مشايخ يطبعون مع الحاخامات المستوطنين

16.01.2016 06:23 PM

وطن: كتبت سارة بك

الاسبوع الماضي وقع أحد الاحداث الثورية التي حصلت في المجال الجغرافي السياسي عندنا في الزمن الاخير. وقد اسكتت القصة لاعتبارات حفظ أمن الحاضرين فيها، ولكن بعد أن حصلت على الاذن بالنشر، فها هي امامكم: مجموعة من رجال الدين الكبار والمؤثرين جدا في منطقة يهودا والسامرة، المنتمين للاسلام المعتدل، استعانوا باصدقائهم المستوطنين، بينهم الحاخام هداسا فرومان، كي يستقبلوا في منزل رئيس الدولة رؤوبين ريفلين.

وكان طلبهم من الرئيس لا يقل صدمة: فهم يطلبون العودة الى السبعينيات والثمانينيات، حين سيطرت اسرائيل سيطرة كاملة في يهودا والسامرة. وذلك من اجل وقف سيطرة السلطة الفلسطينية، التي برأيهم تغض النظر عن الارهاب بل واحيانا تشجعه.
يدور الحديث عن مجموعة من رجال الدين تتبلور الان في مجموعة ذات قوة وتطلب السعي الى التعايش والسلام. ورويدا رويدا يضاف المزيد فالمزيد من الناس الى طريقهم. اليوم هم يعلمون في المساجد، في دور العبادة، في الجامعات التي تسمح لهم بالدخول اليها وفي اطار مجموعات للشبيبة واهالي الاولاد. عبر القرآن والايام يثبتون لمستمعيهم ويدعونهم للسير في طريق السلام واللا عنف.
في بداية اللقاء مع الرئيس بدأ اثنان منهم بالقسم في أنهما حتى آخر يوم لهما سيبقيان مخلصين للسلام، واضافا كلمات احترام لرئيس “الدولة الاكثر اخلاقية في العالم” وللجيش الاسرائيلي، “الجيش الاكثر اخلاقية”. هذه المجموعة، التي بعثت بمندوب لان يلتقي ايضا بقائد المنطقة الوسطى روني نوما، طلبت عدة طلبات ملموسة اخرى، في الا يجري الجنود الرجال تفتيشا أمنيا للنساء، ان يمنعوا فتيان المستوطنين من شتم النبي محمد في مكبرات الصوت قرب البلدات العربية والا تسمح اسرائيل بالحجيج الى الحرم من أجل تهدئة الخواطر.

من يتحدث مع الفلسطينيين يعرف أن هذه اصوات تسمع كثيرا في الشارع الفلسطيني، ومع ذلك فالزعماء المقبولين يمتنعون بشكل عام عن قولها بصوت عال، وبالتأكيد امام الاسرائيليين. ولكن حياة الفلسطينيين قاسية والاحساس هو أنهم عالقون بين السلطة الفلسطينية الفاسدة وبين حماس العنيفة.

السلطة لا تشجع النمو والعمل وتجعل الحياة صعبة على من يسعون الى نيل الرزق بكرامة. وبالمقابل، فبالذات من يعنى بالارهاب يتلقى منهم المساعدة المالية. من هدمت قوات الامن بيته يحظى ببيت جديد. وهكذا فان السلطة في واقع الامر تشق طريق الشعب الفلسطيني نحو فقدان الامل بالتطبيع ولاختيار العنف.
كونه يوجد غضب على السلطة، ينضم الكثيرون لحماس رغم تطرفها. وهذا نوع من تصويت الاحتجاج. حركة حماس غير فاسدة وزعماؤها، هكذا يدعون في الشارع الفلسطيني، لا يأخذون المال لجيوبهم. ولشدة المفاجأة، فالحل المقترح – ان تأخذ اسرائيل في ايديها السيادة – هو حلمهم وليس حلم الدولة الفلسطينية. فهل اسرائيل تريد أن تسمع هذه الاصوات؟ يخيل لي ان اللقاء مع رئيس الدولة يمكنه أن يشكل نقطة انعطافة في الخيارات المطروحة على الطاولة.
*  *  *
اطفالي الثلاثة الصغار لن يصدقوا عندما قلت لهم هذا الاسبوع “اليوم لا توجد مدرسة”. “هاي!”، هتفوا في جوقة، “سنذهب الى حديقة الحيوانات”. “هاي!”. “سنرى الاسود والنمور”. “هاي” “وكذا اطفالا عربا وفلسطينيين”. “لا يا امي!”.
إذن صحيح اننا كسكان غوش عصيون نحن نعيش في جيرة مع العرب، ولكن لاسفي لا يسمع الاطفال بشكل عام عنهم الا عندما تكون عمليات. لا توجد لهم فرص للحديث مع الجيران مثلما توجد لي، كمن أتجول في الميدان. وعليه فقد فرحت بتنظيم مجموعة مستوطنين من افراد ومجموعة فلسطينيين من القرى المحيطة للخروج معا الى حديقة الحيوانات. فبعد أن يتعرف الاطفال الواحد على الاخر لن يقولوا في المرة التالية “لا يا أمي”، هكذا فكرت.

وفي الطريق الى هناك نظرت الى الاطفال عبر المرآة، يجلسون في المقعد الخلفي وهم يفكرون، لدرجة ان ابن الثلاثة والنصف حطم الصمت وقال: “لعلنا نرى ايضا فيلا يطير”، فضحكت وقلت له “لعل”. وبعد ذلك سألت اذا كانوا يعرفون كيف يقال فيل بالعربية، “سنسألهم”، اقترحت الصغيرة والى أن وصلنا تدربنا على كلمات بالعربية تتيح لنا اجراء حديث أولي.

عندما وصلنا تبين ان معظم الاطفال يعرفون الواحد الاخر من طائرة التصوير التي شاركوا فيها. كوبي، تلميذ في الصف الثامن من افرات، وصديقه الفلسطيني قلدا البطريق وانفجرا ضحكا. “انا احب التعرف على اناس جدد، ولم أخف من لقاء الفلسطينيين. جد مفرح لي معهم”، قال، “والان انا اعرف كيف يقال سيد قشدة بالعربية”. قلت له: “هذا مهم وماذا تعلمت ايضا؟” فقال: “ان كل الكراهية بين العرب واليهود يمكن ان تمحى اذا ما التقينا وتحدثنا. بدلا من ايذاء الناس يمكنك ان تتحدث معهم وترى الامور بعيونهم وليس فقط كما تراها انت”.

عدنا الى البيت فرحين وتعبين. اطفالي لم يعودوا يفكرون بان لقاء الاطفال الفلسطينيين قصة. فقط الصغير خاب أمله في أننا لم نرَ فيلا طائرا.
*  *  *
هاتان القصتان هما فقط جزء من مبادرات كثيرة تتم في الزمن الاخير، عن بعضها لا يمكن الحديث. مبادرات يقوم فيها المستوطنون والفلسطينيون بالذات ببناء الجسور. في نظري هذه حركة السلام الهامة اليوم في البلاد، لانه خلافا لحركة السلام الان، مثلا، التي تتبنى مبدأ عنصري وقومي متطرف بموجبه لا يمكن لليهود فقط ان يعيشوا في كل اراضي بلاد اسرائيل وان القوميتين المختلفتين تحتاج دولتين مختلفتين؛ هذه الحركة تخلق ميل الحياة المشتركة والعيش المشترك، وهي الامل في السلام الحقيقي. ربما ليس الان وهناك الكثير من الاسئلة التي يجب الاجابة عليها ولكن الاتجاه ايجابي وهو يسعى الى رفاهية الفرد وحقوقه، حتى اكثر من منظمات حقوق الانسان التي لا تحرص غير مرة سوى على حقوق عائلات المخربين.

من ناحية الامن الشخصي – وكذا من جانب حقوق الانسان ومن الناحية الاقتصادية والاستهلاكية – للفلسطينيين أفضل تحت سيادة اسرائيلية (ولا، ليس لهم أي رغبة للانتخاب للكنيست). وعليه فكلما نجحنا في أن نشطب بشكل اسرع عن جدول الاعمال فكرة ان يكون بين النهر والبحر دولتان، سننجح في تعزيز المجتمع الفلسطيني المعتدل. مجتمع يعرف بانه في اليوم الذي تقوم فيه دولة فلسطينية، فتأتي نهاية املهم في الحياة الافضل. علينا نحن ايضا أن نفهم: الخيار القائم لدى الطرفين ليس بين استقلال فلسطيني وأبرتهايد، بل بين حماس وارهاب وبين الازدهار والعيش المشترك.

معاريف   15/1/2016

تصميم وتطوير