التحرير 2016: ردع الإسرائيلي.. وملاحقة التكفيري

25.05.2016 04:08 PM

وطنلم تجد المقاومة نفسها منتشرة على جبهات متعددة وفي مواجهة أكثر من تحدٍ وخطرٍ في آن معاً. هو الاختبار الأصعب المفتوح منذ نحو أربع سنوات، تاريخ انخراط «حزب الله» في الحرب الدائرة على أرض سوريا. اختبار مواجهة التحدي الإسرائيلي بأبعاده العسكرية والأمنية والاستخبارية، برغم تكريس الجزء الأكبر من الإمكانات في مقارعة «التحدي التكفيري»، ومن دون إغفال موجبات الساحة الداخلية، سياسياً وأمنياً.. وحتى انتخابياً!

لم تدفع المقاومة من لحمها ودمها وإمكانياتها، بحجم ما دفعت حتى الآن، وما يمكن أن تستمر بدفعه مستقبلاً في المواجهة المفتوحة مع التكفيريين: أكثر من ألف شهيد، آلاف الجرحى والمعوقين، ومثلهم ينتظر، في مواجهة تزداد اتساعاً وشراسة وصعوبة يوماً بعد يوم، خصوصاً في ظل انسداد آفاق التسوية السياسية في المدى المنظور.

هكذا يأتي العيد السادس عشر للتحرير، ليبرز عنصراً لا يغيب عن بال الإسرائيلي، ويتمثل في ترسخ معادلة الأمن والاستقرار على جانبي الحدود الفلسطينية ـ اللبنانية، بفضل منظومة الردع أو ما يصح تسميتها «توازن الرعب»، وهي معادلة تجعل من الجنوب اللبناني، البقعة الأكثر أماناً في الشرق الأوسط برمته، من دون إغفال عناصر أخرى لا تقل أهمية، وبينها القرار 1701 و«اليونيفيل» والجيش اللبناني.

يأتي عيد التحرير وثمة غصة ممزوجة بالفرحة. غصة مواكب الشهداء تعبر يومياً الخط الممتد جنوب الليطاني، وفرحة المواكب المبتهجة بالاستفتاء البلدي والاختياري الذي أبرز حيوية سياسية استثنائية ومشهدية أمنية منضبطة.. ونتائج تحتاج إلى قراءات معمّقة، ويكفي القول إن كل اللاعبين على مسرح الجنوب، يشربون من بئر المقاومة.

وإذا كانت غصة الشهداء، بمثابة ضريبة إلزامية في ظل معركة يعطيها اللبنانيون بمعظم مكوّناتهم «طابعاً وجودياً» برغم الانقسام حول أحقية أو عدم أحقية القتال الاستباقي ضد الإرهاب، خارج حدود الوطن، فإن ثمة غصة مقيمة في كل بيت جنوبي يفتقد إلى حضور حقيقي للدولة، ينتج إنماء وفرص عمل تجعل الجنوبيين أكثر تشبثا بأرضهم.

وعندما يطل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله، اليوم، على الجمهور المشارك بإحياء عيد التحرير، في بلدة النبي شيت البقاعية، سيخاطب جمهوراً أعطى المقاومة، كما أعطاها أهل الجنوب وربما أكثر، وها هم اليوم، يواجهون خطراً لا يقل عن الخطر الإسرائيلي، عند حدودهم الشرقية، لكأن صورة المقاوم الذي رفع راية المقاومة في «صف الهوا» في بنت جبيل قبل 16 سنة، مكمّلة للمقاوم الذي رفع راية «حزب الله» في «تلة موسى الإستراتيجية» في أعالي القلمون قبالة البقاع الشمالي، في مواجهة التنظيمات الإرهابية ( خصوصاً «داعش» و «النصرة»)، قبل سنة من الآن.

وإذا كانت المقاومة ضد الإسرائيلي (باستثناء حروب تموز 1993 ونيسان 1996 وتموز 2006) انحصرت برقعة جغرافية لبنانية محتلة، فإن الاضطرار نفسه، خصوصاً في غياب قدرة الدولة على التحرير والحماية، جعل «حزب الله» يأخذ على عاتقه مهمة مواجهة التكفيريين، لكن ليس على حساب الدور الأساسي للمقاومة في حماية الحدود الجنوبية، بدليل أنها ضاعفت حضورها وامكاناتها هناك، وهذا الأمر يدركه الاسرائيلي جيداً، وينتج بالتالي معادلة استمرار ضمانة الحماية من الخطر الاسرائيلي.

بهذا المعنى، يصحّ القول إن المقاوم عند الحدود الشرقية، يكمل مهمة المقاوم الأول الذي يصل نهاره بليله عند آخر نقطة حدودية في الناقورة وكفرشوبا، رصداً واستعداداً وحفراً لأنفاق تؤرق بال المستوطنين وجنود العدو، من دون إغفال الأعباء التي تترتب على مقاومة مستنفرة، سراً وعلناً، في أربع نواحي لبنان، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية لمنع أي استهداف إرهابي تكفيري، وبالتنسيق الكامل مع الجيش اللبناني وباقي المؤسسات الأمنية اللبنانية.

هذا الاتساع في الجبهة التي ينتشر فيها «حزب الله»، وهي قابلة لأن تتسع أكثر فأكثر، تبعاً للتحديات المستقبلية، تجعل فصيلاً لبنانياً انطلق قبل 34 عاماً، من ثكنة الشيخ عبد الله في بعلبك، قوة إقليمية شريكة في رسم المعادلات الجديدة في المنطقة.
ولو وضعت جردة بالاختبارات التي واجهتها المقاومة اللبنانية، بكل أطيافها وألوانها، منذ لحظة «النكبة» في العام 1948، حتى يومنا هذا، وما دفعت من أثمان وتضحيات، وما حققت من إنجازات وما تجاوزت من نكسات، لن تجد اختباراً أصعب من الذي تواجهه اليوم، في حربها المفتوحة ضد الإرهاب التكفيري والخطر الإسرائيلي، في وقت واحد.

فالمقاومة، لم تختبر في كل صولاتها وجولاتها مع عدوها الإسرائيلي، ما تختبره منذ سنوات، في مواجهة ظلاميين متسلحين بالقرآن الكريم والسنة النبوية، وممولين من أنظمة وديكتاتوريات وأجهزة استخبارية لا تحصى ولا تعد، وحاصلين على ترسانة عسكرية لا تستحوذها الا الجيوش!

كذلك لم تختبر المقاومة، زمنياً، حرباً عمرها أربع سنوات متصلة ببعضها البعض وعلى رقعة من الجغرافيا تتجاوز مساحة لبنان أضعافاً. لم تختبر مجموعات تقلدها في أساليبها وطرق قتالها، ولكنها بدل أن تفجّر نفسها بموكب إسرائيلي، تروّع الآمنين الأبرياء في مدنهم وقراهم ودساكرهم، كما حصل سابقاً في الضاحية الجنوبية أو بالأمس القريب في طرطوس وجبلة، من دون أن يرفّ لها جفن.

لم تختبر المقاومة الحرب مع مجموعات تقاتل في الكهوف والتلال والجبال والوديان وحتى البوادي، كما هي الحال في تدمر وريف حمص وحلب. كانت هذه الجغرافيا هي البيئة الطبيعية التي تشكل أحد عناصر تفرّد المقاومة وتميزها في مواجهة جيش نظامي كالجيش الإسرائيلي.

لم تقتحم المقاومة مدناً من قبل ولا قارعت جيوشاً في أعالي الجبال ولم يكمن لها أحد من قبل في أنفاق لا تشبه إلا تلك التي اعتادت وحدها صنعها وتعميمها على باقي المقاومين وخصوصا الفلسطينيين في قطاع غزة.
هذه كلها من خصوصيات المقاومة، على مسافة 16 سنة من الخامس والعشرين من أيار 2000، وهذه كلها وغيرها، ستجعل السيد حسن نصر الله يعلن أن حماية انجاز التحرير لن تكتمل إلا بهزيمة الإرهابيين.

وبطبيعة الحال، لا بد من تحية من السيد نصرالله للبقاعيين ودورهم وتضحياتهم، كما لا بد من تحية الجنوبيين على مشاركتهم في استفتاء الانتخابات البلدية والاختيارية، مع التأكيد على التحالف مع حركة «امل» واستمرار الانفتاح على باقي ألوان الطيف الجنوبي التي تلتقي مع المقاومة وطنياً، ولو أنها تلح عليها بأن تكون شريكة، لا بل طليعية، في محاربة الفساد بكل أنواعه.
في عيد المقاومة والتحرير تحية للجنوبيين ولكل الذين انخرطوا في صفوف المقاومة، آتين اساساً من البقاع، كما من الجبل ومن بيروت وضاحيتها النوارة.

افتتاحية السفير

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير