ليبرمان يلعب في الشأن الفلسطيني الداخلي

25.06.2016 08:44 PM

وطنكتب  عاموس هرئيل

في أحد لقاءات المسار الثاني – وهي اجتماعات غير رسمية، الشرق الاوسط ما زال مشبعا بها، والتي يجتمع فيها خبراء ودبلوماسيون وجنرالات من الدول العربية، من اسرائيل ومن دول غربية مختلفة – جلس مؤخرا سياسي مصري معروف من اجل الحديث مع أحد معارفه الاسرائيليين. الحديث تدحرج الى مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، وهذا الشخص الذي شغل في الماضي مناصب رفيعة جدا وما زال له تأثير على سلطة الجنرالات في القاهرة. وببساطة خرج عن أطواره.

“عن أي لاجئين تتحدث؟”، وبخ المصري الشخص الذي يحاوره. وقال إن المنطقة مليئة بملايين اللاجئين الجدد الذين يعيشون في ظروف غير محتملة ويحتاجون الى مساعدة فورية. ملايين المواطنين الذين هربوا من رعب المعارك في سوريا والعراق واليمن يذوبون في حر 49 درجة مئوية في الصحراء في الصيف ويتجمدون من البرد في الشتاء. خيام القماش التي تقدمها لهم الدول المجاورة ومنظمات الاغاثة الدولية لا تعطيهم أي حماية. معسكرات ضخمة من الخيام تظهر تقريبا في كل زاوية في الاردن، لبنان وتركيا. هؤلاء اللاجئون الذين تعبر ضائقتهم عن التحولات التي تحدث في المنطقة. على هذه الخلفية، قال، تصميم الفلسطينيين على اظهار أبناء الجيل الثالث على أنهم لاجئون، الذين هو أحفاد من هربوا أو طردوا من ارض اسرائيل اثناء الحرب في 1948، هو شيء مرفوض. قسم كبير من اللاجئين الفلسطينيين الموزعين في دول المنطقة يسكنون في بيوت حجرية وفي أحياء فيها بنى تحتية جيدة، لكنهم ما زالوا يعتمدون على مساعدة الامم المتحدة ووكالة غوث اللاجئين “الاونروا” وتستخدمهم قيادتهم من اجل تخليد المشكلة الفلسطينية.

إن أقوال كهذه لم تسمع تقريبا بهذا القدر من انفتاح القلب من قبل سياسيين عرب في السابق. رغم اللهجة المتكدرة احيانا في تحليلات وتوقعات المتحدثين الاسرائيليين – في المرة الاخيرة، في مؤتمر هرتسليا في الاسبوع الماضي – فان اسرائيل هي احدى الرابحات من الهزات الكبيرة التي تحدث في الشرق الاوسط في السنوات الخمسة والنصف الاخيرة. فهي لم تبادر الى ذلك بالطبع ولم تؤثر على نتائجها، لكن في جوانب كثيرة، فان وضع اسرائيل الاستراتيجي افضل مما كان عليه قبل اندلاع ما يسمى الربيع العربي في 2010. اتفاق فيينا في تموز الماضي رفع كما يبدو التهديد النووي الايراني عن برنامج العمل اليوم لخمس إن لم يكن لعشر سنوات قريبة. الجيش السوري، التهديد التقليدي الاول على اسرائيل، لم يعد موجودا. كمية السلاح الكيميائي الكبيرة التي كانت لدى بشار الاسد تم تفكيكها كليا تقريبا (98 في المئة، حسب تقدير رئيس الاستخبارات العسكرية، الجنرال هرتسي هليفي في الاسبوع الماضي).

الخطر الرئيسي بالنسبة لاسرائيل يوجد في التنظيمات الارهابية والعصابات الغير نظامية في المناطق وعلى الحدود. هذا خطر دائم على الاستقرار يصعب فك لغزه أو ردعه، لكنه ليس تهديدا وجوديا. جارات اسرائيل التي تعيش تحدٍ أمني بشكل دائم بحاجة الى اسرائيل أكثر من أي وقت للحفاظ على الاستقرار النسبي ومن اجل التعاون الاقتصادي والامني. فكلما شعرت هذه الدول بالتهديد أكثر من داعش وأمثاله فهي تحتاج الى الظهر الاسرائيلي أكثر. التضامن الذي يعكسه زعماء الدول مع المشكلة الفلسطينية التي اعتبرت في السابق مشكلة كل العرب، يبدو احيانا ضريبة كلامية. رغم الاقوال المتشددة حول تبني مبادرة السلام السعودية، ليس هناك اليوم أي ضغط عربي حقيقي على اسرائيل في محاولة لحل الصراع مع الفلسطينيين.

كل تلك الامور الجيدة يهددها شيء واحد، حسب رؤية القيادة الاسرائيلية، وهو فترة الشهرين والنصف بين الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم وبين دخول وريث براك اوباما الى المنصب في 20 كانون الثاني من العام القادم. كلما بقي الغموض حول خطة الانفصال التي يخطط لها الرئيس الحالي للمنطقة، كلما زادت الفوضى في القدس. وبتأخر خمس سنوات يبدو أن توقعات التسونامي السياسي التي تحدث عنها وزير الدفاع السابق اهود باراك، ستتحقق. خطاب باراك في الاسبوع الماضي في مؤتمر هرتسليا تسبب في نوبة من الخوف والهستيريا لدى رئيس الحكومة.

وفي الخلفية هناك مخاطر امنية محتملة مثل التدهور الذي قد يحدث نتيجة عملية ارهابية كبيرة أو بسبب خطوة اسرائيلية طموحة جدا في الساحة الفلسطينية. لقد سئل طوني بلير رئيس حكومة بريطانيا السابق اثناء منتدى مغلق في اسرائيل عن ما الذي أخذ اغلبية وقته في السلطة، فأجاب بلير الاحداث، واطفاء الحرائق الغير متوقعة هي التي شغلته وأخذت 90 في المئة من وقته وهو في منصبه.
        

  هذه الظروف ستضطر الحكومة الاكثر يمينية في اسرائيل والكابنت الذي لا توجد لاعضائه التجربة الامنية والطاقم الامني، الى مواجهتها. رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الجديد افيغدور ليبرمان اتفقا على دفن البلطات في سياق التحالف الغير مقدس الذي أدى الى عودة ليبرمان الى الحكومة، لكن المنافسة السياسية الاساسية بينهما بقيت على حالها، ويتوقع أن تتجدد في الانتخابات القادمة.

ولي العهد

تصريحان استراتيجيان هامان تم اسماعهما في ارشادات مصدر أمني في وزارة الدفاع للصحفيين. الاول، الرئيس الفلسطيني محمود عباس هو “المشكلة الاساسية لدولة اسرائيل” لأنه يمارس ضدها “الارهاب السياسي الموجه الى بطننا الرخوة”. والثاني هو أن المواجهة مع قطاع غزة شيء لا يمكن منعه حتى لو كان موعد اندلاعها غير معروف، وأنه في هذه الحالة يجب على اسرائيل التأكد من انهاء نظام حماس في القطاع، وأن تكون هذه هي المواجهة الاخيرة. بعد المواجهة، قال المصدر رفيع المستوى، سيكون هناك من يوافق على أخذ زمام السلطة في غزة في يديه، لكن هذه لن تكون قيادة السلطة الفلسطينية.

الاقوال التي نشرت على لسان المصدر الامني رفيع المستوى، لا تختلف كثيرا عن تصريحات الوزير ليبرمان قبل تصالحه مع نتنياهو وانضمامه الى الائتلاف. لكن الفرق يكمن في أن هذه الاقوال لم تعد تقال من مقاعد المعارضة بل هي تشخيصات لها وزن كبير، قد تتحول الى اهداف ممكنة لعملية اسرائيلية. وبالمثل يتم تحليلها بهذا الشكل ايضا عند الفلسطينيين في رام الله وفي قطاع غزة وفي الدول المجاورة وفي المجتمع الدولي. في العالم العربي، ولا سيما التصريحات المنسوبة لاوساط ليبرمان، فان هذا يسقط على ارضية المؤامرة الجاهزة. ويتم تفسيره على خلفية الفرضية التي لها من يؤيدوها، بأنه قريبا ستحدث هزة في الساحة الفلسطينية. حسب هذه الادعاءات فان الدمج بين تراجع التأييد لسلطة عباس في رام الله وبين العداء بين مصر وحماس في قطاع غزة، قد يحدث انفجار كبير. والشخص الذي يتم ذكر اسمه أكثر فأكثر في هذه السياقات هو محمد دحلان. فهو كما قيل الورقة السرية. فهو الشخص الذي قد يسيطر على رام الله، وبعد ذلك على غزة من خلال مؤامرة سرية.

عندما تراجعت الانتفاضة وتم طرح التخوفات بأن حماس تخطط لانقلاب عسكري في القطاع، فان بعض قادة الاستخبارات في اسرائيل قاموا بالتهدئة وزعموا أن دحلان لن يسمح بحدوث ذلك. لكن فعليا، في حزيران 2007، اختفى دحلان من غزة بذريعة أنه يتلقى العلاج في اوروبا. أقل من 10 آلاف نشيط في حماس احتاجوا الى ستة ايام فقط من اجل اخضاع قوة عسكرية كبيرة تابعة للسلطة، وقتل 160 شخصا من فتح ومن الاجهزة الامنية واعتقال وتعذيب آخرين.

القائد دحلان لم يكن معهم، وعندما ظهر من جديد في الضفة الغربية اعتبره عباس ومساعديه عدو. فخرج الى المنفى في الخليج. وبسرعة امتلك الكثير من الاموال وقام ببناء شبكة علاقات معقدة مع شخصيات رفيعة في الامارات والاردن ومصر وليبيا. إن دحلان مقرب بشكل خاص من نظام الجنرالات الحالي في القاهرة. ومصر التي تتدخل بشكل علني فيما يحدث في رام الله وغزة، أشارت في أكثر من مناسبة أنها تتوقع عودته لشغل منصب مركزي. وهذا بيقين بعد انتهاء نظام عباس.

قبل بضعة اشهر اقتبس الصحفي آفي يششكروف في موقع واللاه، مصادر امنية في اسرائيل والسلطة الفلسطينية زعمت أن ليبرمان ودحلان استئنفا علاقتهما والتقيا مؤخرا (مكتب ليبرمان نفى ذلك). هذه الاتصالات، اذا تمت بالفعل، سيكون لها تأثير لا سيما على خلفية التراجع الدائم في مكانة عباس. الحديث لا يدور فقط عن تراجع تأييده في استطلاعات الرأي. عباس يبلغ 81 سنة وهو يدخن كثيرا. ورغم أنه نشيط وبكامل وعيه، إلا أنه يصعب معرفة كم ستسمح له صحته بالبقاء في منصبه. عندما يتم طرح موضوع الوراثة الذ        ي تتم مناقشته بحرية أكثر من الماضي، يكثر المحللون الفلسطينيون من الحديث عن مروان البرغوثي، قائد فتح المعتقل في اسرائيل. واحتمال آخر هو سيطرة تركيا حيث أن رئيس جهاز الاستخبارات العام في الضفة، ماجد فرج، سيلعب دورا مركزيا. ولكن وراء دحلان قائمة من الجهات وعلى رأسها القاهرة والامارات. رسميا لم يتطرق احد في اسرائيل الى امكانية أن يحاول دحلان الاستيلاء على السلطة.

بعض السياسيين في اسرائيل الذين يتحدثون مع ليبرمان تولد لديهم الانطباع أنه دخل الى منصبه مع الشعور بأن لديه فرصة ليس فقط لتحسين مكانته في اوساط الجمهور، بل فعل اشياء كبيرة في الشرق الاوسط. وهناك اشخاص يثير لديهم هذا التشخيص ذاكرة ليست محببة منذ ايام “أورانيم كبير” وهو خطة اريئيل شارون لتغيير الوضع في الساحة الفلسطينية واللبنانية. صحيح أن بنية الكبح والتوازن تغيرت لدى النخبة الاسرائيلية، وأن نخبة الجيش الاسرائيلي على الاقل تبدو مستقرة وأكثر مصداقية مما كان عليه الوضع قبل حرب لبنان الاولى. واذا كان هناك من يؤمن بالخدعة الذاتية وأن اسرائيل يمكنها فرض رأيها على جاراتها، فان ذلك غير صحيح.

مسألة قيم

جمعية خريجي المعاهد العسكرية نشرت في هذا الاسبوع نبأ استثنائيا في الصحف. فقد أعلنت الجمعية عن تأييدها لخريج المعهد العسكري بالقرب من مدرسة هرئيلي في حيفا، توم نعمان. نعمان الذي هو قائد سرية الجندي اليئور ازاريا مطلق النار في الخليل، تحول الى هدف للتحريض والتهديد في الانترنت لأنه تجرأ على القول في محاكمة أزاريا أنه لم يكن هناك مبررا لاطلاق النار على الفلسطيني المصاب الملقى على الارض. الهجمة أثارت موجة من التنديدات وتصريحات التأييد لنعمان من قبل شخصيات في الدولة. وهناك من تحدث بفم ملآن مثل رئيس الاركان. وهناك من تحدث بنصف فم مثل وزير الدفاع. وهناك من لم يكن لديه خيار آخر، رئيس الحكومة.
رئيس الجمعية غيورا روم كتب أن خريجي المعاهد يتفاخرون بصديقهم نعمان “فيما يتعلق بسلوكه في قضية اطلاق النار في الخليل – كل شيء حسب قيم الضباط والقيادة التي اكتسبها اثناء دراسته، وعلى رأس ذلك التمسك بالحقيقة”.

قبل بضعة اشهر قرر آيزنكوت، بتوصية من رئيس القوى البشرية الجنرال حجاي توبولنسكي، اغلاق المعهد بالقرب من هرئيلي والمعهد الديني أور عصيون لاعتبارات مزدوجة: توفير الميزانيات حيث تبلغ تكلفة المعهد في حيفا 10 ملايين شيكل سنويا، فرضية أن الجيش يحظى بعدد كاف من القادة في مستوى غير رفيع، اغلبيتهم يأتون اليوم من المعاهد قبل العسكرية. وقد التقى آيزنكوت بعد قراره مع جنرالات متقاعدين ومع اعضاء الجمعية، لكنه لم يغير رأيه. “نحن نحترم رئيس الاركان”، قال روم للصحيفة، “لكنني ما زلت أعتقد أنه يمكن فتح هذا القرار من اجل نقاش آخر”. إنه يعتقد أن بالامكان ادارة المعهد في حيفا من قبل اربعة اشخاص نظاميين وباقي المعلمين يكونون مدنيين يقف على رأسهم ضابط رفيع متقاعد مع خلفية عسكرية.

لكن الاساس ليس الميزانية. فالجيش الاسرائيلي، كما قال روم، “يواجه مشكلة متصاعدة في موضوع القيم، حيث أن مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المستويات المتوسطة في القيادة، قادة الفرق والكتائب، للتأكد من أن الجيش متمسك بقيمه. في هذه الظروف بالتحديد سيكون من الخطأ التنازل عن مؤسسة تُخرج كل سنة 50 شاب وشابة وتمنحهم الخلفية المناسبة للعب دور القيادة – وهم يصلون مع طاقة واستعدادية مرتفعة قياسا بتلك التي لدى مجندين آخرين”. التعليم في المعهد يستمر ثلاث سنوات مقابل سنة في المعاهد التحضيرية. “هناك عشرات المعاهد التحضيرية التي يدار كل واحد منها بشكل مختلف، وليس فيها بنية اعداد موحدة. والجيش الاسرائيلي يعرف بالضبط مستوى القادة الذين يتخرجون من المعهد العسكري”.

هآرتس   24/6/2016

تصميم وتطوير