عاشق من صلب ثائر

29.06.2016 10:43 AM

كتب: مامادو خير  *كاتب مغربي

ترتجف اليد من كثرة الضغط وهي تحاول الكتابة عن هرم و للتخفيف أدعوكم أولا لقراءة هاتين المقولتين المتناقضيتين:

"الحق الذي لا يستند الى قوة تحميه فهو في شرع السياسة باطل فلا تبسط يداك مطالباً به ما لم تنفجر من بينها القنابل."

"أنت نبية هذا الظلام الذي أغرقتني أغواره الباردة الموحشة وأنا لا أحبك فقط ولكني أؤمن بك مثلما كان الفارس الجاهلي يؤمن بكأس النهاية يشربه وهو ينزف حياته، بل لأضعه لك كما يلي: أؤمن بك كما يؤمن الأصيل بالوطن والتقي بالله والصوفي بالغيب. لا. كما يؤمن الرجل بالمرأة."

بالمدرسة علمونا درسا مهما و نحن صغار ، درس الإيحاء بالألوان ، حيث أن كل لون يوحي لشيء معين إلا اللون الأحمر وحده الذي يحيل إلى مفهومين متناقضين و هما الثورة و الحب ، و نحن نكبر نكتشف أن المبدعين في الكتابة حول الثورة ضعيفوا التعبير في الحب ، و العكس صحيح .

المقولتان أعلاه نكتشف من خلالهما أن الأول أبدع في مقولته الثورية مظهرا نديته و صلابته ، و الثاني أبدع أيضا في مقولته العاطفية مبرزا مشاعره الرقيقة و هشاشة قلبه ، لكن لن يصدق أحد أن المقولتان لكاتب واحد ، عفوا ، المقولتان لمبدع واحد ، مبدع من أرض الإبداع ، من الأرض التي خلقت من أجل السلام و ما رأت يوما سلاما ، أرض الثوار و المكافحين ، و أيضا أرض العشاق ... مبدع من فلسطين.

إن من تفنن في رسم العلم الأحمر للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، هو نفسه من تفنن في الرسائل الحمراء العاطفية المكتوبة لغادة السمان ، أجل ، فإن المقولتان الباذختان أعلاه لغسان كنفاني الثائر ، بل لغسان كنفاني العاشق ، عاشق أم ثائر لا يهم ، الأهم أن المقولتان لمبدع واحد .

استشهد البطل غسان كنفاني على يد الموساد ، شاهدا العالم كله على قوته ، بطل صلب لا يعرف للعاطفة عنوان ، مقاوما بقلمه الأحمر الإحتلال و مغتصبي وطنه ، و بعد عشرين سنة من وفاته ، نشرت غادة رسائله لتقول للجميع أن غسان الصنديد يحمل بداخله قلب مرهف يفوح منه عطر الحب .

عوتبت غادة من طرف عائلة الشهيد و رفاقه ، معللين عتابهم بإظهار الجانب الضعيف لغسان ، لست موكلا للإجابة مكانها لكن سأتساءل ، متى كان التعبير عن الحب ضعفا؟ و هل تعتقدون أن رسائل غسان لغادة أساءت إليه ؟ كلا ، إن رسائله أظهرت إنسايته التي لا يعلمها الكثير و أفرزت لنا كاتبا منفردا استطاع لوحده أن يبدع في اللون الأحمر بشقيه ، العاطفي و الثوري ، و استوعب العالم برمته أن فلسطين وحدها من أنجبت عاشقا من صلب ثائر.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير