حلوة يا بلدي... قرية كفر الديك بين المواقع الأثرية والطبيعة النابضة بالحياة

27.06.2016 08:43 AM

وطن- تقرير: موفق عميرة: كفر الديك قرية فلسطينية تتبع لمحافظة سلفيت، وسميت بهذا الاسم نسبة الى نزوح أحد مؤسسيها من منطقة عين الديوك قرب أريحا الى تلك المنطقة، وتقع إلى الجنوب الغربي من مدينة نابلس ويحدها من الشمال قرية سرطة، ومن الشرق قرية برقين ومن الغرب دير بلوط ومن الجنوب دير غسانة، وتقع على حدود محافظة نابلس الجنوبية.

ترتفع قرية كفر الديك عن سطح البحر 350 متراً، وتبلغ مساحتها العمرانية 630 دونماً، ويزرع في أراضيها الحبوب والبقوليات والأشجار المثمرة وخاصة الزيتون والعنب واللوز، بالإضافة إلى تربية الأبقار والأغنام.

ساعة من الزمن كانت كفيلة بتعرفنا على قرية كفر الديك حيث تعجز الكلمات عن وصف عبق الأماكن التراثية فيها مثل قرية دير سمعان الأثرية حيث تحل العراقة والحضارة التي تأخذك إلى عالم الأجداد الذين سكنوا هذه القرية وشيّدوها بأيديهم، وبمكان ليس ببعيد، شاهدنا قلعة كفر الديك التي تتمركز على قمة أعلى جبل في القرية ونبعة كفر الديك "الفوارة" التي تشكل مصدراً للحياة.

قرية دير سمعان الأثرية

دير سمعان هو دير بيزنطي يعود عمره التاريخي الى أكثر من ١٦٠٠ عام، يقع على بعد ثلاثة كيلو مترات من الشمال الغربي لبلدة كفر الديك متوسطاً المنطقة الجبلية بين بلدتي دير بلوط غرباً وكفر الديك شرقاً، وهو يتكون من آبار محفورة في الصخور القاسية بشكل دائري وبرك كبيرة كانت تستخدم لتجميع الماء، وعدد من المنازل منحوتة في الصخر بشكل هندسي مقسم إلى غرف بطريقة هندسية ولكل غرفة استخدام معين، بالإضافة إلى وجود معاصر للعنب والزيتون منحوتة أيضا في الصخر وطرقاتها مرصوفة بالفسيفساء، ما يشكل لوحة رائعة الجمال من الداخل.

الناطق الإعلامي بإسم قرية دير سمعان الأثرية وسام الديك قال بأن هذه القرية عبارة عن مكان أثري قديم جداً يتربع على أكبر وأعلى جبل في القرية.

عند الإقتراب أكثر من قرية الدير نشاهد فسيفساء مرصوفة بطريقة هندسية ملتوية وتكملها حجارة دائرية كبيرة كانت تستخدم في عصر الزيتون والعنب، وهناك أيضا ساعة شمسية محفورة بالصخر، كان يستخدمها الأجداد لمعرفة الوقت والزمن، وأيضاً نرى حلبة للمصارعة ومن ثم برك سباحة.

جَبِر الديك أحد سكان القرية، والذي يبلغ من العمر 50 عاماً يشير إلى أن أعمال التنقيب عن هذا الدير بدأت في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، فعندما تم تنظيف المكان من الأتربة تم الكشف عن أرضية مرصوفة بالفسيفساء والتي لم يتبقَ منها سوى إطلالة تصور للزائر عظمة هذا الدير ودقة تصميمه.

وأضاف الديك بأن الدير يضم أكثر من 12 غرفة، ومعصرة للزيتون وأخرى لصنع النبيذ، ومطحنة للحبوب. كما ويضم بداخله بقايا أسوارة أربعة خزانات مائية تتصل ببعضها البعض مع قنوات تمتد الى جانب الواجهات الحجرية وتحت الأرضيات الفسيفسائية، كما ويضم أيضا معبداً، ومخازن للحبوب ومرابط للخيل، وفي الجهة الجنوبية للدير ما تزال واحدة من الغرف المفصولة عن أسوار الدير باقية بشكلها الأصلي، فيما يطل شباك غربي من داخل هذه الغرفة على ثلاث برك مائية، نحتت في الصخور الصماء على غرار برك سليمان في بيت لحم.

كما ويضم هذا الدير ساحة دائرية كبيرة وواسعة تسمى البيدر استخدمت لأعمال تخليص الحبوب من سنابلها ولأغراض التدريب العسكري، وفي الجانب الغربي لهذا البيدر الكبير شقت قناة بعمق متر تقريباً في الصخور وبعرض حوالي ثلاثين سم وبطول عشرة أمتار، تؤدي إلى البرك الثلاث داخل البيدر، وفي الجانب الشرقي الشمالي للبيدر توجد ساعة شمسية يتوسطها صليب، وبحسب تقديرات الباحثين فإن هذا الدير كان ديراً يزود باقي المحميات البيزنطية بالمؤن.

قلعة آل الديك

تبلغ مساحة القلعة حوالي ألف متر مربع وتتوسطها مبانٍ متلاحمة ببعضها البعض مع ساحة كبيرة، سكنتها عائلة الديك وهم أصل العائلة الحالية، والتي تمثل أكثر من نصف سكان البلدة.

التقينا بالحاج حِكمت الديك الذي يتجاوز العقد الثامن من عمره، وقد أشار في حديثه إلى أن القلعة بنيت على أكثر من مرحلة زمنية، وأن الجزء الشرقي منها مكون من ثلاثة بيوت عقد متلاصقة ببعضها البعض وهي أكثر الأجزاء قدماً.

وعند الوقوف أمام الباب الرئيسي من هذه القلعة المكونة من ثلاث طبقات تجد باباً يبلغ عرضه تقريباً متر ونصف وإرتفاعه حوالي مترين ونصف يستند على ركنه الجنوبي باب خشبي ضخم لا يقل وزنه عن 200 كيلو غرام وهو مصفح بصفيح معدني لكي يقيه ضربات أي معتدٍ محتمل أو محاولة، وعند إغلاق الباب يتم اقفاله من الداخل بعامود خشبي يختفي داخل الركن الجنوبي للباب حيث يتم سحبه عرضياً الى أن يدخل في فتحة أخرى في الركن الشمالي للباب، وبذلك يصبح من المستحيل فتح الباب دون تحطيمه وهذا ما لم يحصل طوال فترة وقوفه حارساً لها وما زال.

ويضيف حكمت الديك بعد هذا الباب يوجد "رواق" يمتد الى أكثر من عشرين متراً بعرض ستة أمتار تقريباً ثم يعتليه سقف بقبتين مقوستين وعليهما يقام الطابقين العلويين، وفي مواجهتك وأنت تقف على المدخل تجد "طاقيتين " ما يشبه فتحات الشبابيك وفي كل واحد منهما مربط يستخدم لربط الخيول قديماً.

وبعد أن تجتاز الرواق تقف في الساحة السماوية التي تبلغ أبعادها حوالي 12 متراً عرضاً وأكثر من 15 متراً طولاً، تنتشر على جنباتها أبواب الغرف "بيوت العق" وعلى يسارك وأنت تقف في مدخل الساحة السماوية تجد عاموداً لا يقل عرضة عن متر ونصف، وفي كل جهة من جهاته وضع حجر بارز ومثقوب كان يستخدم  لربط الدواب.

وإذا استدرت يساراً وسرت بضع خطوات ومن ثم استدرت يساراً مرة أخرى فإنك تصبح في مواجهة درج يأخذك الى الطابق الثاني من الجزء الغربي للقلعة ومنه الى الطابق الثاني حيث يتكون كل طابق من هذه الطوابق من غرفتين، واستخدم الطابق الثالث منهما كمضافة للعائلة يتم فيها استقبال الضيوف، وبعد أن تهبط الدرج تشاهد ثمانية أبواب لثماني غرفٍ وعلى يمينك يصعد درج طويل بُني بعناية تامة يوصلك الى غرفة وحيدة في أعلى المبنى.

ويضيف جبر الديك بأن القلعة تعرضت لأكثر من قذيفة زمن الانتداب البريطاني ولم يسكن هذه القلعة غير الأصول التابعة لعائله دار الديك الذين يعودون إلى عائلة المساعيد التي عاشت في الجزيرة العربية، الى جانب استخدامها كمسكن للدواب والطيور.

نبعة كفر الديك "الفوارة"

المياه والهواء والارض والأشجار هذا ما تشاهده عيناك عند زيارة النبعة التي تعد من أقدم الأماكن الطبيعية قدماً في القرية، حيث يقول المسن أبو فخري الديك، بأن العين تقع في وادي القرية من الجهة الغربية ويتم إستخدامها في مجال الزراعة منذ القدم حتى اليوم، ويتم زراعة الحمضيات والخضروات والفواكه وغيرها من المزروعات حيث تعتبر سلة كفر الديك الغذائية.

ويضيف أبو فخري بأن العين تشكل مصدر الماء الوحيد لأبناء القرية وكانت النساء قديماً يذهبن الى العين من أجل غسيل الملابس وتعبئة جرار الفخار ونقلها الى البيوت لكي يستخدموها في الشرب وطهي الطعام، حيث أنها تشكل المنطقة الطبيعية الجميلة والمتنفس البيئي الوحيد الذي يذهب عليه أبناء القرية لقضاء أجمل الاوقات في الطبيعة.

في نهاية الحديث عن قرية كفر الديك، وما تحويه من أماكن تراثية قديمة وأماكن طبيعية يتوجب أن نوصل رسالة طالب بها أبناء القرية من الجهات المختصة، تمثلت في: مساعدتهم في ترميم قلعة آل الديك من أجل الحفاظ على تراث الأجداد وبقائه لفترة زمنية أطول، لأن هذا القصر يشكل كنزاً أثرياً مطالبين أيضا بالاهتمام أكثر بقرية دير سمعان الأثرية، وتخصيص رحلات تستهدف الطلبة والمهتمين عن طريق وزارة السياحة وغيرها من المؤسسات الأهلية لإبراز التراث والتاريخ الفلسطيني المتجذّر في هذه الأرض منذ قديم الزمان.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير