إعلاميون لا أبواق

06.05.2016 09:10 AM

وطن: كتب سامي كليب 

حسنا فعل فريق «دال» (الدراسات الإعلامية اللبنانية) في كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية بتنظيم مؤتمر اكاديمي عربي في بيروت لبحث مصيبة إعلام العرب بعد ربيعهم الدموي. جرى حديث عن دور الفضائيات والصحافة في الفتن وسفك الدماء على مذابح المشاريع السياسية ورجال الأعمال. فلو أن ثمة ربيعا فعليا مطلوبا، فهو ذاك الذي يحتاجه الإعلام العربي. لا بد من طريقة للانتقال من صفة «الابواق» إلى المشروع التنويري النهضوي لإنقاذ ما بقي من مجتمعات تترنح على وقع الفتن والجهل.

ما عاد الإعلامي العربي منذ اندلاع أولى شرارات «الربيع» (كي لا نقول سنونواته) يفرق بين كونه ينتمي إلى مهنة نقل الخبر وشرحه والاستماع إلى كل وجهات النظر حوله، وبين أن يصبح بوقا في ساحات الاقتتال وبيدقا على رقعة شطرنج دولية اولا، ثم إقليمية لظروف التبعية.

ما قيل في اليوم الأول للمؤتمر مخيف. ففي مصر وحدها شَرَّعَ «الإخوان المسلمون» بعيد وصولهم إلى السلطة 62 قناة دينية. مبنى ماسبيرو الذي يضيق بـ 43 ألف موظف بلغت ديونه لمصرف واحد 22 مليار جنيه. رجال الأعمال يستخدمون الفضائياتِ والصحفَ مخالبَ لهم ضد السلطة لتمرير مشاريعهم. هكذا قال د. سامي الشريف ذو الخبرة الواسعة في العمل الأكاديمي والرسمي الإعلامي. أما الأحزاب التي تمولها الدولة أيضا فلها 62 صحيفة تحولت إلى منشورات تمجد قادتها. الإعلام المصري، وفق شرح د. سامي، يضج بإعلاميين لا يتمتع معظمهم باي خبرة، بحيث تجد طباخًا (شيف) يشرح أصول الإعلام على الشاشة.

نصالُ الإعلامِ المصري تتكسر على نصال الثورة الوحيدة التي نجحت بأقل خسائر ممكنة في تونس. هناك تم الإبقاء على الصحف والقنوات الخاصة التي كانت أبواقا إعلامية للنظام البائد. وظيفتها الجديدة وفق د. عبد الكريم حمزاوي استاذ معهد الصحافة وعلوم الاخبار في تونس «هي تجنيد نفسها لتصبح أبواقا للحكام الجدد».

إذا افترضنا أن أول ثورتين في تونس ومصر أنتجتا هذه الكوارث، فما بالك في دول غارقة في الحروب تتنازعها الأبواق من كل حدب وصوب. هذا يشرح بطولات من يقتل هنا، وذاك يهلل لمن يذبح هناك، وثالث يواكب من «يحرر» فننسى هل اننا في فلسطين ام في المصيبة العربية العربية والإسلامية الإسلامية.

أشار رئيس الجامعة اللبنانية د. عدنان السيد حسين إلى ضرورة الضوابط القانونية. هو محق تماما في ذلك. ثمة فرق بين القانون المنظم، وهو مطلوب، وبين القانون الذي يكمم الأفواه، وهو مرفوض. لا بد من التساؤل والسيد حسين: لماذا لم يطبق اصلا قانون الإعلام المرئي والمسموع في لبنان؟

أمام هذه الفوضى الضاربة في الجسد الإعلامي العربي والتي تحدثت عنها د. نهوند القادري منسقة المؤتمر الذي ضم اكاديميين مشارقة ومغاربة، ثمة ضرورة ملحة للعودة إلى أخلاقيات المهنة. هذه مسؤولية الإعلاميين العرب والجامعات الإعلامية قبل أي جهة أخرى. هنا تبدأ المصيبة ومنهم يأتي الحل... أما النظام العربي المترنح، فوق دماء كان هو نفسه سببا فيها، والمتشظي، فلا ننتظر منه حلولا.

من يقرأ مبادئ وثيقة «تنظيم البث الفضائي الإذاعي والتلفزيوني في المنطقة العربية» التي نشرتها جامعة الدول العربية في العام 2008، يشعر اننا في أرقى المدن الفاضلة. لكن من يدقق بماذا تحقق منها في خلال السنوات الثماني المنصرمة منذ نشرها، يستنتج أمرا واحدا: كل بنودها خُرقت وغرقت تحت أقدام الفتن والاقتتال. صار المزج بين الإرهاب والمقاومة أمرا طبيعيا على حد تعبير عميد معهد الدكتوراه د. محمد محسن.

نعم، ما عاد يوجد سياسة في الوطن العربي، كما قال رئيس تحرير صحيفة «السفير» طلال سلمان، والصحافة تحتضر. ربما لم يعد يوجد أصلا شيء اسمه وطن عربي، وإنما ظهرت حقيقته الكامنة منذ عقود طويلة، اي انه مجموعة أنظمة متكارهة تتبادل الحقد والمؤامرات.

فَلْيَصْحُ إذا ضميرُنا الإعلاميُّ وسط هذه النيران والحرائق، ولنوقف كذبة الرأي والرأي المضاد التي أسست الفتنة والدسائس، كما قال عميد كلية الإعلام د. جورج كلاس، وَلْنُؤَسِّسْ لربيع إعلامي يبدأ اولا بإعادة الأخلاق إلى المهنة، وإعادة المهنة إلى المهنة، فنتوقف عن وظيفة الأبواق... ولا استثني أحدًا.

السفير

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير