المصالحة وتفعيل حكومة التوافق الوطني على الارض؟

07.02.2016 08:07 AM

كتب: عقل أبو قرع

مع اتجاة انظار الفلسطينيين الى العاصمة القطرية الدوحة هذه الايام، وفي ظل الحديث المتجدد والامال المنبعثة حول محادثات او تفاهمات جديدة للتوافق الوطني ولانهاء الانقسام، ومع مرور اكثر من عام على تشكيل حكومة التوافق الوطني، ومع كل الامال والتفاؤل الذي رافق تشكيلها في ذلك الوقت، فأننا ما زلنا في حالة من الجمود الفلسطيني الداخلي القاتم، في ظل واقع يترسخ على الارض، حيث لا تستطيع حكومة " الوفاق الوطني"، القيام بمهامها كما يجب في كافة الاراضي الفلسطينية، ومهما كانت الاسباب لذلك، وفي ظل وضع اقتصادي جامد او متجمد، ومعدلات بطالة مرتفعة وترتفع باستمرار، وفي ظل غلاء الاسعار وازدياد نسبة الفقر، فالمطلوب وكخطوة حقيقية بأتجاة المصالحة وانهاء الانقسام، هو تفعيل عمل حكومة التوافق الوطني، ان صحت التسمية، او ما زالت صحيحة، تغعيل عملها على الارض، وفي كافة المجالات والمناطق او المحافظات؟

وفي ظل هذا الواقع الحالي، فأن ما يهم المواطن والناس، هو القدرة والعمل على توفير الخدمات الاساسية للمواطن، من صحة ومن تعليم ومن امان واستقرار وسلامة، وفي اوضاعنا الخاصة، العمل على تئبيت وجودة غي الارض المتنازع عليها بشدة، والعمل على تحقيق الحياة الكريمة والاحترام لة، من خلال تشجيع الظروف وتوفير الامكانيات وتسخير المصادر، لايجاد فرص عمل وتشغيل وانتاج وتصدير، والعمل على تحقيق نوعا من الامن الغذائي ومن الامن الدوائي، سواء من خلال دعم القطاعات الانتاجية، مثل الزراعة والصناعة وبأنواعها، وكذلك العمل على حماية المقومات الطبيعية، التي بدونها لا يمكنة العيش بشكل سليم والتقدم والتنمية، اي حماية البيئة التي فيها يحيا، حمياتها من التلوث ومن التداعي، سواء اكان ذلك الهواء، او المياة، اوالارض والتربة، اوالمنتجات الغذائية وغيرها، والتنوع الحيوي وغير ذلك.

وبغض النظر عن طبيعة الاتفاق او التفاهم الذي من الممكن ان تتوصل الية الاطراف الفلسطيينة في الدوحة، هذا اذا تم ذلك، وبغض النظر عن الترتيبات اوالاسماء الجديدة التي من الممكن ان تنتج عن ذلك، وسواء ادى ذلك الى تغيير او تعديل في نوعيىة او في طبيعة الحكومة، الا أن ما يهم المواطن الفلسطيني العادي، هو مدى ما سوف يؤدي إلية ذلك من تغيير في حياته اليومية، وبالشكل الايجابي، وبالاخص في حقائب او مجالات مهمة، تتداخل في حياتة المعيشية اليومية، وبالتالي فأن اي تغيير او تعديل في الاشخاص، وبالاخص في حقائب مهنية حياتية، بعيدة عن حقائب السياسة، من المفترض ان يتم من خلال ضخ الكفاءات المتخصصة، ومن المتوقع ان يتبعة تغيير في سلم الاولويات، وفي برامج عمل او في سياسات وفي خطط ، بحيث تؤثر، وبشكل ايجابي، على غالبية المواطنين، وبشكل تضع المواطن او الناس كأولوية في عمل الحكومة، بعيدا عن التجاذبات وعن المناوشات وعن تبادل الاتهامات او الفوائد المترتبة عن اي اتفاق مصالحة و بانواعها؟.

ورغم انة في اوضاعنا الحالية، هناك قيود ومحددات للانجاز ولتحقيق الاهداف الموضوعة، سواء الان او في المستقبل، ورغم المتوقع ان هذه القيود او المنغصات من الممكن ان تزداد ان تم اي نوع من اتفاق

للمصالحة او لانهاء الانقسام، الا ان هناك العديد من القضايا التي تؤثر بشكل مباشر او غير مباشر على حياة الناس، بحيث يمكن التغيير او التقدم فيها او تحقيق المزيد، ومنها التعليم والصحة والزراعة والصناعات والبيئة والعمل، وهذه فقط امثلة، ومنها الاستثمار اكثر وبشكل مستدام في قطاعات الانتاج من زراعي وصناعي، والمحافظة على انتاج مستدام وبالتالي اسعار معقولة للخضروات و اللحوم وغيرهما، وسلامة الطحين والخبز والالبان وما الى ذلك.

فالصناعات الفلسطينية، ومنها الغذائية كمثال من القطاع الانتاجي، والتي تشكل حوالي 25% من الانتاج الصناعي الفلسطيني، وتنتج حوالي 200 نوعا مختلفا من المنتجات الغذائية، وتقوم بالتصدير الى الخارج بقيمة تصل الى المئات من ملايين الدولارات، وبالتالي تساهم في الناتج القومي الاجمالي وفي التشغيل وفي الحد من البطالة، وهي بحاجة الى زيادة التسويق الى الخارج، ولكي تتطور وتتوسع، فانها بحاجة الى الدعم ولتوفير البنية التحتية والايدي العاملة المدربة والادارة الجيدة، وكذلك بحاجة الى الاثبات لمن يستورد المنتج الغذائي، انة منتج امن وسليم، وهذا يحتاج الى المزيد من الارشاد حول استخدام المواد الكيميائية،والى الاستثمار في مختبرات لفحص بقايا هذه المواد الكيميائية، سواء في المنتج الزراعي الطازج او في المنتج الغذائي المصنع، وهذا كلة لا يحتاج الى انتظار اطار سياسي او غيرة من تفاهمات المصالحة، من اجل القيام بة وفي كل المناطق او المحافظات؟

وهناك القطاع الصحي، والحاجة الماسة والاهم الى ترسيخ ثقة المواطن والناس فية، وفي الرعايات الصحية المختلفة التي يوفرها، سواء اكانت الرعاية الاولية، او في المستشفيات، وهناك الحاجة الى بناء قاعدة صحية قوية، من حيث الكفاءات البشرية المدربة والمتخصصة والتي تبقى تعمل ولا تغادر، ومن حيث البنية التحتية من اجهزة وابنية وادوية وصحة عامة تعتمد على الوقاية وعلى التطعيم ومقاومة انتشار الامراض غير السارية او السارية، وليكن الهدف هو ترسيخ احترام المواطن للقطاع الصحي.

وكذلك التغيير من اجل ارساء ثقافة الاحترام في تعامل القطاع الصحي مع الناس، سواء في العيادة او في المختبر او في المشفى او في طريقة حصولة على الخدمة، وهذا كلة يحتاج الى الاستثمار في كفاءات متخصصة وفي مواقع تقود التغيير، وفي عقليات يكون محور اهتمامها المريض او المواطن، والى الابتعاد عن عقليات تحكمت وسيطرت وادارت قطاعات صحية هامة خلال سنوات عديدة، والاهم انها تحتاج الى سياسات وخطط تعتمد على المراقبة والشفافية والتواصل والمتابعة والتقييم، وتفعيل عمل الحكومة في هذا القطاع، وسواء اكان في الضفة او في غزة، هو ما يرنو الية الناس، وبغض النظر عن نوعية او طبيعة تفاهمات المصالحة، التي من الممكن ان تتوصل اليها الاطراف ؟

وهناك الاولوية للتعامل ومن منظار شامل، مع الكارثة البيئية التي احدثها العدوان الاخير على قطاع غزة، في تلك البقعة الجغرافية الضيقة، والممتلئة بالبشر، والحاجة الى التعامل مع توفر وجودة وتلوث المياة وبالاخص المياة الجوفية، وتلوث التربة، او تلوث مياة البحر، او الحيز الجغرافي من حيث انتشار النفايات الصلبة والمياة العادمة، وبالتالي امكانية تلوث الهواء، وكذلك للتعامل مع ضعف او مع غياب القوانين البيئية الملزمة وضعف التوعية البيئية الكفيلة لايلاء البيئة في غزة والضفة الاهتمام الكافي، وهناك كذلك الحاجة للتعامل مع التدهور البيئي المتواصل الذي ينتج عن الاستيطان وتبعاتة في الضفة؟

وهناك الحاجة للتعامل مع قضايا التربية والتعليم والتعليم العالي، والحاجة الى احداث التغيير النوعي، سواء من حيث امتحان الثانوية العامة، اي التوجيهي، او من خلال وضع خطط بعيدة المدى للتعامل مع الاعداد الهائلة من الخريجين، التي يتم زجها سنويا الى سوق العمل وبقاؤها بدون عمل، حيث ما زال النمط التقليدي، او المسار الذي اعتدنا علية، سواء من حيث التخصصات وتكرارها او من حيث المعايير او من حيث توفير المصادر والامكانيات للبحث العلمي، او من حيث ربط التعليم العالي مع احتياجات المجتمع، او على الاقل مع تطلعات القطاع الخاص في بلادنا، ما زال هذا النمط هو السائد، وما زالت النظرة الى التعليم العالي على انة فقط لقضاء اربع سنوات او اقل او اكثر، ومن ثم الحصول على شهادة، ومن ثم على لقب، وبالتالي على وظيفة اذا امكن؟

وهناك الاولوية، وفي اطار الامكانيات، لمعالجة قضايا مثل البطالة والتي حسب احصائيات فلسطينية نشرت قبل فترة قصيرة، وصلت الى اكثر من 25% من الايادي العامل من سن 15 سنة وما فوق، وهناك الحاجة الى التطبيق العملي والمتابعة لسياسة الحد الادنى للاجور للعمال، وقضايا يومية اخرى تتعلق بسلامة الطعام والدواء وحماية المستهلك وشحة المياة والازدحام على الطرق، وتراكم النفايات وما الى ذلك من امور يلمسها او يشاهدها الانسان الفلسطيني ويأمل ان يتم تغييرها او التعامل معها، وهذا ما يأمله او يتوقعه الناس، من خلال تفعيل عمل الحكومة على الارض، سواء اتمت مصالحة، وسواء اكانت هذه المصالحة شكلية او حقيقية، او بشكل كامل او جزئي.

ومع انتظار ما سوف يتمخض عنة ما يجري او ما سوف يجري في قطر، ومع ابقاء التفاؤل والامال في التوصل الى اطار شامل وعملي ومستدام، فأن اولوية تفعيل عمل الحكومة على الارض سوف تبقى اولوية المواطن والناس، سواء في الضفة او في غزة، ا فلسفة العمل، ولاجل ذلك المطلوب تحقيق نوعا من التناغم او الانسجام، او فلسفة عمل الفريق الواحد في الحكومة، من حيث التركيز على النتائج والانجازات على الارض، ومن حيث زيادة او تفعيل التواصل مع الناس وتفهم قضاياهم ومشاكلهم، وبـأن تكون قنوات التواصل مع المواطن ومع الاعلام واضحة وصريحة، وتعكس الحقائق بدون مبالغة او بدون وعود كبيرة، وبأن تستند خطة العمل على تحقيق اهداف واقعية ومرتبطة بفترة زمنية محددة، وبأن يتم قياس ما يتم تحقيقة على الارض، من خلال مؤشرات تركز على النتائج وليس على الافعال والبيانات والتصريحات، وبأن يتم تبني الاسس العلمية لعملية المتابعة والتقييم، من اجل قياس تحقيق اهداف الحكومة على الارض، وفي كافة الاراضي الفلسطينية؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير