عكس كفر : إيمان أم عبودية؟

15.04.2016 10:28 PM

 كتبت: نادية حرحش

استفزتني فجأة عبارة من طالبة ، أحببت خلال الفصل الدراسي حسها الفني وربط ما يقال برسومات لم ارها بالحقيقة وتخيلتها ترسمها . كنت سعيدة ببعض الاستفزاز الفكري في عقول الطلاب الناشئين نحو حياة عملية قادمة . تربوا مثلي على افكار نحتت برؤوسنا حتى اصبحت صوامع لا تزحزح.

كنت استمتع بهذا السياق التاريخي للحضارات الانسانية السابقة محاولة نفض الغبار عن صوامع الاعتقاد المنحوت في عقولنا لدرجة تجذيرها . كنت اعي الشعور في كل مرة تقترب فيه الحضارات الافلة من اعتقادنا الديني المرتبط بالخلق والتوحيد . وفي كل مرة كنت اؤكد أن ما كان لا يضحد ما صار من اعتقاد في حضاراتنا هذه . لكنه يؤكد اننا امتداد  لحضارات مختلفة، فكر الاعتقاد فيها جزء تطور مع الإنسانية حتى وصلنا الى ما نحن فيه من اعتقاد اليوم. 

يؤرقني الخوف من الاقتراب حتى من قراءة الماضي . ما قالته الطالبة واثار خيبتي ربما ، ان القراءة لم تحرك شيئا من اعتقادهم . تثبتت في مكان واحد وهو ان تلك الاساطير السابقة اكاذيب لا محالة.

خوفها من الاقتراب مما يؤثر بالنسبة لها على ايمانها . فالكلام بهذه الكتب محض الكفر . ( الكتاب هنا على سبيل المثال : فراس السواح : مغامرة العقل الاولى ) . انتقائي للكتاب تحديدا كان بعد الكثير من التمحيص للتأكد بالا يمس الكتاب ما يقترب من الاسلام .بكل الاحوال، يعالج الكتاب تاريخ الحضارات الشرقية القديمة . وليس اهم واسهل من فراس السواح لاقتناء معلومات جديرة والاقرب الى الصحة.

نردد مصطلحات ترتبط ارتباطا وثيقا بماهيتنا وذواتنا . ولا اعرف ان كنا نعي معاني هذه الكلمات من مقاصد وضعت لها او مآرب خصصت لها فيما بعد.

ذاك الاعتقاد ان هكذا مساقات تعليمية بالمبدأ هي من اجل "الالحاد" او اخراجهم عن الطريق الصحيح بحد ذاته مرعب. نحن نتكلم عن مساق : "حضارات عالمية" . بكل براجماتيكية وعمومية يتكلم عن مقومات الحضارات . ويطرح عملا أدبيا هاما في تلك الحضارة ، كجالجاميش مثلا في الحضارة السومرية، واسطورة بعل في الحضارة الكنعانية ،وصولا الى الحضارة الاسلامية ومقدمة ابن خلدون. مجرد ذكر كلمة اله يؤجج الافاق الاعتقادية الموصومة على العقول .

ولا مكان للتفكر او الفكر .... فهذا كفر
هناك كلمات تسيطر على مكنوناتنا الذاتية تقف مقابل بعضها البعض : كفر وإيمان . ايمان وعبودية.
جرى الاجتماع على تكفير كلمة كفر. وقد يبدأ تحفظي من هنا . فإذا ما تفكرنا بهذه الكلمة ، لرأينا ان كلمة فكر تأتي من نفس الجذر المكون لكلمة كفر. وكأننا نقف امام جذر ينبثق منه شجرتان تثمران المتناقضات . ام المترادفات .
لا يعقل بان يكون الفكر نتيجته الكفر بالمعنى السلبي . لان كلمة فكر ايجابية محضة ، الى ان نعقلها . فتصبح بلا ريب كفر .
لنترك الفكر والكفر والجذر على جانب الطريق.

تلك الطريق المنتظر لنا ان نعبدها نحن البشر بما يأمننا بهذه الحياة الدنيا . "وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون".
اذا ما تأملنا بالاية جيدا ، وتفكرنا بها ، لفهمنا ان المراد من الاية بكلمة "يعبدون" هو تعبيد الحياة . وليس العبادة بالمفهوم الذي ينتهي الى العبودية.
في وقفة سريعة امام الكلمة : عبادة . يعبدون. الجذر هو عبد ، وما نعرفه عن هذا الجذر ارتباطه باسم العبد . ولو شددنا الباء لاصبحت الكلمة "عبد " مع الشدة ، فتأخذ معنى مختلفا . ورجوعا للكلمة بالاية يصبح مفهوم الكلمة بتعبيد وليس العبادة . فالاية لا تنادي الى عبادة الله بالمفهوم العبودي . فلا تقول الاية " ليعبدوني" بل "ليعبدون" . فالمقصود من يعبدون هنا هو تعبيد الطريق ، المسار المؤدي الى فهم الخليقة والخلق وتعمير الحياة .

عبادة الله المرجوة والمطلوبة من الاية هي الاعمار وليس العبودية.
تحويل العبادة الى عبودية ، ارتبطت بمفهوم عبادتنا لله هي التي ادت الى انحدار انسانيتنا .
فاذا ما تفكرنا مرة اخرى بالكلمة قبل ان نعقلها بالعقال الديني الاخير . عبادة الله يجب ان تكون بلا ادنى شك ايجابية . فلا يعقل ان تقترن كلمة سلبية المعنى كالعبودية بالخالق. والعبودية تحديدا هي نهج لا اخلاقي بالمفهوم الانساني المعاصر والماضي. وعليه لا يمكن ان يكون المقصود من كلمة عبادة الله الا الايجاب ويأتي هنا بمعنى البناء والتعمير . فنحن نعبد الطرقات . اي نعمرها ونبنيها . اي نعمر ما هو وعر ونصلحه ونسهل به الطريق للاخرين. فعبد الله منا هو من يعبد الطريق الى الله لا من يصبح عبدا بالمفهوم العبودي الانصياعي.

هذا هو سبب وجودنا بالحياة . لنعبد الوجود الكوني ليصبح افضل حالا لنا ولمن سيأتي بعدنا .
فالعبادة المقصودة مقترنة بالايمان . والايمان من امن . والامن هو الامان المرتجى والمبتغى من الحياة .
كيف اصبح مردود هذه الكلمات بصدى متبعثر كالصنين ؟
كيف تحول مفهوم العبادة من تفكر لتعبيد حياة امنة للانسانية الى ترهيب من تكفير .
فمن يفكر في هذه الامور يكفر (مع الشدة على الفاء) من قبل الناس فيجعله تلقائيا كافر . ربما بنظره كذلك فيؤثر المضي في طريق اخر .

وتصبح المجابهة مع الله والعلاقة معه . كيف لا يكفر من يفكر وقد تحولت عبادة الله الى عبودية يحمل سوطها من نصب نفسه من البشر واليا لله على الارض ؟
بين فكر يؤدي الى كفر ، وايمان يؤدي الى عبودية ،نقف نحن معشر البشر . فننسى انسانيتنا ونكتفي بأن نكون بشرا ، نتبع الها ليس الله رب الكون . بل الها باسم رب الكون ينحته البشر . منهم من يخطط للتحكم علي الباقين منا ليسيطر عليهم ويعبد من هذه الحياة ما يريد لاطماعه من ديمومة . ومنهم من يتبع لعقل العقال على عقله وترك التفكير لهم والتكفير عليهم.
لقد خلقنا لنعبد . لنعمر . لنكون خلفا صالحا لكون لا يزال مبهما للسالفين منا واللاحقين ربما . لكون نكتشف اسراره يوميا . نعي معجزات الله فيه مع كل نفس جديدة توضع ومع كل نفس تؤخذ. ولا نزال نصر ان لا نأمن لهذا الخالق. ونكتفي بالايمان كلمة لا عبادة .
عبادة الله امن للانسان منا حين يتفكر في هذا الكون ويعبده من اجل امان مرتجى .
العبادة ليست تخويف ولا تخوين وتهييب .
الايمان بالله امان ، لا تهديد . والامان لا يأتي بلا تفكير . والتفكير لا يأتي بلا تأمل وتعلم وقراءة .
لقد أنزل الله بيانه بداية بكلمة "إقرأ" . فكيف لا نقرأ ولا نتدبر مقاصد الله في كلماته لنا .
لقد جئنا على هذه الارض لنكون كلمة الله على هذه الارض. كيف نكون كلمة تخاف الغوص في الماضي فتهددها اساطير الاقدمين من ايقونات والهة ؟
كيف نأمن كلام الله في نفوسنا ونأبى لنظر في ماضي قد مضى ؟ ولا نعبد لنؤمن حاضر لا نعرف ان نعيشه ومستقبل معقل باقفال على عقولنا والفكر في زمننا تكفير .

تصميم وتطوير