(إسرائيل) ومئوية سايكس - بيكو المشئومة

28.05.2016 03:22 PM

 كتب: غسان مصطفى الشامي

 يعيش الكيان الصهيوني في هذه الأيام العد التنازلي لعمره على أرضنا الفلسطينية المباركة، فقد خاض على مدار 68 عاما عشرات المعارك والحروب مع العرب ودول الجوار من أجل أمن الكيان ومستقبل الكيان على أرض فلسطين، وهو اليوم يعيش في حالة حرب دائمة، وخسر آخر ثلاثة حروب مع غزة تلك المدينة الفلسطينية العربية  الصغيرة غزة التي أوجعت العدو الصهيوني وكبدته خسائر كثيرة على كافة الصعد، وصمدت لأكثر من(50) يوما تحت ضرب الصواريخ والطائرات والقنابل الكبيرة، و الفسفور، ولم ترفع غزة راية الاستسلام يوما، وتوقفت الحرب عند حدود القطاع بعد تدخل الجهات الدولية ووضع شروط الهدنة لوقف القتال.

إن مئوية معاهدة (سايكس- بيكو) المشئومة ذكرى أليمة على الأمة العربية الإسلامية يومها تم رسم حدود (سايكس- بيكو) وذلك عندما التقى الدبلوماسي الفرنسي (فرانسوا جورج بيكو)، مع الدبلوماسي البريطاني السير (مارك سايكس) في شهر مايو/ أيار من العام 1916م واتفقوا على تفاهمات تقسيم تركة الإمبراطورية العثمانية - وكانوا يطلقون عليها ( الرجل المريض)، وتم الاتفاق على تقاسم منطقة الهلال الخصيب - مصطلح أطلقه عالم آثار أمريكي يقصد به سوريا و لبنان و فلسطين و الأردن و العراق – ومنحت الاتفاقية روسيا القيصرية الأراضي التركية، وتم الكشف عن معاهد سايكس - بيكو السرية  بوصول الشيوعيين إلى سدة الحكم في روسيا عام 1917م، مما أثار الشعوب التي تمسها الاتفاقية وأدخل فرنسا وبريطانيا في حرج شديد من هذه المخططات الخبيثة، وكانت ردة الفعل الشعبية-الرسمية العربية المباشرة غاضبة لهذه الخرائط والتقسيمات التي تطيح بالدولة العربية الكبرى التي وعد بها البريطانيين الشريف حسين أمير مكة .

ويعتقد كاتب السطور أنه اليهود كانوا على علم بمعاهدة سايكس - بيكو، خاصة أن الهجرات اليهودية كانت تزداد وتيرتها على أرض فلسطين خلال عام 1916م كما أن اليهود واصلوا تأسيس المستوطنات على أرض فلسطين، لذلك بارك اليهود هذه الاتفاقية، ومن ثم دعموا أن تكون فلسطين من حصة بريطانيا فيما بعد، وليست تحت الوصاية الدولية، وبعد ذلك تقدم اليهود بطلب من (الانتداب البريطاني) من أجل الحصول على الوعد التاريخي، وكان لهم ذلك في الثاني من نوفمبر من عام 1917م  حيث حصل اليهود على وعد بلفور المشؤوم  كوثيقة لها للبدء بتأسيس وطنهم القومي على أرض فلسطين .

اليوم وبعد مرور 100 عام على معاهدة (سايكس- بيكو) المشؤومة  بالفعل تغيرت المعادلة على الأرض وتغيرت الحسابات، وتغيرت كواليس الأمور بالنسبة للكيان الإسرائيلي خاصة أن المنطقة العربية تعيش صراعات ونزاعات، قد تذهب حدود (سايكس- بيكو) في مهب الريح، كما أن الكيان الصهيوني له حسابات مختلفة، وهو الآن يعيش حالة من التراجع ومحسورا على نفسه بين جدران متلاصقة، ويسعى جاهدا لفرض واقع جغرافي جديد في الضفة المحتلة والقدس من خلال بناء الآلاف من المستوطنات ومواصلة تهويد القدس والمسجد الأقصى .

الناظر لواقعنا العربي يجد أن (إسرائيل) تقود لعبة تغير خارطة المشرق العربي وإعادة هيكلة أوطاننا من جديد، ورسم خارطة جديدة بعد مرور مائة عام معاهدة سايكس- بيكو، فقد لعبت (إسرائيل) دورا كبيرا في تقسيم السودان، ودورا خفيا في النزاعات الداخلية في اليمن، كما دعمت الحروب الداخلية في لبيا، وهي على استعداد لدعم أية حروب عربية داخلية. 

إن خارطة سايكس- بيكو ومن بعدها أفكار الإدارة الأمريكية التي حملت عنوان (الشرق الأوسط الجديد)، كلها تصب في مصلحة (إسرائيل) وتقوي وجود الكيان في قلب العالم العربي، بل إن مصالح الكيان الصهيوني تكمن في تقسيم العالم العربي إربا إربا ودول طائفية متناحرة، بل إن كثرة الجماعات والأحزاب من شأنها أن تضعف وحدة الأمة العربية الإسلامية وتعمق الخلافات العربية العربية.

إن الكيان الصهيوني اليوم وبعد مرور مائة عام على معاهدة سايكس- بيكو، يعمل على تغذية بذور الفتن والكراهية ودعم الحروب في عالمنا العربي، وقبل أيام أرسل رئيس الوزراء الصهيوني (نتنياهو) رسالة للعالم مفادها أن مرتفعات هضبة الجولان السورية جزء أصيل من الكيان الصهيوني، فضلا عن  أن الانشغالات في القضايا الداخلية تؤثر على قضية العرب المركزية والأصيلة قضية فلسطين، وبالتالي تعطي فرصة للكيان الصهيوني لاستباحة الدماء الفلسطينية واستباحة الأرض فلسطينية ومواصلة سرقة الآلاف من الأراضي وإقامة عليها الوحدات الاستيطانية.

إن الكيان الصهيوني ينظر بحذر إلى ما يحدث من صراعات في الوطن العربي، بل ويسعى على تعزيز التفكك العربي الداخلي وتغذية بذور الفتن والكراهية، ودعم تقسيم العراق إلى دويلات طائفية وتقسيم سوريا واليمن وليبيا والسودان ودعم الخلافات العربية، والأهم لدى الكيان الحفاظ على أمنه وعدم وصول الخلافات والمشاكل للكيان أو المحيط القريب منه.

وبعد مائة عام على ذكرى (سايكس - بيكو) المشئومة يواصل الكيان الصهيوني تعزيز قدراته العسكرية، وإنتاج القنابل النووية، وتأمين حدوده البرية والبحرية، ويستعد دوما للمعارك القادم مع العرب وقطاع غزة، وينتظر بشوق تنفيذ مخططات تقسيم البلاد العربية وذلك لضمان أمنه واستقراره داخليا وانشغال العرب بهمومهم ومشاكلهم الداخلية ..
إلى الملتقى .
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير