في نقد العقل العربي والفلسطيني ! "الجزء الأول"

06.05.2016 08:09 PM

كتب: عبدالله أبو شرخ 

ليس هذا المقال كلاماً يقال، أو أنا كاتبه يمتلك أي أهداف خاصة كالوصول إلى منفعة شخصية مثل منصب أو غنيمة أو رتبة، كما أن ما سيأتي في هذا المقال لا يناقش على منابر صحافة التزييف والتطبيل والتزوير والتضليل، بل يأتي كخلاصة تفكير عميق، غير تقليدي، مجرد من أهواء التعصب الطائفي والقومي والحزبي، لصالح شعب مضطهد معذب فقير، يساق إلى المذابح والمجازر دون تفكير علمي أو عقلاني أو إنساني !

من حق الناس أن يتساءلوا بألم وحسرة وغضب جارف، لماذا فشلت جميع ثورات الشعب الفلسطيني على مدار تاريخ القضية ؟؟! ولماذا كانت القيادة على الدوام مترفة ومرفهة وغنية بينما الشعب يساق من مجرة لمجزرة، ومن مذبحة لمذبحة، ومن نكبة إلى نكسة، ومن مصيبة لكارثة، دون وجود مراكز أبحاث فكرية لممارسة النقد الذاتي لتجديد الفكر وتستشرف المستقبل كما تفعل إسرائيل في مؤتمر هرتسليا السنوي ! ببساطة تم تغييب الفكر وإخضاع العقل الفلسطيني لمقولات ومسلمات خادعة براقة منزوعة من سياقها العقلاني والمادي، وسوف أحاول في عجالة استذكار نبذة عابرة عن كل ثورة، وكيفية انتهائها وإجهاضها، لكي تلاحظ عزيزي القاريء / ة كيف أن العقل السياسي الفلسطيني قد تصرف بردات فعل عصبية لا تخلو من عنترية جوفاء وشعارات براقة وخطب عصماء !

1- ثورة عام 1936 في عهد الانتداب البريطاني

يعتبر المؤرخون هذه الثورة من أعظم الثورات التي قام بها الشعب الفلسطيني ضد الانتداب البريطاني والعصابات الصهيونية على حد سواء، كما شهدت هذه الثورة أطول إضراب في التاريخ حيث استمر الإضراب العام ستة شهور متوالية بلا انقطاع، كما شهدت الثورة عمليات عسكرية ضد قوات الاحتلال البريطاني حيث تمكنت الثورة بقيادة اللجنة العربية العليا من السيطرة على معظم الأرياف.
تخلصت المطالب المعلنة للإضراب بالقضايا التالية:
• إيقاف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
• منع انتقال الأراضي العربية إلى اليهود.
• إنشاء حكومة وطنية مسؤولة أمام مجلس نيابي.
تذكر موسوعة الإنترنت < ويكيبيديا > جميع المعارك التي حدثت في جميع مراحلها وبالتفصيل الممل، ولكنها تتجاهل تماماً كيف انتهت تلك الثورة العظيمة، وهو ما يثير الكثير من الشكوك حول نوايا وأهداف صانع هذه الصفحة !
لم يذكر صانع صفحة ويكيبيديا أن إعلان إضراب عام لمدة 6 شهور كان أكبر من طاقة الناس على الصمود، ولم يذكر أمراً خطيراً ومفصلياً، وهو أن إضراب عمال ميناء يافا قد أدى إلى اضطراب في كميات السلع الأساسية وخضوعها للمضاربات، كما أدى إلى حصار اليهود أيضاً، ولكن انظروا ماذا حدث بعد شهر واحد. تقدمت الحركة الصهيونية إلى المندوب السامي البريطاني بشكوى مفادها أن إضراب الميناء قد أدى إلى نضوب المواد الغذائية وحليب الأطفال في تل أبيب والمستوطنات، وطلبوا من بريطانيا أن تأذن لهم ببناء ميناء جديدة في تل أبيب لمنع تفاقم المجاعة على اليهود. والسؤال أين كانت اللجنة العربية العليا بقيادة المفتي عندما وافقت بريطانيا لليهود على إنشاء الميناء ؟؟! ولماذا لم يتم وقف الإضراب العام فور حدوث هذا التطور ؟؟ ما حدث فعلاً أن الإضراب استمر ليستنزف شعبنا الفلسطيني من طرف واحد بينما اليهود بحنكتهم هربوا من فخ الحصار !

2- النكبة الكبرى 1948 !

لا يوجد في كتب التاريخ الفلسطيني والعربي أي معالجة مختلفة لموضوع النكبة وكيف حدثت. كل ما هو مطروح أن العصابات الصهيونية ارتكبت مجزرة دير ياسين لتهجير الناس، وهذا صحيح بالطبع، ولكن ما يثير الغضب والاستياء من التفكير العربي، وبالتالي الفلسطيني، هو الإصرار على عدم الاعتراف بأي هزيمة أو أي خطأ مهما كان هذا الخطأ كارثياً. نحن رفضنا إيواء اليهود في بلادنا من حيث المبدأ، وتجلى هذا الرفض في قرار العرب رفض قرار التقسيم 1947 ثم رفض الاعتراف بدولة إسرائيل 1948 .. الفوارق بين القرار العربي برفض إيواء اليهود والقرار الصهيوني بالإصرار على إقامة الدولة، هو أن القرار العربي بالرفض لم يكن يستند إلى دعم دولي، بل إن الموقف العربي كان مناقضاً للتوجهات الدولية ونتائج الحرب العالمية الثانية، بينما على العكس من ذلك، اليهود أنفسهم كانوا طرفاً أساسياً في التحالف ضد ألمانيا، فيما الحاج أمين الحسيني كان حليفاً لألمانيا التي هزمت شر هزيمة ! حسناً هنا ينهض السؤال الساخن، لماذا لم تتمكن قيادة المفتي من قراءة الموقف الدولي المناصر لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين ؟! وبالتالي يتولد سؤال آخر، لماذا لم يوافق الشعب الفلسطيني في العشرينات والثلاثينات على مبدأ إقامة دولة علمانية ديمقراطية واحدة كما اقترحت عصبة الشيوعيين، وعلى أي أساس تم تخوينهم  ؟! ولاحقاً، لماذا تم رفض التقسيم إلى دولتين والصادر عن إرادة دولية ؟؟! ولماذا تم تجاهل موقف جميع الدول العظمى التي خرجت للتو منتصرة في حرب راح ضحيتها 50 مليون نسمة ؟؟! في فيلم وثائقي عن حياته، يقول القائد الوطني التقدمي د. حيدر عبد الشافي، أنه وعند إعلان قيام إسرائيل، تصرفنا بردة فعل، والكلام واضح، ذلك أن ردة الفعل عادة ما تتخذ دون تفكير وتمحيص ! لاحظوا أننا ندفع دوماً ثمن الصدام مع القوى العظمى دون امتلاكنا لأي قوة حقيقية على الأرض، فمثلاً، ما الفرق بين رفض المفتي قرار التقسيم ورفض إقامة إسرائيل، وبين طلب عبد الناصر من القوات الدولية مغادرة سيناء عشية حرب 1967، أو الفرق بين كلا الموقفين وقرار احتلال الكويت من قبل صدام ؟؟! هل نرى أن مجرد حفظ أبيات الحماسة من شعر عنترة وقصة الزير سالم يعوض ما فاتنا من اكتشاف الكهرباء وتصنيع الصواريخ الموجهة والغواصات النووية وحاملات الطائرات ؟؟!

3- نكسة 1967 !

لن أطيل عليكم هنا، فقد عالجنا الجذر الحقيقي لهذا العطب، وهو توهم عظمة مصدرها تاريخ أمجاد وبطولات وأشعار حماسية وخطب رنانة، دون أن ندرك أن العيش في أمجاد الماضي لن يعوض لنا خسارتنا الفادحة في مضمار الحضارة الكونية من حولنا. الزعيم الراحل سمع تعليقاً إخبارياً في راديو السعودية يقول ( زعيم القومية العربية يختفي خلف القوات الدولية ! )، فما كان منه إلا أن طلب من مبعوث الأمم المتحدة المغادرة وقام بطرد البوليس الدولي ثم قرر في اليوم التالي إغلاق مضائق ثيران في وجه الملاحة الإسرائيلية. هنا حبكت خيوط المؤامرة الإسرائيلية السعودية والبريطانية على مصر التي ما كانت لتنجح لولا التصرفات غير الموزونة والقرارات المراهقة.
التخلي عن دور الأمم المتحدة وإغلاق الملاحة الدولية وحشد الجيش ماذا كان يعني سوى إعلان الحرب وإهانة الدول العظمى ؟؟! والنتيجة ؟؟! كما ضاعت فلسطين في أسبوع واحد نتيجة قرارات مشابهة، تم استشهاد 40 ألف جندي مصري واحتلت إسرائيل غزة وسيناء والضفة والجولان في ستة أيام، وإن شئنا الدقة، ففي 6 ساعات !

4- مجازر أيلول الأسود / الأردن 1970

مرة أخرى وبعد مدة لا تزيد عن 22 عاما من النكبة و 3 سنوات من النكسة، عاد العقل الفلسطيني للصدام مع القوى العظمى من خلال خطف الطائرات والتعرض للملاحة الدولية، بل وانتهاك سيادة الأردن كدولة عضو في الأمم المتحدة. والنتيجة كانت هي دعم بريطانيا والسعودية للملك، بل وبتواطؤ من الزعيم ناصر، فكانت مجزرة جديدة ومذابح كبيرة ومن ثم شد الرحال إلى دولة جديدة من دول الطوق وهي لبنان !

5- حرب لبنان 1982 والختام بصبرا وشاتيلا !

هذه المرة بعد 12 سنة من مجازر الأردن، لم يتم اتخاذ العبر والدروس، انعقدت السيادة للفساد في مؤسسات الثورة، ومرة أخرى يفتقر العقل العربي الفلسطيني إلى القدرة على قراءة ما يتعلق بمفهوم الدولة في البروتوكولات الدولية. تم انتهاك سيادة الدولة اللبنانية كما تم بناء مؤسسات اقتصادية ربحية موازية أضرت بالاقتصاد اللبناني، وقد تأزمت العلاقة بين برجوازية الثورة من جهة والبرجوازية اللبنانية من جهة ثانية حتى انتهت تلك الأزمة بتفجير حرب 1982، حيث قصفت قوات الثورة مدن الجليل الأعلى بصواريخ الكاتيوشا، وماذا كانت النتيجة ؟! هل اختلفت عن النكبة والنكسة ومجازر أيلول ؟؟! بالقطع لم تختلف، فقد تم إخلاء بيروت وبعدها تم انتقام حزب الكتائب من الوجود الفلسطيني بارتكاب مذابح ومجازر بشعة في مخيمي صبرا وشاتيلا صباح يوم عيد الفطر، ومرة جديدة شُد الرحال إلى المنافي العربية !

6- الانتفاضة الأولى 1987

بعد هزيمة الثورة في لبنان وتشتيت القوات على المنافي والصحاري، لم تجد المنظمة سوى إعادة التركيز على الداخل المحتل، وكان لصفقة تبادل القيادة العامة مع الاحتلال أثراً كبيراً في إشعال المعنويات نحو تفكير جديد بالثورة ولكن هذه المرة من الداخل. مولت فتح مجالس الطلاب والنقابات والبلديات من أجل ترسيخ حلم دولة مستقلة على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس. لكن الدعم والتمويل لبعض أطر الداخل لم يكن مجانياً، بل لترسيخ أسطوانة أن المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. لم يكن نفوذ المنظمة ممتداً إلى عقول الشباب لولا أن حادثة المقطورة أدت إلى اشتعال الشعور القومي لدى أهل غزة والضفة. كانت هبة الله من السماء للمنظمة المتهالكة التي استنفذت مشاريع السلب والنهب من أموال الشعب الفلسطيني، وبعد فشلها الذريع في الأردن ولبنان، لم يتبق لها سوى ساحة الداخل المحتل. لأول وهلة نشأت قيادة وطنية موحدة للانتفاضة من أهل الداخل أنفسهم، فبدأنا نشاهد على الحيطان توقيعات مثل ( ق. م = القيادة الموحدة ) أو ( ق. م / ) ثم ( ق. م // )، وهي توقيعات تدل أن صراعاً داخلياً على النفوذ قد نشب بين توجهات مختلفة، لكن ظل هذا الصراع الخفي محجوباً عن الرأي العام الثائر ضد الاحتلال.
إسرائيل بغبائها وعنجهيتها، صعدت من قمعها ليشمل فئات أوسع من الشعب، فبدأت الانتفاضة في التحول إلى انتفاضة شعبية شاملة، وكانت قوة الانتفاضة أن قيادتها الداخلية كانت على دراية بأساليب الاحتلال ومخططاته، لكن بعد المنشور 13، وتحديداً المنشور 14 وصل إلى الأرض المحتلة من تونس، وأصبحت قيادة المنظمة تسيطر على مجمل أحداث الانتفاضة من خلال حركة فتح الفصيل الرئيس والأقوى في الانتفاضة.
لكن كانت منشورات المنظمة شيء، وما يتم تسريبه عن لقاءات مع مبعوثين أمريكيين مع المنظمة شيء آخر. كانت المنشورات مثلا تؤكد ما تؤكده سلطة رام الله اليوم من حيث السعي إلى دولة مستقلة على حدود 1967، فيما كانت التسريبات تتحدث عن قراري مجلس الأمن رقم 242 و 338، أي عن إزالة آثار العدوان، وعن انسحاب إسرائيلي من ( أراض عربية احتلت عام 1967 )، ونشير أن مضمون التلاعب الواضح في قرار 242 لم يكن خافياً على الفصائل الراديكالية في المنظمة، فقد كانت الجبهة الشعبية مثلاً تعتبر أن مجرد التماهي مع هذا القرار يعد تفريطاً بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
فتح أقنعت نفسها وأقنعت مؤيديها، أن الانتفاضة الشعبية ستتمخض عن دولة مستقلة كحل للنزاع. لم يكن السؤال حول مستقبل الأراضي المحتلة الاقتصادي بعد الانسحاب الإسرائيلي مطروحاً، ولم تمتلك المنظمة وفصائلها أي رؤية واقعية للاقتصاد، بل كان يجري الحديث عن بعض المصنوعات الخفيفة والمعتمدة بالأساس على مواد خام إسرائيلية. حتى الآن، وبعد مرور 22 عاماً على إنشاء السلطة بموجب اتفاق أوسلو، ظلت الدورة الاقتصادية في غزة والضفة خاضعة بالكامل لدولة الاحتلال، وحتى بعد الانسحاب أحادي الجانب من غزة وفق خطة شارون، ظلت إسرائيل تسيطر على أهم مفاصل الاقتصاد في غزة، فأنبوبة غاز الطهي وكيس الطحين وسمك السردين لا يمكن الحصول عليها دون إذن وموافقة إسرائيل !
لم يكن مبرراً أن تستولي المنظمة بشكل استبدادي على قرار الانتفاضة لكي يستمر منع التجول وقتل الأطفال طيلة خمس سنوات. لم يكن مبرراً التضحية بطبقة العمال ( 120 ألف عامل ) وإقحامها في إضرابات أدت في النهاية إلى استغناء إسرائيل عنهم والاستعاضة بعمال من شرق أوروبا، فيما لم تملك لا المنظمة ولا حماس أي بديل اقتصادي يمكن من خلاله الحديث عن تنمية أو تصدير مثلما كان عليه الحال قبل الانتفاضة. لم يكن مبرراً خروج القوى الضاربة بالبلطات والجنازير إلا بهدف واحد، وهو فرض استمرار الانتفاضة بالإرهاب والقمع. لم يكن مبرراً عسكرة الانتفاضة بعد أن انفضت عنها الجماهير الشعبية، فبدأت مجموعات الفهد الأسود وصقور فتح والنسر الأحمر بالظهور، وكلها لم تكن لها أي تأثير يذكر على وجود الاحتلال. أرهقوا الناس وأثاروا الذعر بإعدامات غير مبررة، خاصة وأن ما وافقت عليه المنظمة من اتفاق أمني في أوسلو لم يكون سوى إعادة تدوير للسلطة تحت الاحتلال والتي قتل بعض رموزها بتهمة الخيانة والتعاون مع سلطات الاحتلال، فماذا يسمى التنسيق الأمني وحراسة الاستيطان طوال 22 عاماً ؟؟!

7- انتفاضة الأقصى عام 2000

استمراراً لغياب الرؤى الاستراتيجية، وتغليب العاطفة على العقل، وفقدان القدرة على التفكير الناقد واستخلاص العبر من تاريخ الثورة ومراحلها، ورداً على انهيار حلم الراحل عرفات بدولة مستقلة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية لاتفاق أوسلو، وبعد انهيار مباحثات كامب ديفيد، قرر عرفات مواجهة إسرائيل بانتفاضة أخرى جديدة، ولكنها مسلحة. واجهت السلطة قوات الاحتلال بسلاح الأجهزة الأمنية المتواضع والبسيط، فكانت انتفاضة شبه انتحارية أدت إلى انهيار كبير في مؤسسات السلطة، وعلى أساس هذا الانهيار صعدت حماس من عملياتها في الداخل المحتل على أمل أن يهرب اليهود من فلسطين ويتركوها لأصحابها ! 
مرة أخرى تقرر قيادة الشعب الفلسطيني تجاهل الفوارق العلمية والحضارية مع دولة الاحتلال، فنضحي بآلاف من القادة والشرفاء ونهدم المؤسسات، وتفشل انتفاضة " الاستقلال " في تحقيق أي استقلال، ومرة أخرى دفع الشعب مذابح ومجازر جديدة دون تحقيق أي إنجاز، بل على العكس، فإننا في كل مرة نخرج بوضع أسوأ وأكثر هشاشة وضعفاً !
حروب غزة – 2008 / 2012 / 2014

كان من الممكن الحديث عن كل حرب على حدة، ولكن كونها لم تختلف من حيث الجوهر، وهو الإصرار على مجابهة القوة الإسرائيلية الغاشمة بأسلحة بسيطة ومتواضعة، لندفع الثمن من دماء البسطاء والغلابا والمقهورين، آلافاً من الشهداء الذين خلفوا آلافاً من الأيتام والثكالى والأرامل. الآن تهدد حماس بمواجهة رابعة من أجل فك الحصار ويبدو أن غزة على أعتاب مجزرة دامية جديدة تزداد معها أموال الأيتم والشهداء والمنازل المدمرة !

والحل من وجهة نظر عملية وواقعية

كثير من القراء الأعزاء المتابعين لمقالاتي، يتساءلون عن طرح الحلول بعد التشخيص، وفي الحقيقة أن المتابع الجيد لمقالاتي يعرف أنني من أوائل من تبنوا ضرورة السير باتجاه دولة واحدة ديمقراطية بحقوق متساوية. لكن توجد معيقات كثيرة لحل الدولة الواحدة، منها ما هو فلسطيني ومنها ما هو إسرائيلي أو على الأدق " صهيوني " !
من المعيقات الكبرى لحل الدولة الواحدة ما يلي:
1- وجود سلطتان فلسطينيتان تحت الاحتلال تعملان كغطاء تعمية وتضليل على حقيقة وجود الاحتلال فتبدو غزة والضفة وكأنهما مناطق مستقلة بينما ما يحدث هو أن تلك السلطتان لا تملكان أكثر من إدارة ذاتية على السكان !
2- الفكر العنصري الصهيوني يؤمن بضرورة عزل الفلسطينيين في كانتونات ومخانق تجد من يسميها " دولة مستقلة "، وفي الحقيقة فإن مجرد سلطة الإدارة الذاتية والتنسيق الأمني قد وجدت من يحولها إلى دولة وهمية على الورق.
3- حالة العدمية في العقل الفلسطيني الذي لا يفكر إلا في العنف المسلح رغم عدم امتلاكنا لأدواته، مع تكلس عقلي جبار يمنع الناس من ملاحظة واستقراء الكم الهائل من المجازر والنكسات والهزائم والمذابح لمصلحة بقاء قيادات متنفذة لا ترى الوطن إلا من خلال نهبها الوحشي لمقدرات الشعب الفلسطيني.
4- تحول مشروعي فتح وحماس " المفاوضات والمقاومة " إلى أصنام تعبد من خلال إعلام كثيف ومركز يؤدي إلى جر الشعب الفلسطيني إلى الموافقة على دويلة هزيلة على 18 % من فلسطين مع التنازل عن حقوق اللاجئين بالعودة !

ضوء في النفق

في الختام أود التأكيد على أنني من أشد المؤيدين لحركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ال BDS والتي تمكنت خلال 10 سنوات من التغلغل في المؤسسات الثقافية والأكاديمية الأوروبية والأمريكية وكان من إنجازتها انضمام عشرات من الاتحادات الطلابية والبلديات إلى حركة المقاطعة، بضمنها قرار الجمعية الأكاديمية الأمريكية للعلوم ( تضم 7500 عالم وباحث ) بفرض مقاطعة أكاديمية على الجامعات الإسرائيلية.

الخلاصة:

1- جميع الثورات والانتفاضات لم تسفر إلا عن مجازر ومذابح وتهجير وتدمير ولم تحرر من الأرض شبراً واحداً، لسبب بسيط، وهو أن موازين القوى كانت وما زالت دوماً مختلة بصورة رهيبة بين شعب عربي شبه بدائي يواجه بصدور عارية أحدث ترسانة حربية في الشرق الأوسط.
2- الحروب لا تخلف إلا الموت والدمار واللصوص !
3- وجود السلطة يعفي دولة الاحتلال من مهام توفير المتطلبات الحياتية الأساسية للشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفقاً لاتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحقوق المدنيين تحت الاحتلال، لماذا لا نعترف بأننا شعب محتل ؟؟ الكذب والتزوير وصناعة الأوهام لمصلحة من ؟؟!
4- نحتاج كشعب إلى ثورة معرفية كبرى في المناهج الدراسية لكي نحاول اللحاق بركب الأمم التي تقدمت، كما فعلت اليابان وسنغافورة وكوريا الجنوبية والصين، علماً بأن تلك الشعوب لم يوجد لديها موروث ثقيل من مسلمات مسبقة حول الكون والحياة والوجود !
5- نحتاج كشعوب عربية إلى صياغة أو ترجمة مادة دراسية تراكمية لتعليم الطلاب مادة الأخلاق وحسن السلوك، وإن غياب تلك المادة قد أثر بصورة فظيعة في منظومة الأخلاق الإنسانية، فانعقدت السيادة للفوضى والأنانية والكراهية والحقد الطائفي.
6- يمكن المراهنة على حركة المقاطعة الهادفة إلى حصار الفكر الصهيوني العنصري وإقامة دولة ديمقراطية واحدة تضمن حق العودة للجميع على قدم المساواة.

 

 

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير