هل ستبقى الحرب باردة؟

14.02.2016 08:10 AM

كتب: سامر عنبتاوي

المنطقة و العالم لا يسيرون سيرا و لا يسرعون الخطى ...بل يهرولون الى المجهول ..الى حالة من غلبة قوى الشر و الظلام على قوى الانسانية و الخير ..الى مواجهة انسانية عارمة تقامر بمصير الانسانية ...نحن امام قوى وصلت الى مرحلة اللاعودة و اغرقت في التورط و التوريط ..هناك قوى ترى احلامها تتبدد و لا تسلم بالحقيقة بل تجر المنطقة الى حالة من الفوضى العارمة كالسعودية و تركيا ...و هناك قوى اقليمية تجد انها ضمن الاستهداف و التورط كايران و حزب الله ..و سوريا بحكومتها و شعبها يصبحون الضحية و الجلاد في نفس الوقت ...و روسيا لا تسلم بليبيا و عراق و يمن جدد في سوريا ...و حلف الاطلسي لا يسلم بتمدد النفوذ و القوة الروسية فيضحي بحلفائه بالمنطقة قربانا للمواجهة و الحد من هذا النفوذ فالحلف لا يريد التورط في المواجهة المباشرة و لا يسلم بالنتائج فيترك المنطقة للاحتراق الداخلي و لكن سرعان ما تصيب النيران اوروبا و حتى امريكا و حلف الناتو باكمله ...في ظل هذه الملحمة المتسارعة ...فالامور تتجه اما الى تسوية اقليمية برعاية دولية ..او حرب اقليمية تمتد لتصبح دولية ... و اخشى- و آمل ان اكون مخطئا - ان يكون الخيار الثاني اكثر رجوحا ...فباقل كثيرا من هذه الاسباب نشأت الحروب العالمية الاولى و الثانية .

بنيت السياسة التركية الخارجية معتمدة على التحول السريع في سوريا ...امتداد للنفوذ التركي في شمال سوريا ..مكاسب اقتصادية ..هيمنة على الارض و تحديد للدور الكردي ..بدأ مشروع السلطان العثماني يتجدد و يملأ احلام و كوابيس اوردوغان ...حلب في قمة الشهوة الغريزية لتركيا فدعمت و سمحت بالمرور الكبير لكل المقاتلين و ناصبت الحكم في سوريا العداء و حرقت جميع السفن ,,و اهمها الموقف من ايران و العراق,, هكذا وضعت السياسة التركية الخارجية مدعومة بسياسة داخلية اتسمت ببناء الاقتصاد و رفع مستوى الحياة للطبقات الاجتماعية مما زاد في شعبية حزب العدالة و التنمية ...اعتبره اوردوغان تفويضا له برسم السياسة الخارجية و مؤهلا لفرض الهيمنة على الجوار .

السعودية دخلت صراع البقاء ما بين الاسرة الحاكمة و ايران ( الشيعية ) هذا العدو المفترض فاججت الصراع السني الشيعي و ساحات المعركة ما بين سوريا و لبنان و العراق و اليمن ..و قد راهنت ايضا على ضعف الحكم السوري و رفضت اي حل سياسي في سوريا و دعمت الجهات المسلحة ضد النظام..ياختصار حاولت ضرب الخاصرة الايرانية الضعيفة في سوريا و اركنت لامتداد الصراع في العراق و الذي يتأثر سلبا بالتأكيد فيما لو سقطت سوريا ..و اثناء الصراع برزت فجأة اليمن ..تحولات دراماتيكية و فرار رجل السعودية عبد ربه هادي ...فسارعت الى بناء حلف بالفاكس و الواتساب ..و شنت هجوم عسكري على اليمن دمر و قتل و لم يحقق النتائج فكانت النكسة الاولى .

الا ان الحلم التركي و الرهان السعودي اصطدما بقرار روسي بالتدخل المباشر و باعلى مراحل التنسيق و الثقل دخلت روسيا المعركة و غيرت بل وضعت قواعد جديدة للعبة ..ولسان حال الروس يقول : نحن من يحدد المسار و نحن لن نسمح بسقوط سوريا و نسجت نوع من التفاهم بل التنسيق شمل ايران و حزب الله اضافة للنظام السوري وارسى تفاهمات مع بعض قوى المعارضة و حيد ( اسرائيل ) عن المعركة ..و هذا ما اخرج الاتراك و السعوديين عن عقالهم ..الحلم يتبدد و الرهان يموت و سوريا تنتصر !! اين انتم ايها الحلفاء في الناتو ؟! سوريا تستعيد الارض و النفوذ الروسي يتسع و الناتو يسلم بالامر ؟! و جاء رد الناتو على لسان الامريكان : اتريدون ان نحارب الروس لاجلكم ؟! و هو رد لا يخلو من الخبث عندما رافق الدعوة من الامريكان للتدخل البري من دول المنطقة ضد داعش ..و جاء الرد السعودي سريعا ..كالعادة نحن جاهزون ..و الترحيب الامريكي كان اسرع ..و ها هي قاعدة انغرليك التركية تعج بالطائرات السعودية و ها هي المدفعية التركية تقصف الاكراد في العمق السوري ..فهل من عاقل يظن ان هذه الحشود تستهدف داعش ؟!

ايران و حزب الله ايضا وجدوا انفسهم في خيار ان نكون او لا نكون فسقوط سوريا يعني صيغة تدميرية لحزب الله و ضربة في مقتل لايران ..فدخل حزب الله المعركة بقوة و ايران اوجدت الدعم المادي و الخبراتي و اللوجستي و ها هم القادة العسكريون الايرانيون في معظم اماكن المواجهة .

ما يميز هذه الحالة ان الجميع في مأزق و الجميع امام لحظة مصيرية تصل الى وصف حياة او موت فالروس في وضع اقتصادي ليس بالبسيط ابدا و قد دخلوا مرحلة اللا عودة في المعركة لقناعتهم ان سقوط سوريا سيلقي ببالغ الاثر على المصالح الروسية و على هيبتها و في العالم ..و امريكا لا تستطيع التسليم بسهولة بانتصار روسيا في سوريا و امتداد النفوذ ليشمل لبنان و العراق و علاقات مميزة مع ايران مما يؤثر بشكل كبير على المصالح الامريكية .,, و دول المنطقة في مأزق .. في تركيا و السعودية التطورات اصبحت هاجس وجودي للاسرة الحاكمة و وحدة الاراضي ..و المستقبل السياسي لحزب اوردوغان يصبح على المحك ..و كذلك لا يقل الوضع صعوبة لدى ايران وحزب الله و العراق و سوريا .

هذا ما يقلق ..الجميع في مأزق و الحرب الباردة قد بدأت فعليا و هذا ما اعلنه رئيس الوزراء الروسي ( ماديفيدف) و في اعتقادي ان الولايات المتحدة تحاول توريط الروس و استنزافهم في حرب استنزاف على الاراضي السورية من خلال تدخل تركيا و السعودية و حلفائهم و ايران لن تصمت و روسيا ستزداد اصرارا و حزما ...الى ماذا يقود هذا؟! حرب اقليمية طاحنة كل يدافع عن مصالحه و اهدافه ..مروجوا هذه الحرب تركيا و السعودية و عرابها الناتو و امريكا خصوصا ...فالى اي مدى ستصل هذه الحرب ؟!

و يبقى السؤال : هل هذه الحرب حتمية ..ام ان هناك مجال لتسوية اقليمية ؟ ما يسمع طبول الحرب اعلى من همسات السلام و اللاعبون متعددون و مختلفوا الاهداف ..و هناك اطراف مستعدة للدمار كي لاتخسر مآربها و في المقدمة السعودية و تركيا ..و مجريات الامور على الارض توحي ببدء الاعمال العسكرية ...و المفصل حلب ..فهل ستكون هذه المدينة المدمر نصفها وصفة السلام او الحرب ؟ هذا ما ستبديه الايام القادمة ..و حتى يحصل و في حالة غلبة لغة العنف و الثأر لا سمح الله فكثيرون من يتحملون مسؤولية الدماء التي ستسيل و بالتأكيد مروجي الحرب و عرابوها هم من يتحملون المسؤولية الكبرى امام الله و التاريخ ..ان بقي تاريخ بعد جنونهم.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير