نادية حرحش تكتب لـ وطن: مسلسلات رمضان : تحكم ام تحكيم للذكورة؟

30.06.2016 07:31 AM

سطوة الرجل تهيمن مرة أخرى على المسلسلات

لم يعد موضوع المسلسلات في رمضان هفوة رمضانية. فهي بكل جدارة تسيطر على اهتمامنا بالمجمل طيلة أيام الشهر، والاعلانات طبعا.

وبكل الأحوال لا يمكن الا ان تعكس المسلسلات وكذلك الإعلانات (فلا يمكن تجاوزها في السباق التلفزيوني الرمضاني). وبعد الحديث عن التزاحم الحاصل من مسلسلات تؤكد على حالة "البوليميا" التي ترافق حالنا بالصيام، تكاد المسلسلات والبرامج التلفزيونية من مسلسلات وبرامج دينية ومقالب وطهي تعكس تماما حالنا بعد جوع نهار كامل.

بعيدا عن فحوى المسلسلات التي تغيب عن حبكتها في المجمل الحنكة والفن وترسخ الفلس المدوي بالصياغة والفكرة والتمثيل والاعتماد على تمثيل مبتذل وعمليات تجميل أكثر ابتذالا لنساء تحولن لعارضات بلاستيكية ورجال فحولي المظهر. التفاخر في الغنى والثراء وتكريس الانحراف والفساد في المجتمع الغني. فجأة انعدم المجتمع الوسطي من الدراما واختفاء الفقر منها بالمطلق. هذا النوع من التكريس المثالي لما يجذب الأنظار بطريقة كمالية انعدم منها كل ما هو جمالي. التركيز على المظاهر والزينة.

هذا الاستبدال للجماليات الطبيعية بما يبدو كماليا" ابتداء من المظهر الخارجي للممثلين والممثلات وانتهاء بتوصيف كمالي لوسائل الحياة المختلفة من سيارات ومستشفيات وبيوت أحدث ولا يزال ارتباكا بما نعيشه من حياة حقيقية وبين تسويق لحياة من المستحيل ان تكون هي ما تشكل مجتمعاتنا. في سنوات سابقة ليست ببعيدة تعودنا ان نرى هذا الصخب من الحياة الفارهة عندما ظهرت دبي كمدينة الاحلام. الا ان دبي والمبالغة برفاهية حياتها لا يتناقض مع المشهد الحقيقي، فهناك حياة يعيشها اهل الخليج تتسم برفاهية عارمة. الا انه عندما نرى تسويق هكذا نوع من الرفاهية والبذخ بالدراما المصرية تحديدا ولا يخلو الامر من قرينتها اللبنانية.

لكي انفي التعميم عن مشاهدتي، هناك بالطبع استثناءات قد يكون مسلسل أفراح القبة أحدها. وبلا شك أشعر بالاستغراب من انبهاري. وقد تكون ردة فعلي بالانبهار او الخذلان هو ارتفاع سقف توقعاتي او عدم وجود أي سقف. وهذا المسلسل لم ابن عليه توقعات ولكن للحق ومع وجود بعض الأخطاء الواضحة في بعض المشاهد الا ان المسلسل يرقى بالمشاهد لمستوى يحترم به العقول والعيون. وقد تكون مسلسلات غادة عبد الرازق ونيللي كريم هي الأسوأ لأني أحب تمثيل هاتين. الا انهما هذا العام أكدتا على أن الأداء ليس كل شيء. التركيز على البطولة المطلقة كما يستمر بالحدوث في مسلسلات يسرا وليلى علوي ومي عز الدين كذلك، لا يبدو ان هناك دروسا من حرق المسلسلات وبطلاتهن بهذا الاتجاه. فيبدو الممثل الممثلة كالطاووس...
من ناحية، هناك غرور في إمكانيات أولئك الممثلين لدرجة اوصلتهم للابتذال ومن ثم الفلس الفني والمضمون، ومن ناحية ثانية هناك استهتار وعدم احترام لقدرة المشاهد على التمييز. وهذا ليس من فراغ، فاستمرار مسلسل كباب الحارة بالتقدم بنسبة المشاهدات أو رامز ومقالبه المبتذلة يؤكد ان الخلل الحاصل بين الابتذال والاستهبال نحن مشتركون فيه كجمهور.

يبقى الموضوع الأهم في تسويق المسلسلات وهو التأكيد على السطوة الذكورية. فالرجل يستطيع ان يكون دون جوان وقاتل ونصاب وخائن، لطالما كان مقتدرا غنيا. فشخصيات تبدأ من ديباجة باب الحارة بكل شخصياتها الذكورية السلطوية المتحكمة تبقى متصدرة للاستحسان ولو حتى استقبحناها. فبعد 8 سنوات من الاستباحة للموروث الثقافي والاجتماعي بالمجتمع العربي بباب الحارة من خلال ابي عصام كقدوة، يصبح هذا العام "النمس" وهو الشخصية الهامشية بالأجزاء الأولى المنفرة التي تجتمع فيها كل الصفت السيئة من عدم الاخلاق للخيانة والبذاءة والعملة لتجده في هذا العام ملهما للحكم الفيسبوكية على مواقع مواقع من يحسبوا على المثقفين في هذا البلدالوطن. مسلسل باب الحارة يستمر بإدهاشي باستقطابه للناس. كنت أفضل ان اكتفي بالتصور انه يستقطب الجهلة والشباب الطائش، فسنوات من باب الحارة وسطوة الذكورية فيها، في استعراض جعل دور المرأة فيها مقتصرا على التفنن في الطبيخ والعروض التجميلية البهلوانية لمراضاة الرجل (ابن عمي). قد يكون أنتج ما أنتجه من العرض التافه بعد كل هذه السنوات للمسلسل، وحصر جمهوره بالمراهقين الذين كانوا أطفالا زمن صعود "عصام" وأبوه.  الا ان التغني به من قبل المثقفين يدهشني ويصيبني بصدمة واقعنا المزرى.

والامثلة لا تنحصر بمسلسل واحد، ففي مسلسل غادة عبد الرازق وماجد المصري، بغض النظر عن دورها الجندري البطولي!!! الا ان نسبة ذكائها تبدو معدومة بين هروب جاهل ووقوف امام الشاب المتحرش بها متوسلة. ثم هناك شخصية الرجل السلطوي الفاسد القادر في شخصية ماجد المصري التي مهما علت سطوتها هناك امرأة لعوب لا تقل حقارة عنه (المذيعة نور) وزوجة تافهة فارغة هوائية المشاعر على استعداد للخيانة. ومي عز الدين واحمد السعدني الزوجة التي تغري الفتيات بدورها بانها من الممكن ان تكون فتاة حفلات وموسيقى صاخبة وحياة سخيفة مبنية على التسوق والتفاهة الشاملة. بالمقابل زوج مثالي يتحمل تفاهتها ومزاجها العكر دائما، عاشق (السعدني) صايع، زير نساء، ترتمي النساء امام دنجوانيته وتتسابق عليه. وبينما يشكل مثلا مخجلا للرجولة يتم تسويقه ببطولة. نغفر له نزواته الكثيرة وسوء معاملته للنساء الاخريات. تجد حتى اخته تدعمه (على مضض) من اجل الحصول على وعد (مي) من زوجها واختياره. فبين تسويق مبتذل لشخصية وعد تلك التي لا نفهم احتيار مهاتراتها وبين تلميع شخصية الدونجوان النذل بكل حالاته الا امامها (طبعا مع غض النظر انه استخدم كل أدوات النذالة للدخول الى حياتها).

دور المرأة التي تعشق لدرجة الغباء هو ما يميز معظم الأدوار النسائية. المرأة الناجحة والشخصية الفذة مهما كبرت ونجحت واستقلت تبقى في مشهد لا يخرج من شيطنتها التي تصنف في اعلى مراتب العهر او الاذلال امام رجل ما (في معظم الأحيان غني ومتزوج خائن) يكون البطل. التنافس بين اشكال الرجال والنساء بات كذلك محسوما للرجل خصوصا في سباق الممثلات نحو عمليات التجميل وشفط الدهون. ففي كل عام نرى النسوة من الممثلات الصاعدات والنجمات الآفلات في أدوار ترتكز فيه أولا على اشكالهن التي بقدرة قادر صارت ممشوقة ومشفوطة وبارزة وناهيك عن الفيلينغ والبوتكس وعمليات التجميل التي غيرت ملامح الوجه ولم نعد نعرف من تلك الممثلات إلا أصواتهن وأسماءهن التي تعبر قبل بدء المسلسل. فالكل يخرج بديباجة تشبه هيفاء ونانسي واليسا وكأن المجتمع النسائي صار عائلة واحدة متشابهة.

شكل الممثلات ليس هو المحور هنا، فلقد بتنا نعيش وهذه الظاهرة الجديدة منذ سنوات واعتدنا عليها. فنتعجب بدءا ونندمج فيما بعد ما بين صدمة لحقيقة الوجوه الجديدة وما بين التقبل للواقع الجديد. قد تكون أحلام هي أهم نجمات مواقع التواصل الاجتماعي بالتعليقات على شكلها المتجدد. تذكرني بأيام مايكل جاكسون وهوسه بالتجميل والعمليات وتبييضه لنفسه. دور مصطفى شعبان المتكرر ببطولة مطلقة بنفس الشخصية لا يبدو انه يفقده بريقه كما حصل مع نيللي وغادة ويسرا وليلى وغيرهم، لأنه على ما يبدو ان هناك رغبة اكيدة للكثيرين بهذه الأدوار. ما يجسده مصطفى شعبان (أبو البنات) لا يختلف عن باب الحارة في تسويق صورة الرجل "الجدع" من منظار معين يهيمن عليه وتنهار امامه كل تصرفاته الأخرى مهما كانت سيئة. في كل الأحوال مهما فعلت هذه الشخصية هناك جموع من النساء المتنافسات عليه.  .

لكن ما بين باب الحارة وما يتم تصديره لنا خارجها، يبدو ان التأثر الأكيد الذي استمر هو التأكيد على دور معين تقوم به النساء وبالرغم من أنه بصورة أقل عرضية واحتفائية من تلك بباب الحارة، الا آن دور المرأة مهما تغير يبقي الرجل في مكان التحكم. فالذكورية بالصبغة الدرامية المقدمة تؤكد على تحكم الرجل وتنصيبه حكما من قبل المرأة طوعا.

في كل ذلك الزحام بالمسلسلات الرمضانية، لا مفر من أخذ العبر من تسويق المسلسلات، كما لا بد لتلك المسلسلات ان تهدف مباشرة او غير ذلك بترويج فكر ما وغيره. الا ان ما نراه في كل مسلسل هو تجسيد لما يشبه حياتنا العامة كعرب. الذكورية فيه هي المحور الاساسي والرئيس، مهما اختلفت الافكار وتغيرت الصور والهيئات. يبقى التساؤل المستمر في معرفة من يروج لهذا المجتمع الذكوري في تمكين الرجل بمكانة دائما هي الاقوى والاكثر سيطرة؟ اهو جبروت الرجل وطبيعته؟ ام هي المرأة؟ بداية من الأم ومرورا بكل انثى تقف في حياته. تبقيه هو المركز، وتكون هي مهما كان دورها داعما لتقوية وجوديته ومركزيته، او تكون معتمدة عليه طمعا او حاجة.  تبقيه هو في مركز القوة مهما كان ضعيفا، وتقف هي وراءه كتابع مهما كانت قوية. سيطرتها وجبروتها فقط في نهج يؤكد سيطرة الذكورية على المجتمع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير