لنحمي محطات الإذاعة والتلفزة المحلية

30.11.2015 08:49 AM

كتب: محمد حسين

هناك حقائق يجب الوقوف عندها في مسالة الاعتداءات الإسرائيلية على محطات الإذاعة والتلفزة المحلية، تتعلق بالعلاقة القائمة بين الحكومة الفلسطينية وتلك المحطات.

محطات غير معترف بها

لا تعترف الاتفاقيات الموقعة بين الفلسطينيين والإسرائيليين بمحطات الإذاعة والتلفزة المحلية الفلسطينية. وهذه حقيقية علينا أن لا ننكرها، بل يجب أن نتعامل معها لنقلل الخسائر.

قد يكون من الصعب على أي مسؤول فلسطيني أن يعترف أمام الجمهور أن المادة 36 من المرفق الثالث (الاتصالات السلكية واللاسلكية) الملحق لاتفاق أوسلو، منح الفلسطينيين عددًا محدودًا من الموجات والترددات المتاح استخدامها، ومنحت جميع هذه الترددات أساسًا لوسائل الإعلام الرسمية (هيئة الإذاعة والتلفزيون)، وورد هذا في أحد بنود اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة بين منظمة التحرير والحكومة الإسرائيلية يوم 13 أيلول 1993". ما يعني أن إسرائيل التزمت للسلطة الفلسطينية فقط بموجات الإعلام الحكومي، أما قطاع الإعلام المحلي فهو خارج الحماية وبحكم غير المعترف به في الاتفاقات.

إلزام بالواجبات وتنكر للحقوق

حال المحطات المحلية الفلسطينية يكاد يكون محزنا، فهي ملزمة بسلطة القرار رقم (182) لسنة 2004، وبقانون الاتصالات السلكية واللاسلكية، بأن تدفع الرسوم السنوية بدل استئجار الموجات، وتدفع الضرائب كأي شركة فلسطينية ربحية. وهذه واجبات ملزمة.

أما حقها في أن تقدم لها الحكومة الحماية بدل هذه الرسوم فتتنكر له منذ سنوات. فالحكومة أذكى من أن تتعهد لتلك الإذاعات بأي حماية مقابل الرسوم التي تجبيها من تلك الإذاعات، لذا هي تمنع المحطات "إذن بث" وليس "رخصة بث" وفي القانون فرق كبير بين الكلمتين من حين المغزى في الحقوق والواجبات.

قد يكون الواقع صعبا فالاحتلال أقوى على الأرض لكن الحلول موجودة رغم ذلك. فحادثة إغلاق إذاعات الخليل تعيدنا إلى حوادث سابقة منها ليلة 29 شباط 2012، حينما صادر الاحتلال أجهزة البث لتلفزيوني وطن والقدس التربوي في رام الله.

حينها وعد رئيس الوزراء السابق الدكتور سلام فياض بأن تتكفل الحكومة الفلسطينية بقيمة أجهزة بث جديدة كنوع من الدعم والمساندة، وبغض النظر إن كانت الحكومة نفذت التزامها أم لا، فقد اقترحت إدارة تلفزيون القدس التربوي على رئيس الوزراء آنذاك أن يصدر قرارا بإعفاء التلفزيون من رسوم الترخيص المتراكمة عليه لدى وزارة الاتصالات.

أليست فكرة مجدية ويمكن للحكومة أن تطبقها؟ ماذا لو أصدرت الحكومة قرارا بإعفاء الإذاعات التي أغلقها ودمرها الاحتلال من رسوم الترخيص والموجات لعدة سنوات قادمة؟ وتستطيع الحكومة أن تقوم بهذا الأمر وبكل سهولة إن توفرت إرادة حقيقية لأي توجه حقيقي داعم للإعلام المحلي بعيدا عن خطابات التضامن.

وزارة الإعلام المعلقة

سألت مذيعة قناة العربية وكيل وزارة الإعلام الدكتور محمود خليفة الأحد عن الإجراءات التي تتخذها الحكومة الفلسطينية إزاء إغلاق الاحتلال ثلاث إذاعات محلية في مدينة الخليل، وتدمير مقراتها ومصادرة أجهزتها. فماذا يمكن أن يقدم هذا الرجل من إجابات؟

تضامت مع صديقي الدكتور خليفة أثناء وجوده على شاشة العربية حينما قدم خطابا سياسيا ضد الاحتلال، رغم أن الأسئلة هدفت إلى معرفة سر إقدام الاحتلال على إغلاق هذه الإذاعات والمسوغات القانونية والإجرائية لهذا الأمر. ودور الحكومة الفلسطينية في هذه الحالة.

والحقيقة هنا قد تكون مرة ولا يمكن لمسؤول حكومي أن تعترف للجمهور أن الحكومة تفرض على المحطات المحلية واجبات وفي ذات الوقت تتنكر لحقوقها.

إن الحكومة الفلسطينية تضع وزارة الإعلام الفلسطينية في مرمى النار، فمطلوب منها أن تلاحق المحطات المحلية لتصويب أوضاعها، ودفع ما عليها من رسوم للحكومة وخاصة رسوم الترددات مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، دون الالتزام بأية حماية لهذا القطاع.

وفي حال الاشتباك مع الاحتلال مطلوب من هذه الوزارة أن تتحمل مسؤولياتها ولو إعلاميا أمام ممارسات الاحتلال، وأن تقدم أي خطاب يزيح التركيز عن الواقع البائس لمحطات فلسطينية تقدم خدمة يومية للمواطن الفلسطيني، وهي في نظر الحكومة شركات تدر رسوما لخزينتها. وهذا فيه ظلم وإجحاف لوزارة الإعلام التي ظلت على مدى سنوات معلقة بين الإلغاء والإبقاء، وبدون وزير.

التحول الرقمي حل مؤجل

وعدت وزيرة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات السابقة صفاء ناصر الدين بأن منتصف عام 2015 سيشهد تحولا إلى البث الرقمي في فلسطين، ولم ينفذ الوعد رغم أن القرار ليس اختيارا ففلسطين ملزمة بموجب خطة التحول الرقمي التي أقرها الاتحاد الدولي للاتصالات.

تغيب المعلومة عن هذا الأمر، والوزير الحالي الدكتور علام موسى لم يقدم تفاصيل وخطط واضحة، واكتفى في بعض المناسبات عن التأكيد أن التحول

الرقمي قادم في المرحلة المقبلة. وهذا رغم تشكيل لجنة وطنية للتحول الرقمي عام 2013.

لقد مكن تعديل قرار رقم (99) المتعلق بحالة فلسطين في الاتحاد الدولي للاتصالات بعد حصولها على لقب دولة غير عضو في الأمم المتحدة عام 2012، الفلسطينيين قانونيا من امتلاك موجات البث الرقمي، لأن الاتحاد الدولي للاتصالات حدد موجات بث رقمية خاصة بفلسطين تختلف عن إسرائيل، وإن انتهاكها يعد انتهاكا للقانون، وسيكون الاتحاد الدولي للاتصالات مطالبا بالتدخل لدى إسرائيل.

وإن كانت الحماية القانونية لا تضمن وقف انتهاكات إسرائيل في هذا المجال، فإن التحول الرقمي على الأقل سيضمن آلية بث جديدة تجنب المحطات المحلية الاحتفاظ بجهاز بث باهظ الثمن في مقراتها غير المحمية، ما يصعب على الاحتلال مهمة مصادرة أجهزة البث. إذ ستعتمد المحطات في بثها على أبراج رئيسية تزود المحطات بخدمات البث.

استثمار على الهامش

استثمر مالكو محطات الإذاعة والتلفزة المحلية أموالهم وجهدهم ووقتهم في هذا القطاع، رغم أنه غير معترف به استثماريا، فقانون تشجيع الاستثمار رقم 1 لسنة 1998 لا يقدم أي محفزات لهذه المحطات التي تسهم في تنمية المجتمع وخدمة الجمهور في شتى المجالات.

وعلى سبيل المثال يعفي القانون الفلسطيني المنشآت الاقتصادية المقامة في مخيمات اللاجئين من أداء ضريبة القيمة المضافة.

ورغم ذلك لا ينطبق الأمر على وسائل الإعلام التي قد تبث من داخل المخيمات، حيث تفرض عليها رسوما مساوية لنظيرتها في المدن والمناطق الأخرى.

وسبق أن تقدمت وزارة الاتصالات بطلب للقضاء الفلسطيني بإغلاق "راديو الوحدة" الذي يبث من مخيم الدهيشة للاجئين جنوب بيت لحم، وتم إغلاقه بالفعل في أيار من عام 2013 نتيجة عجزه عن الإيفاء بالرسوم السنوية للوزارة والتي تتعلق بإذن البث، رغم أنه مجتمعي تنموي.

لقد أشهرت بعض المحطات شهادات وفاتها بسبب الواقع، وهناك محطات لا تزال في على فراش الموت قد تفارق الحياة في أي لحظة. ومحطات أخرى تناضل من أجل البقاء فلتنظر الحكومة إلى هذا القطاع بعين الرحمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير