مستنكفو اليسار وسلوك الحطيئة

28.04.2016 09:02 PM

وطنكتب جبريل محمد

حين لم يبق شاعر ما قبل الاسلام أحدا الا وهجاه، وصل الامر به ان هجا نفسه، ما دفعني للكتابة هنا هو حالة من الاستفزاز تملكتني ووصلت ذروتها، من يساريين لم يتخلوا عن الفكرة، ولكنهم تحت شتى التبريرات تخلوا عن التطبيق، بمعنى انهم قطعوا اخلاقيا قبل اي شيء بين النظرية والممارسة، فباتوا مجرد معلقين على الاحداث، اصحاب لطميات لا ندم فيها وانما تعكس دفاعا غريزيا عن الذات المتخلية، لست خارجكم، بل منكم، ومصاب بذات الداء، ولكن تتملكني احيانا دودة النقد الذاتي بيني وبين نفسي ولا اجرؤ على البوح بها منفردا، ولكني الان اعتبر ما اخطه هنا يصيب حالتي كآخرين كثر سرقتهم الحياة وجرفهم سيل الذاتية والاركان الى ان الانهيار بعد انهيار موسكو وانهيار المنظمة كان عاما طاما، لم نقف في مواجهة التيار، بل جرفنا معه، واصابنا مرض النفعية واعفاء الذات واصبحنا فنانين في اختلاق المبررات، وكأننا غير مسؤولين عن فكرة باتت قناعتنا الراسخة لكننا هربنا من استحقاقاتها.
ما يدفعني للكتابة الان عن هذا الموضوع هو جيش المستنكفين الذين حملوا مشابكهم وكل علق غسيله على حبال وسائل التواصل الاجتماعي ناعيا او مؤلبا لليسار على النتائج التي يحققها في انتخابات الجامعات، كلام فيه من التشفي ما يجرح النفس، وفيه من قلة الاعتداد بالذات ما يشير الى حالة من الخواء القيمي، والتنصل من مسؤوليات تفرضها الفكرة.
ايضا ما شدني هو تلك الدعوة العظيمة من رفيق شيوعي لم ينحن وظل مناضلا، ليفوز بالامانة العامة للحزب هو النقابي البارع حنا غريب، حيث كانت دعوته الاولى للرفاق المستنكفين ان يعودوا لحزبهم، هذه الدعوة تعبر عن مصالحة مع الذات ومع رفاق الدرب، ومع الفكرة النضالية، اما التنظيم فهو هيكل يمكن بناؤه وفق الحاجة والظروف، وفي هذه الدعوة ريادية يجب الاقتداء بها.
رفاق اليسار الفلسطيني بمختلف توجهاته، والذين غادروا مواقع الفعل الى مواقع التعليق على الفعل، ليسوا عاجزين، ويمكن ان يقدموا في مجالات كثيرة، فاوجه واشكال النضال متعددة وقابلة للابداع والتوسع، لكن المهم هو ارادة الفعل، والدفع باتجاه خلق حالة تفاعلية داخلية واخرى مع المجتمع، فمن العيب ان نشمت، ومن العيب ان نتخلى عن الفكرة.
وهناك رفاق حتى وان حققوا انجازات على المستوى الفردي وخاصة في الاطار الليبرالي للمنظمات غير الحكومية، الا ان ذلك جاء بفعل تقييم الداعم سياسيا لهم قبل كفاءاتهم وعليهم ان يفهموا الدور التخريبي للمال السياسي هنا، وان لا يغتروا وهم يعيشون الان فترة من تجفيف الدعم الى حدود المثل القائل "لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم"، ما تراكم من تنازلات ترضي الممول لم تعد الان تكفيه، فهو يريد للفجل ان يكشف عن بياضه وان لا يبقعى متلفعا بقشره الاحمر.
ان كنا بحق دعاة حق وحرية وعدل اجتماعي، وتنوير، وحداثة، ان كنا بحق انصار للمضطهدين، فعلينا ان ندافع عن هذه القيم السامية، لا ان نلقي بهراواتنا مع اليمين الديني والاوسلوي على ظهر اليسار لنكسره فوق كسرته، ليس اولئك الفاعلين في قوى اليسار وحدهم المسؤولين عن الخراب، بل اولئك الذين تخلوا عن دورهم في النقد الفاعل ضمن مكانه الطبيعي وتخلوا عن المواجهة واختاروا الانسحاب مخطئين ايضا.
هنا علينا ان ندرك ان من استمروا لم يناموا على حرير الرخاء، بل لا زالوا يعانون الملاحقة والاعتقال واحصاء منافسهم، ربما اوهنهم هذا التخلي، ولكنهم ايضا لم يصرخوا صرخة حنا غريب، وولهذا فهم ايضا يحتاجون الى تنبيه.
يكفي اليسار ما يحيط به من خصومة فكرية وسياسية فوق عداوة الاحتلال، ويكفيه ما يتعرض له من تشويه كاذب وحقير من شخوص وهيئات تغرق في الفساد حتى اذنيها، واليسار الذي لا زال يشكل سندا لوجودنا حتى ونحن خارجه بحاجة الى اسناد من كل من تخلى، لم يمض الوقت، ويمكن للحوار ان يبدع الجديد، ولنكف عن التلاوم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير