حُمّى الاسم

14.02.2016 02:37 PM

كتب: طارق عسراوي

كيف لم يسمع سكّان بناية الجليد الذين أقطنُ بينهم صراخي  وصوت استغاثتي !!  لو أنّ أحدهم دفع مقبض الباب لشُرّع على مصراعيه !! فمنذ أن خاض قلبي صراعه الأوّل مع فقاعة الهواء في الوريد التاجي وأنا لا أقفِلُ الباب. 

بدأ المطر يشتد، يزداد غزارة ، ثمّ أخذ النور يخفت ويرتجفُ قليلاً ثم يعود ينوس بوهج مزعج ، إلى أن قُطع التيّار الكهربائي. 

يتهاطل الماء من جوانب النافذة، يتدفّق أكثر، امتلأت الغرفة بالماء ، الذي ارتفع حتى وصل حافة السرير، وامتدت أسلاكٌ سوداء من إفريز سرير الحديد كبّلت يديّ، وتفجّر الماء من الحيطان والأرض ينابيع تفور،  أحسّست به بارداً له لون العتمة،  يغطّى جسدي  المرتعش برداً ، وأسناني تصطكّ مثل الآلة الطابعة في قاعة المحكمة.

كنت أصرخ، أستغيث، أستجمع قوايَ لأنهض برأسي إلى الأعلى ، فوق الماء الذي طفحَ فوق صدري.. شاهدتُ مكتبتي وقد صارت قوارب ورقية تطفو بالغبش في بحر القطران الحالك .. الكتب تطفو وأنا مقيّدٌ بالعمق، عبد الرحمن منيف في مدن الملح، أعمال أمل دنقل، مسرحيات معين بسيسو، الحب في زمن الكوليرا، كلّها تدفّ صوب النافذة وتسقط خارجها، أقاوم الأسلاك حول معصمي فتتشبّث بي أكثر .. أصرخ وأجوح .. وغرغرة الماء المتدفّق من الحيطان تعلو كأنها قهقهات مخلوقات هستيرية شامتة..  بدأ الخَدَرُ يسري في أوصالي، عاد الضوء فجأة وانطفأ ، فتراءت لي وجوهٌ بيضاء تمدُّ يدها في صدري ..!  وغرقتُ تماماً إلا من صفير نَفَسي. بعد أيّام - لا أذكر عددها - قالت لي الممرّضةٌ ، بينما سائلٌ شفّافٌ يقطر في وريدي؛ إشرب ما استطعت من السوائل فقد تعرَّقَ جسدُكَ كثيراً في الليالي الماضية، ولا تصرخ عالياً .. لقد نجوتَ! 
كيفَ لم تَسمعي استغاثتي وصراخي، لقد ناديتُ باسمِكِ مراراً ، كما قالت الممرضة !! 
كيفَ لم تسمعي .. ؟
هل كنتِ في مائك العميق ، أم أن الصدى فقد اتجاهاته ، لفرط عذوبة الاسم المُنادى ؟ ..
ولكن متى يكفُّ البرقُ عن النداء !

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير