عدنان رمضان يكتب لـ وطن: تحركات التطبيع الفلسطيني وحملة المقاطعة

21.06.2016 01:06 PM

التحركات الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية المتعلقة بالتطبيع ، هذه التحركات التي تاتي من عدة اطراف وباشكال والوان مختلفة،والتي تتالت وتتالى وترافقت -بقصد او  بدون- مع الجهود والخطط الكبرى التي  رسمتها  وتنفذها  اسرائيل  لمواجهة  حملة وحركة المقاطعة ، هذه التحركات  وتوقيتها تثير العديد من التساؤلات وتطرح اسئلة عن هدف هذه التحركات واثارها على هذه الحملة وعلى القضية وعلى كل ما يبشر بالخير ويحيي الامل .

 وعند الحديث عن استراتيجية فلسطينية هذه الايام فان ذلك  يثيرالسخرية والضحك ، فالاداء السياسي الفلسطيني اقرب ما يكون الى التخبط والارتجال، ولا ينطلق من اسس واضحة ولا يسير باتجاه اهداف واضحة ،بل هو متهم بفقدانه للخطط والبرامج وبغياب المشروع الجمعي والرؤية .

ان اول ما يتبادر للذهن عند ذكر الاستراتيجية هو مجموعة الخطط والاعمال الشاملة والمتكاملة المنسجمة مع بعضها البعض، والتي  تهدف لتحقيق غرض ما ، يساهم في احداث تحولات نوعية، ويمكن الطرف الفلسطيني  من كسب معركة ما ،  أو على الاقل الاقتراب اكثر من تحقيق الحقوق المشروعة لشعبنا،   ...اي ان الحديث عن الاستراتيجية يعني  وعى وعقل واعمال  ومبادرات ناتجة عن تحليل ومراجعات عميقة ورؤية واضحة و فهم ووعي يؤسس  لممارسات وسياسات تساعد  شعبنا على الصمود وتحقيق الانتصارات المتتالية  لتعطي  زخما  مستمرا لكفاح  شعبنا من اجل نيل حقوقه في الحرية والعودة وحق تقرير المصير .   

الا ان هذه التحركات التي تاتي  في  سياق من التدهور  تؤثر سلبا في حملة وحركة المقاطعة  وسحب  الاستثمارات وفرض العقوبات  المعروفة بال "بي دي اس" وهي الحراك الفلسطيني  الذي اطلق  حركة مقاطعة  عالمية مركزها  الحملة الفلسطينية  المستمرة  والمتطورة  والتي  بعثت نورا  وجددت حلما واملا  وحققت  ولا  زالت تحقق نجاحات وانجازات مهمة  في ظل  الحالة المتردية  التي  يعيشها شعبنا  الفلسطيني وقضيته العادلة.

حركة المقاطعة التي تعتبر واحدة من المبادرات الفلسطينية القليلة التي تتعامل مع القضية الفلسطينية من جذورها وترى في  اسرائيل بنية استعمارية تمييزية ،وتجسيد حي واضح ومستمر لتجريد الشعب الفلسطيني من ارضه وهويته وحقوقه الاساسية  وهي كحركة  تنطلق في دعوتها لنيل حق العودة وتقرير المصير والمساواة الكاملة  من الايمان العميق بوحدة الشعب الفلسطيني  في كل اماكن تواجده رغم التجزئة القسرية التي  فرضت عليه ، و تتعامل هذه الحملة مع اسرائيل كبنيةواحدة من الاستعمار والتمييز والسيطرة والعدوان  المستمر على  فلسطين التاريخية  وشعبها .

وهي حركة شعبية  تتوجه  بالاساس  الى الافراد والمجموعات والمنظمات  الشعبية والمدنية في مختلف  بقاع  العالم  من اجل توحيد  هذه  الجهود  للقيام  بحملات  منظمة للضغط على  الاجسام والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية  على مختلف حقول  نشاطاتها الاقتصادية والثقافية والرياضية وغيرها  لمقاطعة اسرائيل  وسحب الاستثمارات فيهاومن المؤسسات التي تدعم مشروعها وانشطتها  التي  تنتهك فيها  حقوق ابناء الشعب الفلسطيني  وتامل  في الوصول الى مرحلة فرض العقوبات عليها  .

وفي هذا الاطار فان ثلاثة امثلة عن تحركات فلسطينية  واضحة ناتجة عن هذا الاداء السياسي الفلسطيني المرتبك و النفعي المرتجل والتبعي اوردود الفعل في احسن الاحوال  هذه التحركات في الحقيقة  قد تؤدي الى ايذاء وضرب هذا  الانجاز خاصة ان بعضها جاء بعد الاجتماع السري الذي عقدته الصهيونية العالمية مؤخرا لوضع استراتيجيات لمجابهةالاثار والمخاطر  الناتجة عن حركة المقاطعة .

ان التركيز على هذه العناوين الثلاث   لايعني  استثناء الجهد  الفلسطيني  الرسمي  المتعلق  بالمفاوضات  او التنسيق الامني الذي اسس لهذا الارباك على مستوى الوعي والممارسة ووفر الغطاء للعديد من الانشطة التطبيعية  الفلسطينية و العربية الرسمية والشعبية والتي تعدت في كثير من تجلياتها التطبيع الى حدود ابعد من ذلك  ولكن لتسليط الضوء على تحركات تاخذ الشكل غير الرسمي  .

اولا المشاركات الفلسطينية  من شخصيات  فلسطينية اعتبارية وبعضها  يحتل موقعا  قياديا  في  الهيكلية السياسية الفلسطينية مثل  مشاركات اعضاء لجنة تنفيذية او او امناء عامون  او قياديون  في الحركات الفلسطينية   في مؤتمر  هرتسليا  السنوي ، والذي  يعتبر اهم الفضاءات التي  يصاغ فيه اهم استراتيجيات  العدوان والسيطرة والتحكم والتمييز التي يتم  تطبيقها  على  شعبنا، ونعيش كشعب  باكمله نتائجها على جلودنا وندفع  ثمنها دما والاما ومعاناة مستمرة ومركبة بشكل  يومي  ودائم .

 ان الادعاءات السخيفة للبعض ان هذه المشاركات تهدف  الى احداث تغيير في العقل السياسي الاسرائيلي او تساعد في تفتيح اعينهم المغلقة على مخاطر عدم الاعتراف  بحقوق شعبنا  -يا  لهذه العبقرية - وكان  صراعنا مع الصهيونية ناتج عن سوء فهم او ان حثهم على الالتزام بالاخلاق والمبادي من خلال القاء كلمة ستقود لاحقاق حقوقنا.

انظروا  ايضا الى الانشطة والممارسات التطبيعية الاجتماعية التي تريد ان توهم  العالم  انه لا يوجد اساس حقيقي للصراع مثل الذهاب للتعزية بالضابط الصهيوني في ما يسمى الادارة المدنية ومكاتب الارتباط ، التي تعتبر رمز الاحتلال وجزء اساسي  في بنية السيطرة والتحكم والتمييز التي  يديرها الكيان،   وكان التقزم والانبطاح واهانة الكرامة والذات  بتقديم هذه المجاملات الاجتماعية لعدونا ومصدر المنا  ونكباتنا  المستمرة سيساعد شعبنا في  اي  شي ، عدا عن اعادة انتاج نموذج "مختار الذل "  الذي تجاوزته نضالات شعبنا منذ زمن . 

 اي  حضيض هذا الذي وصل اليه البعض؟ واية هذرمات هذه التي  يتم اطلاقها بعد عقود من الصراع وعقود من مسيرة سلام وهمية؟ خسر فيها شعبنا اكثر مما خسر في الحروب ،اي استهانة بالعقول؟ تلك التي تستمر بنشر هذه الاوهام والفذلكات التي لا تعتبر سوى عذراقبح من ذنب وسوى مزيد من الايغال في تعمية والغاء وعي المقاومة والمتاجرة بقضيته  ودماء ابنائه .

الجانب الثاني من هذه الانشطة هو محاولة لتسلل الى حركة المقاطعة والعمل على كبح جماحها وحصرها في  برامج مؤسسات مدنية وتحركات نخبوية، اومقاطعة اقتصادية شكلية لبضائع ومنتجات المستوطنات المقامة في الضفة الغربية ،  هذه التحركات تاتي لتحول دون تحول هذا الحراك الى فرصة جديدة وحراك ومساهمة عملية واضحة في اعادة  صياغة العقل والممارسة  السياسية الفلسطينية  لانتاج وعي يتجاوز ويتغلب على  جهود  تطبيع الكيان وتشريعه،  ويعيد للقضية الفلسطينية زخمها الشعبي والعربي والعالمي  ويوحد وينظم ويقود حركة  مناهضة الصهيونية والاحتلال على  مستوى المنطقة والعالم.

مع تنامي نجاحات حملة المقاطعةو انضمام قطاعات جديدة وشخصيات وازنة ومؤثرة وطنية او عالمية لهذه الحركة ترى القيادات تتزاحم للحديث عنها وعن اثرها واهميتها كاستراتيجية مقاومة وكثير منهم لو تعلمون هم مطبعون اصليون   حتى ان البعض سمح لنفسه  بالتحدث باسم الحملة  في محاولة لسرقة هذا الانجاز  ولحرف هذه الحركة عن مسارها، يريدون لهذا الانجاز ان يكون كما الكثير من انجازات شعبنا التي عمدت بالدم والالم والجهد والتعب ومعاناة شق الطريق حيث اضاعها المتسلقون والمدعون والمتاجرون بالكلمات ومن يتربصون الفرص لابقاء الامر كما هو او تحسين شروط الاحتلال في افضل حال
هذه المحاولات التي تحاول احتواء هذه الحركة مستغلة بعض الاجسام والمواقف الرخوة  ستستمر في  تبهيت واحتواء واستخدام هذه النجاحات لتصب في اجندات سياسية رسمية اثبتت عقمها وفشلها ولا حاجة للتذكير بالجدال  حول البيان السابق للحملة والمتعلق بمؤتمر هرتسليا .

اما النشاط الثالث فهو مؤتمر" استراتيجية المقاطعة في النضال ضد الاحتلال ونظام الابارتهايد الاسرائيلي  الواقع والطموح "الذي  يعمل عضو الكنيست الاسرائيلي السابق عزمي  بشارة  على تنظيمه  في  تونس  وبتمويل من  الدوحة  التي  صوتت بالامس  القريب حسب موقع "دبكا" ال استخباراتي الصهيوني الى جانب تولي المندوب "الاسرائيلي" في الامم المتحدة رئاسة اللجنة القانونية في مجلس الامن  هذه الدولة التي لعبت ولا زالت  تلعب اهم الادوار في عملية التطبيع العربي  لاسرائيل .

هذا المؤتمر يخطط له ان  يعقد في الاسبوع الاول من آب القادم  ويستخدم  خطابا  ديماغوجيا  يخلط  فيه الكثير من الحقيقة مع القليل من الخباثة الخطيرة بشكل مقصود كمحاولة واضحة لخلق حالة من الارباك في خطاب واجسام هذه الحركة  ولتقويض الثقة باجسامها وبنياتها بهدف تعديد مرجعيات عبر محاولة ايجاد مرجعيات فكرية وهيكلية جديدة  تخلق حالة من الارباك  على المستوى العربي  والاسلامي خاصة في ظل مشاركة متوقعة من فعاليات الاسلام السياسي الذي ترعاه قطر. 

ان خطورة هذا  المؤتمر ،ما يسبقه وما سيتبعه من تحركات ستستند الى هذا المؤتمر للنطق باسم حركة المقاطعة ومحاولة تطويع هذه الاداة الكفاحية والحرك الشعبي وفقا لاجندات مموليه في الدوحة واسيادهم المختلفين.

 ان حركة المقاطعة سيشتد عودها ويتحقق مشروعها الاصيل المتمثل بتجذير الوعي المقاوم ومناهضة مشاريع وهجمات تطبيع اسرائيل في الوعي والعقل الفلسطيني والعربي عبر مجابهة  هذه المخاطر الداخلية باغلاق الابواب امام محاولات الاحتواء من جهة وومن جهة اخرى بالتصدي للمؤامرات التي تحاك ضدها عبرتعرية اهدافها والمواجهة المفتوحة  وبالاستمرار  بتطوير الحملة  الى حراك وحركة كفاحية ونضالية  مملوكة  جماهيريا  ومتجذرة في وعي وممارسات الفلسطينيون .

 ان التاكيد على ان حركة المقاطعة الفلسطينية هي ثمرة لنهج  كفاحي فلسطيني عميق ومتجذر في تجربة النضال  الفلسطيني وفي رفض التطبيع وثقافته باشكالها المختلفة ،واحد اهم صمامات امان هذه الحركة هو المزيد من التحشيد الشعبي فلسطينيا وعربيا، وعبرالاستمرار بتحقيق مزيد من النجاحات والزخم الاعلامي العالمي  الذي  يرافق هذه الانجازات المستمرة والذي سيخلخل العقل العالمي الذي اسس لحالة "الدلال " التي عاشتها وتعيشها  اسرائيل عالميا.

لا زالت الصورة القاتمة للمشهد العربي والفلسطيني تشهد اضاءات وانوار وبطولات  وانجازات متعددة  هنا  وهناك ،ولا زال القابضون على الجمر على قمة الجبل لم تغرهم انتصارات مزيفة ومغانم وهمية ، هذه الاضاءات  ومن  ضمنها  حملة المقاطعة  تطلق  امالا  كبرى وزخما  متجدد وروحا لن  تهزم رغم   المؤامرة الكبرى  هذه الروح  ستبقى وتصمد تتعاظم وتنتصر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير