على المحك !

12.02.2016 01:25 PM

كتبت: فيحاء شلش

عادة ما كنت أحب الاستماع إلى نشيد قديم يبعث روحا جديدة في نفسي؛ "يا دعوتي سيري"، أطرب لها ولكلماتها أثناء السفر في المركبة من مكان إلى آخر أو حين أنشغل بأمور المنزل، أردد كلماتها وأحفظها عن ظهر قلب ولم أكن أدري أنها ستكون عنوانا لمرحلة ما في حياتي.

فجر الحادي والعشرين من نوفمبر ٢٠١٥ قلب أيامنا رأسا على عقب وغير الكثير من المعادلات حول الوضع القائم، فاعتقال زوجي الأسير الصحفي محمد القيق لم يسلب نصفي الآخر فحسب بل كلي الثاني وسندي أمام رياح الأيام العاتية، لم أكن أتوقع أنه سيأتي يوم بلا وجوده بيننا وبلا مزاحه وضحكاته وطيب قلبه وحنانه اللا منتهي، لم أكن أتخيل أنني سأفقد هذا الصرح في المنزل والعمل والحياة اليومية.

ليس أمرا سهلا ولا بسيطا أن يغيب هذا النور فجأة فتمسي الحياة ظلاما لا ينتهي، ولكن الأقسى والأصعب أن يصل خبر إضرابه عن الطعام إلى مسامعنا فتتحول أوقاتنا إلى قلق مستمر وتساؤلات قاتلة ولحظات مغمسة بالتوتر.

ذكرت كل ما سبق حتى أضع القارئ في صورة الحال التي عشناها منذ قرابة ثلاثة أشهر مرت علينا دهرا كاملا وأنا على وجه التحديد؛ ولكنني وجدت نفسي أمام خيارين؛ فإما أن أستسلم للأمر الواقع وأترك المجال لنبع العبرات الحزينة وأقلق كل من حولي بقلقي الدائم أو أن أكون خيطا من أمل لكل من حولي أثبتهم أصبرهم وأشعرهم أن معاناتنا ضئيلة إلى جانب معاناة من حولنا من البشر!

ترددت كلمات النشيد في مسامعي ألف مرة "بالدم أفديكي أنا وإخواني".. ياه ما أعمق المعنى؛ كنا نرددها دائما والآن وضعنا الله على المحك؛ فهل سنبقى نعكس المعاني داخلنا أم نضعف ونلين حين يصل الأمر إلى حياتنا الشخصية؟!

قررت أن أسير في طريق نبض الأمل فأخفيت ما بي من أوجاع الفراق والترقب وتمكنت في كل مرة أن أدوس على مشاعر الأمومة لدي حين أنظر إلى وجه طفلي وطفلتي وهما يسألان عن والدهما بين أكوام الصور والذكريات، ألبست نفسي ثوبا آخر حاولت تحاشيه كثيرا وهو الانغماس المباشر مع الناس وتحت الأضواء وفتح أبواب علاقات جديدة لا منتهية؛ كله لأجل أن أكون السند حين تبادلنا الأدوار وأن أشرق حياته حين أظلمت على جسده أسوار السجون وأن يكون مطمئنا أنه لم يترك خلفه إلا كتفا يستطيع أن يلقي بهمومه عليه دون توجس.

الزوجة ليست شريكة فحسب لزوج اختاره الله لها؛ بل هي خيال له في كل وقت وحين ومكان، هي بلسم إن ضاقت به الدنيا وآفاق أمل إن تكالبت عليه الأصفاد وأكوام من الابتسامات إن ملأت حياته الأحزان.

 

"إشراقات"

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير