انقلاب القصر في تركيا الذي اطاح بداوود اوغلو.. هل يؤدي الى تراجع اردوغان عن سياسته في سوريا؟

06.05.2016 01:07 PM

كتب عبد الباري عطوان

انتهت العلاقة الاستراتيجية بين رجب طيب اردوغان ورئيس وزرائه، منظر حزب العدالة والتنمية السيد احمد داوود اوغلو، والسبب، حسب معظم التحليلات،  هو ديكتاتورية الاول، وتطلعاته الى الزعامة التاريخية، وطموحات الثاني التي وصلت الى سقفها الاعلى، الى جانب الغيرة والتنافس الشخصي على الزعامة، واختلاف الرؤى.

السيد احمد داوود اوغلو خسر رهانه على الزعامة منذ انهيار نظريته “صفر مشاكل” مع الجيران، التي اوصلت تركيا الى المرتبة 17 كأقوى اقتصاد في العالم، وحولتها الى قوة اقليمية عظمى، زاوجت بين الديمقراطية والاسلام المعتدل، وتأكدت هذه الخسارة عندما اصر معلمه اردوغان على الاستيلاء على معظم صلاحياته التنفيذية، ورفض ان يكون رئيسا صوريا، او “خيال مآتة”، مثلما يقول اخوتنا في مصر، اي مثل عدلي منصور، هل تذكرونه؟

استقالة السيد اوغلو من رئاسة حزب العدالة والتنمية، وبالتالي من رئاسة الوزراء، كانت متوقعة، خاصة بعد تفاقم الخلافات بينه وبين رئيسه اردوغان، وتزعمه تيارا في الحزب يعارض طموحات الاخير الرئاسية، وتغيير نظام الحكم من برلماني الى رئاسي مطلق.

موقع “تيلكوم فايل” التركي الشهير نشر قبل اسبوعين تحقيقا مطولا عن الخلافات بين الرئيس اردوغان ورئيس وزرائه فاجأ الكثيرين، واكد انه الى جانب التنافس بين الرجلين على الزعامة والصلاحيات، وصراع الارادات بينهما، هناك جوانب اخرى من بينها رغبة السيد اوغلو في رفع الحصانة البرلمانية عن 80 نائبا في الحزب الحاكم تمهيدا لتقديمهم للمحاكمة بتهمة الفساد، الامر الذي عارضه الرئيس اردوغان بقوة، لان من بينهم نسبة كبيرة من المقربين منه، وكانت هذه الخطوة هي “المفجر” لازمة الثقة بين الرجلين.

خطورة هذا الخلاف الذي يوصف بانه “زلزال”، او “انقلاب القصر”، انه يأتي في وقت تواجه فيه تركيا ازمات على اكثر من جبهة داخليا وخارجيا، ففي الداخل هناك التفجيرات الارهابية التي وقعت في اسطنبول وانقرة، ووصلت قبل اسبوعين الى منتجع بورصة السياحي، واصابع الاتهام توجه الى “الدولة الاسلامية”، وجماعات كردية متطرفة، وهناك ايضا الحرب الدموية مع حزب العمال الكردي الانفصالي اثر انهيار اتفاق الهدنة قبل عام، وفوق هذا وذاك تراجع الاقتصاد، وانخفاض قيمة الليرة التركية، وارتفاع نسبة التضخم، ووصول نسبة النمو الى اقل من اربعة في المئة، وفي الخارج هناك الحرب في سورية، وتورط تركيا فيها، وفشل كل رهاناتها على اقامة مناطق عازلة، والازمة مع روسيا، وتدهور العلاقات مع الجوار التركي الاوروبي، وخاصة اليونان ورومانيا وبلغاريا وارمينيا.

الرئيس اردوغان، ومثلما قال مقربون منه، اشتاط غضبا مجرد وصوله معلومات عن رغبة حليفه وذراعه الايمن في فتح ملفات الفساد، ورفع الحصانة عن نواب الحزب وبما يؤدي ربما الى الاضرار به وسمعته، وربما الوصول اليه لان بعض هؤلاء النواب مقربين جدا منه، وهذا لا يعني الجزم بأنه متورط في هذا الملف الشائك، وكانت هذه الخطوة هي القشة التي قصمت ظهر البعير.
اما الخطأ الآخر الذي يعتقد اردوغان ان السيد اوغلو ارتكبه، فهو اعترافه على الهواء مباشرة بأنه هو الذي اعطى التعليمات، كرئيس للوزراء، باسقاط الطائرة الروسية قرب الحدود السورية الامر الذي خلق ازمة حادة مع روسيا، وفشلت كل محاولات اردوغان لعقد لقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين لحلها، الامر الذي ادى الى فرض عقوبات اقتصادية روسية موجعة ضد تركيا.

ماذا سيحدث الآن؟ هناك اجابات متعددة ابرزها الدعوة الى انتخابات برلمانية عامة في تشرين الاول (اكتوبر) المقبل، اي قبل الانتخابات الرئاسية الامريكية، ويأمل الرئيس اردوغان ان تحقق له الحصول على 50 مقعدا اضافيا، بحيث يحصل حزبه على اغلبية الثلثين في البرلمان (550 مقعدا)، حيث يملك حاليا 317 مقعدا، الامر الذي يؤهله تعديل الدستور، وجعل نظام الحكم رئاسيا.
بورصة الترشيحات التركية تقول ان هناك عدة مرشحين اقوياء لخلافة السيد اوغلو، الاول هو نعمان قورتوكموش، المتحدث باسم الحكومة، وبكير بوزداج، وزير العدل، وبنيالي يدليريم، وزير النقل، وهناك من يطرح ايضا اسم وزير الطاقة بيرات البيرق، صهر الرئيس، ولكن حظوظ السيد بوزداج هي الاكبر لانه اكثرهم ولاء للرئيس، ولان صحيفة تركية نشرت صورة لوزير النقل في احد كازينوهات القمار في سنغافورة.

وهناك سؤال آخر يتناسل من السؤال الاول، وهو حول مصير السيد اوغلو؟ لا توجد اجابة حاسمة، ولكن المؤكد انه لن يعود الى الجامعة لتدريس العلاقات الدولية، وهناك تلميحات بأنه قد يشكل حزبا جديدا، يجذب اليه كل المعارضين للرئيس اردوغان في حزب العدالة والتنمية، علاوة على اعضاء في احزاب اخرى عنوانه الرئيسي العودة الى سياسة “صفر مشاكل” مع الجيران مثلما يقول مقربون منه، والتركيز على الحكم الليبرالي البرلماني.

ما فاجأني شخصيا، من خلال اتصالات عدة مع صحافيين ومحللين اتراك هو توقعهم ان يؤدي خروج السيد اوغلو من رئاسة الحكومة، ودائرة النفوذ في الحزب الحاكم، الى عودة السياسة الخارجية التركية الى مرحلة ما قبل عام 2010، واتخاذ سياسات اكثر براغماتية وواقعية في الملف السوري تحديدا.
محلل سياسي تركي كبير قال في احدى المكالمات ان الرئيس اردوغان الذي يوصف بـ”المرونة” السياسية،  حسب وصفه قد يفتح حوارا مع السلطات السورية، لادراكه ان خمس سنوات من العداء والتدخل السياسي والعسكري، ارتدت عكسيا على تركيا ارهابا وحروبا وتراجعا اقتصاديا.

وقال هذا المحلل الذي طلب عدم ذكر اسمه، انه من غير المستبعد ان يستخدم اردوغان السيد اوغلو ككبش فداء، ويحمله مسؤولية تدهور العلاقة مع سورية، خاصة انه (اي اوغلو) كان فعلا ينتمي الى جناح الصقور في هذا الملف.
هذا الكلام على درجة كبيرة من الخطورة، ولكن من شاهد الجهود الضخمة التي بذلها السيد اردوغان سعيا للقاء بوتين، وكذلك المفاوضات الحثيثة التي اجراها مع الاسرائيليين لتطبيع العلاقات مجددا، ربما تضفي على تلك النظرية بعض الصحة.

***
الامور بخواتمها، فما زلنا في بداية هذا الزلزال ورصد ارتداداته، لكن الامر المؤكد ان الرئيس اردوغان في وضع صعب للغاية، حيث يتعاظم معسكر اعدائه، ويتقلص عدد اصدقائه وحلفائه، داخل تركيا وخارجها، وخسارة السيد اوغلو بعد عبد الله غول، ليست بسيطا يمكن التقليل من اهميته.
من الصعب الجزم باقتراب نهايته، اي الرئيس اردوغان، وهي النهاية التي توقعها كثيرون عندما لم يفز حزبه بالاغلبية في الانتخابات قبل الماضية، ورفض الدخول في حكومة ائتلافية مثلما طلب احمد داوود اوغلو، وقرر الذهاب الى انتخابات مبكرة استعاد فيها الاغلبية التي يريدها على عكس معظم التوقعات، انه رجل مثل القطط بسبعة ارواح، ولكن لم يبق الكثير منها في جميع الاحوال.
اردوغان اطلق آخر سهم في جعبته باطاحته برئيس الوزراء داوود اوغلو، وبدأ يستعد لخوض مغامرة، او مقامرة جديدة، واجراء ثالث انتخابات في اقل من 18 شهرا، فهل سيخرج منتصرا هذه المرة مثل المرات السابقة، ام سيسدل الستار بنفسه على حياته السياسية،  وزعامة حزبه للحكم في تركيا؟
من الصعب اعطاء اجابة.. فالتسونامي ضرب لتوة العملية السياسية في تركيا، والحكمة تقتضي الانتظار.

نقلا عن رأي اليوم 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير