شاعر؟ ،
قلتُ له :تقريبًا،

فأبدى لي سعادةً ودعمًا زاده عندما قام بنقلي لقسم العلاقات العامة والإعلام في وقت آخر لأكون في مكان هوايتي التي أحب حتى هذا اليوم وهذه اللحظة التي أكتبُ الآن منها، وسمح لي بأن أمتطي المنصة وأن أشارك في فعاليات الأدب وأن أكونٓ مع شعبي بشكل آخر، وهذا فضلٌ لن أنساه ما حييت .

ذكرتُ هذا المثال لكي أقولٓ شيئًا واحدًا فقط :
" بامكاننا كعرب أن نكونٓ بشرًا جيدين، ليس جميعنا بالسوء المنتشر"

أشرف فيّاض، إذا كان قد قدم نصًا ملحدًا، سخرٓ فيه من مُعتقٓد المكان الذي يقيم فيه فهو قد أخطأ، لكنه لم يقتل أحدًا؛ لم يؤذِ، ولا يحضرني كي أعبّر عن ذاك المكان سوى أن أذكُرٓ نصًا للشاعرة الشابة ميسون سويدان ابنه الداعية د.طارق سويدان قالت فيه :
" أتيهُ في شوارع مكة
أبحثُ عن الله ..
لم أجدهُ في الحرم "

والتي قصدت بلفظِ الجلالة مجازًا عن الرحمة والإنسانية، فهوجمتْ بحرفية النص وتم تكفريها .
أيها العرب، تعلموا اللغة العربية كي لا تقتلوا حلاجًا آخرًا، وتحلوا بالانسان كي لا تقتلعوا نخلةً أخرى كبلقيس الراوي.

الحرّية لِـ ‫#‏أشرف_فياض.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير