أسير ايرلندي وشهيد سوداني

08.02.2016 11:49 AM

وطن: كتب حمدي فراج

في الزمن الانتفاضي يتعلم الناس اضعاف اضعاف ما كان يمكن ان يتعلموه في الزمن الاعتيادي ، ويختزلون السنوات في اشهر معدودات واحيانا في اسابيع ، وتتداخل المقدمات في النتائج ، وتتبادل الرئيسيات ادوارها بالثانويات ، ويدخل على الخط قضايا جديدة كان يظن انها لن تتصدر الموقف قبل مرور وقت طويل قادم .  

  وعلى الرغم من ان هذه الانتفاضة لم تحظ بالدعم الرسمي المأمول من قبل قياداتها الفصائلية ، الا انها استطاعت ان تفرض على رافضيها ومنتقديها ، بما في ذلك فصائل يسارية ، عدم البوح بمثل هذا الموقف الرفضي ، الذي يتقاطع شئنا ام أبينا مع الموقف المعادي ، الذي تفنن في محاربتها والاجهاز عليها في مهدها ، لكن هذا المهد استغرقهم خمسة أشهر ، دون ان يلوح امامهم اية بارقة أمل نحو نهايتها .  

لقد نجح شهداؤها اليافعون الذي يقترب عددهم من المئتين ، ومثلهم من الاباء والامهات والاشقاء والشقيقات والمعارف والاقارب والاصدقاء والجيران والزملاء ، واضعاف اضعافهم من الجرحى والاسرى ، موزعون على عشرات المدن والقرى والمخيمات ، في فرض الحالة النهوضية والكفاحية على زمان كاد النكوص يصبح عناونه ، وكاد الشكل التفاوضي العقيم الذي امتد لما يزيد على العقدين ان يصبح سكته وقطاره على حد سواء .   

  لقد فرضت الانتفاضة رأيها على ما يجب ان يكون ، وما يجب ان لا يكون ، بما في ذلك موضوع المصالحة المخضرم ، وترحيل اجتماع المجلس الوطني ذات العضوية الشائخة واستبدالها بشباب شائخ من ذوي النهج التفاوضي المستشري والتسيق الامني المقدس . على الاقل حالت الانتفاضة ان يظل مقدسا ، وارتفعت اصوات منتقديه حتى لنجد من بينهم اصحابه والضالعين فيه ، ولا نظن انه سيمر وقت طويل قبل ان تدكه الانتفاضة بسبائكها .  

  اضراب الاسير محمد القيق الذي فاق اصحاب الطريقة الايرلندية انفسهم ، بمثل هذا الشموخ والتحدي ، المستمد اصلا من شموخ الانتفاضة ذاتها ، انما يعمقها ويقدم لها دعما فرديا يفوق ما كان يمكن ان تقدمه لها الاحزاب والجماعات .    

الشهيد السوداني في عسقلان ، حكاية كاد يطويها النسيان في أتون الحقبة الخاوية التي امتدت الى ما يزيد على ربع قرن من سلام الخذلان وسلام الخرفان الذي تأمل فيه الراحل عرفات ان يكون سلام الشجعان ، فأتت على اي تضامن كفاحي اممي او عربي ، او حتى فلسطيني من عرب الداخل كما حدث في مماحكة نشأت ملحم من عرعرة ان كان شهيدا ام لا ، فحسمته الانتفاضة احد شهدائها البارزين .

وهذا ما ستحسمه ايضا ازاء الشهيد السوداني رغم ان المماحكة حوله تطول هذه المرة تيارات الدين السياسي التي ترفض اعتماده في قوائمها ، ربما لانه سوداني وسيغضب ذلك امير المسلمين عمر البشير "رضي الله عنه" .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير