نادية حرحش تكتب لـ وطن: اللي استحوا ماتوا !!!!

23.06.2016 08:33 PM

لم ينته بعد الحوار الدائر على ما جرى الجمعة الماضية من نقل شركة النقليات الإسرائيلية "ايجيد" للمصلين من حاجز قلنديا ولغاية البلدة القديمة ذهابا وإيابا مجانا .لم يقتصر الموضوع على تخصيص العشرات من حافلات الشركة وأسباب هذا النهج من "الأخلاق" من قبل سلطات "الإحتلال"، ولكن امتد لإلقاء اللوم على الشركة المتحدة للنقليات "الفلسطينية" . كيف تتجرأ الشركة "باستغلال " المواطنين "المساكين" ،"ألمعدمين" الذاهبين الى الصلاة بفرض تذاكر ذهاب وإياب بقيمة ١٢ شيكل .
لم أسمع تعليقا واحدا، او تحليلا واحدا ، يبحث في بديهية أن "تتبرع" سلطات الإحتلال بخدمات مجانية للمصلين . هل لنا أن ننظر هنا إلى عمل الإحتلال هذا كعملية أخلاقية في غياب أخلاقنا مجتمعا وسلطة؟
من التعليقات التي سمعتها لوما للشركة الفلسطينية والتي قد تمتد للسلطة ، هو أن استغلالهم دعى الناس للذهاب للخدمات المجانية ، فكان الأولى ان تكون خدمات النقل المجاني من قبل السلطة والجهات الفلسطينية.
فجأة أصبح الشعب معدما ، ستؤثر على وضعه الحياتي العشرة شواكل وبعضها على حياة الشعب المسكين بأكمله . نهج من حياة "الشحدة" التي أصبحنا نراه من استحقاقاتنا كشعب. والنقاش في الموضوع كالنقاش في بديهيات حياتنا التي صارت مخجلة أو ممنوعة من النقاش. أن نطلب من الناس أن تتساءل قبل الركوب في حافلات الاحتلال ، تلك الحافلات نفسها التي ترمي بالعرب في بعض الخطوط وتمنعهم من الصعود. هي نفسها الحافلات التي تعرض فيها السائقون العرب للتعدي والقتل . تلك الحافلات التي ندعوا كفلسطينيين حكومة وشعبا بمقاطعتها لكونها جزءا من الاحتلال في حين هناك حافلات وطنية لا تدعمها الحكومة الفلسطينية الأبية كما تدعم حكومة اسرائيل حافلاتها .
أي انه في موسم في هذا الوقت من العام تشكل المواصلات دخلا مباشرا للسائقين ، يتم عملية ضرب قطاع المواصلات في القدس بالكامل . من اجل عشرة شواكل او اثني عشر ، يستكثرها صاحبها على السائق الفلسطيني. فتح باب "السجن" الكبير الذي يفصل الضفة عن القدس ، أو بالأصح إسرائيل في هكذا توقيت لا يغيب عن أحد بأنه لإعطاء فرصة لهؤلاء بالتسوق والتبضع في الأسواق الإسرائيلية لا يحتاج الى تحليل او تمحيص أو رؤية ثاقبة. فالمشهد نفسه يتكرر كل سنة .
هذه المرة تقوم اسرائيل بإغراء او بالأحرى بشراء الشعب الذي تعود العيش على الشحدة بشواكل معدودة. لا أعرف كيف ننسى كل مآسي هذا الاحتلال التي لم تنته ،ونحن لا نزال في ما سميناه انتفاضة ثالثة ، مع الأسف نبرر كالعادة مصالحنا الشخصية البخسة على الوطن. كم من الأطفال والابناء والأهل تشردوا وفقدوا وانحرقت قلوبهم في الأشهر الماضية . كم من المبالغ أرهقتنا بها سلطات الاحتلال ما بين مخالفات وتهديدات وأبناء يقبعون في مراكز الإعتقالات ؟ في ظل الحملة اللا منتهية على تصعيد الأزمة الاقتصادية لأهل القدس ، يرفد اليها ابناء الضفة ويأثرون ما لديهم في سبيل الوصول الى الاقصى ويبخسون بعشرة شواكل لشركة الحافلات الفلسطينية . كيف نأمل أن يكون لنا وطنا ، بينما يستطيع الاحتلال شراءنا بتذكرة مجانية لا تتعدى يضعة شواكل. كيف نأمل أن نحرر وطنا أثمان أهله بهذا البخس. ما صدر من الشعب "الجائع" في الجمعة الماضية ، سيتكرر هذه الجمعة بلا أدنى شك. ليؤكد مرارا وتكرارا بأننا فقدنا إحساسنا بالوطن . فقدنا الحس الجمعي . فقدنا الخجل . ولا بد اننا فقدنا الاخلاق منذ زمن .... ونذهب الى بيوت الله لنستغفر ونتقرب اليه زلفى .
لا ريب أننا في مأساة سيادية وقيادية . فشعب يبيع وطنه من أجل تذكرة حافلة ، لا يمكن أن يفرز قيادة تفهم أن الوطن أبعد من مصلحة شخصية مهما كانت صغيرة يأثرها بنفسها ولحسابه على حساب البشر إن أمكن. قد يقول قائل لما كل هذا التحامل على المواطن المسكين ؟ وما الذي أجرم به عند توفيره لعشرة شواكل ؟ وما الذي تقدمه هكذا مبالغ زهيدة أو تؤخره؟
وهنا تكمن المشكلة ، بأن الأمر فعلا أمرا بسيطا . أن يتم إغراءنا مقابل هكذا مبلغ من اللا شيء يؤكد لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من حال . يؤكد لما لم يعد هناك أرضا نتفاوض عليها ، ولما كل هذا الاخفاق على مدار العقود.
فالمشكلة ليست فقط بالقيادة التي تعيد نفسها من خلال شعب يبيع نفسه من أجل عبور مجاني . وإن كنا نتساءل لماذا لا تنجح المقاطعة؟ فكيف تنجح ونحن لا نهتم أصلا بالبديهيات . وبالحق ، إذا ما كانت هذه "الشواكل" القليلة تشكل فرقا للشعب، فإنه من البديهي أن يبيع الشعب ما تبقى منه لما يمكن الدفع فيه. إن انعدام الحس من بصيرتنا لما يقترفه الاحتلال بنا في كل لحظة من اجل تذكرة مرور يبكي الحجارة تلك التي يدعي الشعب نفسه الزهد بحياته من أجلها . القدس والأقصى التي ابتلع ترابها دماء شهداء لم تكفكف بعد دموع ذويهم وأحبتهم. إن انعدام الإحساس بأن استخدام المواصلات الفلسطينية حتي ولو زادت من تسعيرتها سيكون كالصدقة لمن لا يزال يأمل في حياة لوطن. لم أعد أرى حتى مكانا للأمل في شعب اهترأت قيادته فتهاوى الشعب تباعا. صار الوطن مصلحة شخصية مهما بخست تعلو ما كان بالأساس وطنا. نحن شعب لم يعد الحياء في دمنا ولا الأخلاق تحكم تصرفاتنا .... فلا ضير أن نبيع أوطننا بين تصريح وتذكرة . فعلا ...اللي استحوا ماتوا ...أو لربما استشهدوا !!!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير