القدس.. والحيز الروحي.. كتبت: ناريمان عوّاد

29.11.2015 11:16 AM

كلما انطلقت من مدينة القدس الى مدينة أخرى خارج أو داخل الوطن أحسست أن شرخاً كبيراً اصاب روحي...

والانتقال يصيبه تشظياً روحياً لا يمكن تفسيره أو حتى الالتفات الى مبررات أسبابه، ولعل الكثير من الأشخاص يشاركوني هذه المشاعر، حيث أنني ابقى أعاني بعدد ساعات الغياب من هذا التشظي الروحي حتى لحظة الاكتمال بالعودة ثانية الى حضن المدينة.

تزداد هذه المشاعر قسوة عندما تخرج من محيط المدينة لتمشي في طرق التفافية اقتطعت مساحات كبيرة من الأرض الفلسطينية لتواجه جنوداً مدججين بالسلاح على الطرقات.. وبنادق مصوبة تجاه المارين.. ولحظات صعبة من الإحساس بعدم الأمان بسبب القدرة غير العادية لدى المحتلين على انتزاع الحياة من أرواح الأبرياء.

أثناء الخروج من المدينة وبين ثناياها، تواجه كتلا اسمنتية تلتهم مساحات واسعة من أرض المدينة والمدن الأخرى لتترك فلسطين الأم معلقة على طاولة مفاوضات لمحاولة استرجاع ولو جزء بسيط مما فقد أو الحفاظ على ما تبقى، وكلما مرت السنون زاد الانقضاض على مساحات المدينة والمدن الأخرى ليصبح الحيز المكاني أضيق مما مما كان.

عند الخروج من المدينة أحساس صعب، خاصة وأن الهالة القدسية التي تحيط بالمكان تلفها عوامل السحر والجذب التي لا يمكن تفسيرها.. الارتقاء بالإحساس العالي بوجودها، حيث ترتقي هذه المدينة بأهلها الى درجات العشق والخلود.

أن الانتقال الجسدي من المكان.. لا يوازيه انتقال روحي فمن يغادر المدينة مغترباً.. أو من يفقد حقه بالإقامة بسبب إجراءات الاحتلال التعسفية.. ومن يُجبر على الابتعاد عنها بفعل الحواجز والجدران.. أو بسبب الابعاد القسري في أكثر من حرب فرضت على المدينة.. لا يعني أن أصحاب المدينة غائبون.. بل يمتشقون في كل أيام أساطير العزة، والأرواح ترتفع فوق المنع والإغلاق.

فقد يمنع الجسد من المرور وتصوب البنادق الى الأعناق لكن الأرواح ترتفع عالياً  لتصل المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وتمشي في طرقات البلدة القديمة وتحلق فوق باب العامود و شارع صلاح الدين وبوابات المدينة، تعانق الأطفال في لحظة ذهابهم للمدارس وتبحث عن معاناة أهل المدينة وهم يواجهون إجراءات الاحتلال بكل صلابة.

تلك هي إذاً الصلة التي تربط المدينة بمن ولد وترعرع فيها ومن عاش في أكنافها، فكيف يمكن لاي قوة مهما كانت غطرستها اوجبروتها أن تبعد أهل القدس عن مدينتهم وأهل فلسطين عن مدينتهم، أن تبعدهم عن الحب والطمأنينة والسلام والإحساس الأخاذ الذي يغلف روحهم.

ترتقي الروح بصلوات المؤمنين المبتهلين الى الله أن تعود المدينة، كما كانت سابقاً، قبلة للمؤمنين والحجاج من كل أقطار العالم الذين كانوا يصلونها في كل المناسبات الدينية.

المؤمنون على بوابات المدينة.. ينتظرون أن يرفع الظلم عن هذه المدينة حيث يموت الصغار فيها وتعلق المشانق لمن يصلي في مساجدها وكنائسها.. ومن يبذل الغالي والرخيص في الدفاع عنها.

على أسوار القدس.. تكمن القصة، حيث تحتفي المدينة بمن حررها من أيدي الغاصبين ومن أطلق جدائلها الذهبية نحو الحرية والانتصار.

للقدس نرنو وأرواحنا تصلي للمدينة وتهتف بأسمها في كل صباح.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير