إسرائيل عالقة في فخ الهبّة الشعبية: كيف نتعامل مع السلطة؟

28.11.2015 07:33 PM

وطن: كتب حلمي موسى 

تتسع الهوة بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل في كل ما يتعلق بسبل التعامل مع السلطة الفلسطينية في ظل الهبّة الشعبية القائمة في الأراضي المحتلة.

وبعد فشل جولة وزير الخارجية الأميركي جون كيري وعجزه عن وقف ما يعتبره تدهوراً نحو الصدام، تبحث إسرائيل في سبل مواجهة احتمالات انهيار السلطة الفلسطينية، فيما تفكر «منظمة التحرير» في إلغاء اعترافها بإسرائيل.

ومعروف أن السلطة الفلسطينية، وفي ظل الانشغال العربي والدولي واشتداد الهجمة الإسرائيلية، تبحث عن سبل مواجهة غير عنفية مع الحكومة الإسرائيلية. وتقريباً، ازداد ميل التحدي السياسي لدى القيادة الفلسطينية، بعد إفشال رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو جولة كيري الأخيرة، والتي اعتبرها كثيرون «الفرصة الأخيرة» لصيانة التسوية. ووفق أفكار يتم تداولها حالياً، فإن من بين الخطوات التي قد تقدم عليها «منظمة التحرير» العمل على إبطال اعترافها بإسرائيل. ورغم أن هذه الخطوة ليست بالهينة على قيادة المنظمة والسلطة، لأنها تعني أيضاً الصدام مع الولايات المتحدة، إلا أن الأصوات التي تقول بإلغاء اتفاقيات أوسلو ترى أن هذا جزء أساسي من الرد. ومع ذلك، ثمة بين القيادات الفلسطينية من يرى أن هذه خطوة مقامرة قد تقضي على كل الرصيد الفلسطيني في ظل الواقع القائم. لكن هناك من يحاجج بأن خطر الدولة الواحدة يشكل في نظر الكثير من الإسرائيليين خطراً لا يقل وجودية عن الخطر الإيراني.

من جهتها، نشرت صحيفة «هآرتس» أن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغّر بحث مؤخراً، وبشكل مكثّف، سيناريوهات انهيار السلطة الفلسطينية، وكيف ينبغي لإسرائيل ان تتعاطى مع مثل هذا الاحتمال. ونقلت عن ثلاثة مصادر حضرت المداولات التي استمرت على مدى يومين، قولها إن بعض أعضاء المجلس ادّعوا أن في انهيار السلطة ما يخدم المصلحة الاسرائيلية، وبالتالي لا حاجة بالضرورة للعمل على منع مثل هكذا سيناريو من أن يتحقق.

وأشارت «هآرتس» إلى أن جلسة المجلس الوزاري المصغّر عقدت بعد ظهر يوم الاربعاء الماضي، واستمرت حتى ساعات المساء المتأخرة، ثم تواصلت لساعات أخرى مساء يوم الخميس.

وكان نتنياهو عقد الجلسة إثر فشل زيارة. ونقلت الصحيفة عن مسؤول كبير قوله إن رئيس الوزراء الإسرائيلي عقد الجلسة على خلفية معلومات وصلت إلى تل أبيب حول نية الفلسطينيين اتخاذ خطوات جديدة ضد اسرائيل في الساحة الدولية، نتيجة فشل مساعي كيري في بلورة رزمة خطوات اسرائيلية لتهدئة الوضع.

وبحسب المعلومات التي وصلت، فإن الفلسطينيين يبحثون في امكانية العمل على اعتماد قرار في مجلس الامن في الامم المتحدة أو الجمعية العمومية للامم المتحدة، حيث ليس للولايات المتحدة حق الفيتو، يدعو الى توفير حماية دولية للفلسطينيين «في دولة فلسطين المحتلة». وخطوة أكثر تطرفاً من ذلك يفكر بها الفلسطينيون، هي الغاء قرار منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1993 الاعتراف بدولة اسرائيل ـ وهو القرار الذي شكل أساساً لاتفاقات اوسلو.
ونقلت «هآرتس» عن مسؤول آخر اطلع على تفاصيل الجلسة ان سيناريو الانهيار لم يتناول امكانية ان يحل الرئيس الفلسطيني محمود عباس السلطة، الخطوة التي لا يفكر بها أبداً بجدية، بل امكانية ان يؤدي الضغط العسكري الاسرائيلي، الى جانب الشرعية المتدنية لعباس والازمة الاقتصادية، الى انهيارها.

وكتبت الصحيفة أن «كبار مسؤولي الجيش والاستخبارات الاسرائيلية قلقون جداً من احتمال انهيار السلطة الفلسطينية، وحذروا أعضاء المجلس الوزاري من العواقب الامنية والمدنية الناجمة عن مثل هذا الوضع». ومع ذلك، قال مسؤول كبير شارك في الجلسة إن بعضاً من الوزراء، ادعوا أن انهيار السلطة يخدم بالذات المصلحة الاسرائيلية أكثر مما يضرها، وعليه فلا ينبغي لاسرائيل ان تعمل كي تمنع هذا السيناريو من التحقق. وادعى اولئك الوزراء بانه يحتمل ان يكون ما يفعله الفلسطينيون اليوم ضد اسرائيل في الساحة الدولية، وفي الساحة الداخلية يضر أكثر من امكانية تفكك السلطة.

وأشار مسؤولون اسرائيليون كبار التقوا كيري اثناء زيارته الى أنه غادر اسرائيل باحساس من الاحباط العميق من الطرفين. وعلى حد قوله، فان نتنياهو وعباس على حد سواء تمترسا في مواقفهما ورفضا ان ينفذا حتى الخطوة الادنى لتحقيق الهدوء. وكان كيري ومستشاروه مذهولين من ان نتنياهو، الذي قبل اسبوعين فقط جاء الى اللقاء معهم في واشنطن مزوداً برزمة خطوات مستعد لتنفيذها، قد تراجع عن كل وعوده. وأشار موظف اسرائيلي كبير الى أنه خلف تراجع نتنياهو تكمن ثلاثة اسباب، المركزي منها هو العمليات في باريس، التي دفعت نتنياهو الى التقدير بانه لن يمارس عليه ضغط دولي ذو مغزى بتنفيذ خطوات تجاه الفلسطينيين. والسبب الثاني هو سلسلة العمليات في الايام التي سبقت زيارة كيري وقتل فيها ثمانية مستوطنين اسرائيليين. اما السبب الثالث، فهو ضغط سياسي شديد مورس على نتنياهو من جانب زعيم «البيت اليهودي» نفتالي بينت الذي اوضح بأن حزبه لن يوافق على «المبادرات الطيبة» للفلسطينيين، طالما استمرت العمليات. وأوضح بينت بأنه حتى في حال التهدئة، سيعارض كل خطوة تتضمن منح أذونات بناء للفلسطينيين في المنطقة «ج» في الضفة، حيث السيطرة الاسرائيلية الكاملة.

من جهة ثانية، تتسع الهوة بين المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل. ويجد الجيش، الذي يخضع قانونياً لإمرة القيادة السياسية، نفسه في وضع حرج جراء معرفته أن لا حل عسكري للهبّة، فيما القيادة السياسية تطلب منه هكذا حلول. ومؤخراً، اقترح الجيش تقديم تسهيلات للفلسطينيين في الضفة تمنع انخراط المزيد منهم في الهبّة، ولكن القيادة السياسية تطالب بفرض حصار وزيادة الضغط الميداني والقمعي. كما طالب الجيش بمنح السلطة مزيداً من الأسلحة والمدرعات حتى تتمكن من البقاء، ولكن اقتراحات كهذه تبدو مرفوضة تماماً من جهة المستوى السياسي.

وكتب المعلق الأمني في «معاريف» يوسي ميلمان أن الحديث عن الهوة بين المستويين صار حساساً، وهو أشبه بحقل ألغام لا يريد الجيش الدخول إليه. وبحسب ميلمان، فإن «في الدولة الديموقراطية، تكون القيادة العسكرية تابعة للسياسية، وعليها أن تقبل إمرتها بلا تحفظ. ولكن القيادة الأمنية هي أيضاً قيادة مهنية، يفترض بها أن ترفع الاقتراحات والتوصيات للقيادة السياسية، وفي الجيش الاسرائيلي ايضاً يعرفون انه في وقت الازمة ـ فإن القيادة السياسية ستتنكر لمسؤوليتها وتلقي بها عليهم». ولاحظ أن السياسة الإسرائيلية في الأراضي المحتلة وجدت نفسها «عالقةً في فخ هو نتاج مباشر لمذهب فكري. عندما يكون الوضع هادئاً، لا يسارعون الى تسهيل وضع الفلسطينيين، وعندما يكون الوضع عنفاً وإرهاباً، فإنه واضح للحكومة بأنه محظور عمل ذلك، خشية أن يفسر الامر كـ «استسلام للإرهاب».

تصميم وتطوير