آيار المنار والإنتصار

25.05.2016 05:00 PM

كتب: الإعلامي خالد الفقيه.

يحتفظ آيار في الذاكرة العربية المعاصرة بمكانة متميزة وبارزة، فقد حملت أيامه في العام 2000 بشرتين، الأولى تمثلت بخروج المحتل الصهيوني ولأول من أراض عربية محتلة تحت ضغط النار تاركاً وراءه من تعاونوا معه ضد شعبهم وأبناء جلدتهم ليلاقوا مصيرهم والذي تمثل بالخزي والعار لمن بقوا هناك وبالمذلة لمن آثروا اللحاق بقوافل الاحتلال العسكرية وهي تدخل بوابات الحدود الإلكترونية نحو فلسطين المحتلة ليموت بعدها بعضهم دون أن يتمكن من التدثر بتراب لبنان ومنهم العميل المجحوم أنطوان لحد وغيره.
خروج المحتل من لبنان لم يأت وليد صدفة وإنما جاء تركيماً لعمل مقاوم على الأرض دفع ثمنه شهداء المقاومة دمهم على التلال وفي الوديان وعلى كعب أشجار الأرز ليتفتح النصر مزداناً بعذابات وآلام الأسرى في معتقلات الخيام وأنصار وغيرها.

الخامس والعشرون من آيار عام 2000 ليس كقبله ولا بعده في التاريخ المعاصر فقد أسس لمرحلة كفاح ومدرسة تحرير يتعلم منها الجميع وإستلهم العدو منها العبر التي إعتقد أنها كفيلة بنصر له في مواجهة قادمة ولكن إعتقاده سرعان ما تبدد في عدوان حزيران عام 2006 فخرج مرةً أخرى من لبنان مذموماً مدحوراً يجر أذيال الخيبة والهزيمة مسارعاً لتشكيل لجان تحقيق للوقوف على أسباب هزيمته التي ما كان يتمناها بعد أن تجندت في خدمته دولاً وأجهزة إستخبارات من عرب مستعربة وغيرها من حلفاء معادين للأمة العربية.

ولم يكن آيار فقط محط بحث دراسي في الفنون العسكرية وحرب العصابات بقدر ما كان تأسيساً لنوع جديد من الإعلام على الساحة الدولية فترافق الإنتصار مع ولوج قناة المنار الفضاء الساتل الفضائي كمدرسة في الإعلام المقاوم الملتزم بقضايا التحرير والتصدي للعدو بل وضرب جبهته الداخلية.

واليوم تحتفل قناة المنار بتحولها لفضائية تستخدم الساتل السيبيري منذ آيار عام 2000 بعد أن كانت أرضية تعتمد الموجات منذ أواسط ثمانينيات القرن الماضي لتكون نواة مدرسة في الإعلام المقاوم الملتزم الذي وظف الكاميرا والشاشة في خدمة البندقية، وأصبحت درساً إستفادت منه قوى المقاومة الفلسطينية بعد سنوات في تأسيس فضائياتها التي وظفتها في خدمة إنتفاضة الأقصى الأخيرة.

لم يمض وقت طويل على إنطلاق المنار كقناة مقاومة وتحرير لكل العرب والمسلمين بعيداً عن شعارات الطائفية حتى جاءت إنتفاضة الفلسطينيين عام 2000 ولتكون ظهيرهم الإعلامي المرافق لهم في ميادين المواجهة والاشتباك ولتصبح الشاشة الأولى في منازلهم منها وعبرها يطلون على الأحداث ويستمدون العنفوان في الساحات الإشتباكية.
تعرضت المنار لمحاولات الإسكات من قبل الاحتلال الإسرائيلي والمتحالفين معه منذ بداية إنطلاقتها وكانت محطةً للتحريض من قبل الصهاينة بتهمة التحريض ومعاداة "السامية" وخاصة بعد بثها لمسلسل الشتات المأخوذ من بروتوكولات حكماء صهيون ليصار وقفها على القمر الفرنسي، ومن ثم باتت ضمن بنك الأهداف الإسرائيلي إبان العدوان على لبنان عام 2006 فجرى قصفها وتدمير مبناها لتفاجيء العدو والصديق بالعودة إلى البث خلال أقل من دقيقة رغم تسوية المقر بالأرض، وهو ما شكل مادة بحث ودراسة للمهتمين والمتابعين لمعرفة كيف إستطاعت القناة أن تنهض من تحت الركام وفي ثوان معدودات.

شكلت المنار مدرسةً وأدارت معركة وحفظت الإنتصارات المتوالية على العدو التاريخي للشعوب العربية وعرت المواقف المتخاذلة من بعض العرب الرسميين وكانت سداً منيعاً في وجه إستدخال الهزيمة عبر التطبيع والمطبعين حتى أنها باتت مصدر بحث إعلامي في سيرورة خدمة الصوت والصورة للفعل المقاوم والصمود على الأرض وتشكيل الحس الجمعي للمتلقين بعدالة قضايا التحرير كند قوي في وجه محاولات كي الوعي الجمعي وإسقاط الحقوق وفي المقدمة منها حق الفلسطينيين بوطنهم وعلى الرأس منها الحق في العودة لملايين اللاجئين المهجرين إلى ديارهم في فلسطين المحتلة. وهو أمر تنبهت له قوى فلسطينية كثيرة فإستلهمت الفكرة والبرنامج في إطلاق فضائيات خاصة بها وإن كانت فلسطينية بحتة ولم تلج قضايا الإقليم والعالم ربما خشيةً من سخط وغضب بعض القوى الرسمية في النظام العربي.

ولقد كان التوجه إلى توظيف التقنية الإعلامية الحديثة في عمل المقاومة وإدراجها كأحد الأسلحه في المواجهة المفتوحة مع إسرائيل منذ العام 1982 الذي شهد ولادة المقاومة في لبنان قراراً اتخذته القيادة العليا وهو ما أكده نائب الأمين لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في كتابه حزب الله المنهج ... التجربة .... المستقبل ، " ومن الواجب أن نختار أفضل الوسائل وأن نسابق أساليب الاستكبار بما ينسجم مع إمكانياتنا وقدراتنا فالصورة التي قدمتها المقاومة الإسلامية عبر تصوير الفيديو للعمليات الجهادية وعرضها عبر شاشات التلفزة أثرت أثرها في جمهورنا وفي الجمهور المعادي، بحيث حفزت جمهورنا على الدعم والمساندة والثقة وأرعبت الخصم الإسرائيلي فيما إكتشفه من إدعاءات جيشه لقوته".وكانت قناة المنار الفضائية رأس الحربة في هذه المواجهة ، حيث يمكن القول بأن القناة أرادت أن توجه رسالتين إحداهما للداخل اللبناني والمحيط العربي بأن هناك من لازال قادراً على مجابهة إسرائيل، والثانية موجهه إلى الطرف الإسرائيلي تظهر بأن يد المقاومة وإمكانياتها قوية وقادرة على احداث التغيير، وعلى مدى السنوات السابقة إستطاعت المقاومة وعبر إعلامها وخاصة المنار أن تستقطب الجماهير العربية لبرامج المقاومة بسبب اندماجها وتماهيها مع الانتفاضة الفلسطينية وربما باستثناء فضائية المنار لا توجد قناة رسمية عربية ترفض التطبيع  وإستضافة قادة الاحتلال وعسكرييه.

مراقبون كثر أكدوا ان المقاومة في لبنان أبدعت فن الحرب النفسية مع الاحتلال الإسرائيلي مستفيدة من التقنيات الإعلامية التابعة لها وتلك التي تتنافس على الأرض لتحقيق السبق الإعلامي " والمقاومة فاجأت الاحتلال الإسرائيلي بمستوى القدرة على إيصال صواريخها إلى العمق الإسرائيلي و نجحت في صياغة الحرب الإعلامية ضد الطرف الآخرعبر قناة المنار التي ربما يصدقها الإسرائيليون أكثر من وسائلهم الإعلامية ونذكر هنا أول خطاب إعلامي حربي عبر الهاتف ألقاه نصر الله عندما قال فيه انظروا إلى البارجة الإسرائيلية وهي تحترق وفعلاً صدق القول ، كل هذا تطور خطير في مستوى الإعلام الحربي للمقاومة " .
أيقن القادة الإسرائيليون منذ اليوم الأول للحرب في تموز 2006 الدور الذي لا يقل أهمية لقناة المنار وخطابات نصر الله المتلفزة على الجبهة الداخلية من حيث ضراوتها وتأثيراتها على تماسك المجتمع الإسرائيلي الذي يضم أثنيات أخرى أعربت عن إعجابها بالمقاومة وقدرتها على قهر قوة الردع الإسرائيلي " المعركة الإعلامية التي تخوضها قناة ( المنار ) الفضائية لا تقل في أهميتها ودورها عن المعركة العسكرية التي يخوضها حزب الله .... بقاء ( المنار ) واستمرارها في البث قد مثل إرباكاً للجيش الإسرائيلي " ، وعلى هذا الأساس كثرت الدعوات لضرب التكنولوجيا الإعلامية المادية و البشرية لحزب الله خلال الحرب . لاسيما وان إسرائيل تدرك بأن الإسهام الأكبر في إقامتها كان للدعاية الإعلامية المجندة " تحولت قناة " المنار"  إلى هدف رئيس ، ليس فقط للجيش الصهيوني ، ولكن أيضاً لقنوات التلفزة العبرية ، التي بدأت منذ صباح الأحد (16/7 ) حملة محمومة ضد هذه القناة، مطالبة بإسكاتها على الفور بشكل نهائي، وأبدى مراسلوا ومحللوا القنوات الصهيونية استغرابهم لاستمرار بث هذه القناة رغم تدمير مقرها بالكامل، وقال ايهود يعاري كبير محللي القناة الثانية : يجب " إسقاط المنار" . وأضاف يعاري: "هذه القناة تلعب دوراً كبيراً في الحرب النفسية ضدنا" . كما أن التحريض والتخوف من التقنية الإعلامية للمقاومة وصل المستوى الاستخباراتي في إسرائيل " وخرج داني ياتوم ، " رئيس الموساد السابق" ، الذي كان ضيفاً على القناة العاشرة ، عن طوره ، قائلاً : " اضربوا هذه القناة ، إضربوا قناة نصر الله، إقصفوا الانتينات، والمقرات، ولا تكتفوا بقصف البنايات، إقصفوا تحت البنايات، تحت الأرض، إنهم يختبئون تحت البنايات المقصوفة ".
وبالمحصلة يمكن القول بأن المنار التي ولدت كتلفزيون أرضي في ثمانينيات القرن الماضي وكفضائية عام 2000 لم تتوقف عند حد تقني بل واصلت التطور مستفيدةً من التقنيات الإعلامية الحديثة برغم ما تتعرض له من مضايقات حتى بإيد عربية أخذت على عاتقها مهمة إسكات هذا الصوت عبر وقف بثها على الأقمار الصناعية العربسات والنايل سات خدمةً لمشروع تصفية إرادة المقاومة والتمهيد لعصر تطبيع ينذر بدثر حقائق التاريخ والجغرافية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير