مايك فغالي بائع الوهم في دمشق

05.02.2016 05:54 PM

وطن: كتب خليل صويلح

قبل أن ينزلق التاكسي إلى نفق ساحة الأمويين باتجاه وسط المدينة، ستباغتك لوحة إعلانية ضخمة للفلكي مايك فغالي (الصورة). لوهلة سوف تظنه أحد أتباع الدالاي لاما، لولا أن الفطنة الغرافيكية المتقنة اكتفت باللونين الأبيض والأسود وتخلّت عن البرتقالي، ما يصيب من ينظر إلى الصورة، لحظة العبور الخاطف، بخشية ما، وربما بخشوع غامض.

كنّا نظن بأن موسم التنبوءات الفلكية قد انتهى مع مطلع العام، وأن حلبة الصراع على الشاشة في تقاسم الكوارث العالمية المقبلة، انتهت عند هذا الحدّ. لكن الإعلان المرافق للوحة يطمئننا بأن مايك فغالي سيكون على الهواء مباشرة كل مساء ثلاثاء على إحدى المحطات الإذاعية المحليّة (هناك تناص مع عنوان رواية لسليم بركات «الفلكيون في ثلاثاء الموت»).

شخصياً، لست ضد التسلية في كشف الطالع، وحظوظ الأبراج، لكنني كنت أفكّر بمشاق السفر الأسبوعي من بيروت إلى دمشق وبالعكس، بالنسبة إلى هذا الفلكي المقدام، خصوصاً في موسم الثلوج. أظنّ أيضاً بأنه ليس بحاجة لخدمات جميلات حالة الطقس اللواتي يرتدين ثياباً خفيفة، في الوقت الذي يؤكدن فيه أن درجة الحرارة ستكون تحت الصفر ليلاً. الأمر لا يحتاج إلى أكثر من صفنة فلكية من شباك الصالون تبعد العاصفة الثلجية آلاف الأميال. كنّا نتسلّى إذاً، بفلكياتنا المحليّات، خصوصاً نجلاء قباني التي لا تتردّد بعد الحصول على قيد نفوسك، واسم أمك، معرفة الطبخة المفضّلة للشريك، وكيف ينبغي أن تكون حذراً من أن تطبخ الكوسا باللبن في يوم يفضّل الشريك فيه الفاصولياء بالزيت، و«حياتك العاطفية مستقرّة، لكنها متأرجحة».

كنت أتخيّل مشهداً فانتازياً لمواليد برج الحمل، وهم يئنون ألماً بسبب عدم حذرهم من «آلام الساق وآلام الركبة». كل هذه التسالي المحليّة كانت تعبر بسلام إلى أن أتى مايك فغالي بحلته الغريبة وبشعره ذيل الحصان ليزيح أحجار الشطرنج جميعها جانباً، ويبيع الوهم للسوريين بالجملة والمفرّق. سياسة، واقتصاد، وعواطف، ومندل. يوزّع الاغتيالات بعدالة، ويعيد الجولان حرباً، ويحسّن الخدمات في مخيم اليرموك، وينعش الاقتصاد المحلي خلال الأشهر المقبلة، وينهي الحرب الدائرة بأسرع ما يفعل دي ميستورا، لكن البشارة التي أعادت إلينا الطمأنينة هي استقرار الدولار على مائة ليرة بعد أشهرٍ قليلة، ضارباً عرض الحائط بكل التوقعات الاقتصادية الأخرى، وبورصات المال، واحتضار الليرة. عموماً، سنبقى متمسكين بحبل الأمل الذي منحنا إياه مايك فغالي، منذ ثلاث سنوات، عندما وعدنا بأن الأزمة السورية ستنتهي بعد 60 يوماً، ونحن- منذ ذلك التاريخ ــ لم نصرف منها أكثر من ألف يوم.

تصميم وتطوير