اردوغان عندما يتراجع اعتذاراً لبوتين وتطبيعا مع نتنياهو.. فهل شد الرحال الى دمشق هي الخطوة الثالثة؟

30.06.2016 04:00 PM

كتب: عبد الباري عطوان

اخيرا قدّم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان اعتذارا مكتوبا لنظيره الروسي فلاديمير بوتين في رسالة خطية قدم فيها تعازيه الحارة ايضا لاسرة الطيار الروسي، وتعهد ببذل كل ما في وسعه لاعادة العلاقات الودية بين البلدين الى صورتها الطبيعية، مثلما توصل الى اتفاق بتطبيع كامل للعلاقات مع دولة الاحتلال الاسرائيلي، دون تلبية  شرط رفع الحصار عن قطاع غزة الذي تمسك به طوال السنوات الست الماضية من عمر الازمة.

هذان التنازلان يؤكدان “براغماتية” الرئيس التركي التي تحدثنا عنها في هذا المكان اكثر من مرة، والتي تعني انه سياسي محترف لا مكان للمبادىء في قاموسه، مثلما كان يعتقد الكثير من حلفائه العرب، فالرجل يميل حيث تميل مصالحه الشخصية اولا، ومصالح بلاده تركيا ثانيا.

الرئيس اردوغان اراد ان يكون “سلطانا” يعيد احياء الخلافة العثمانية عبر جسر الاسلام السياسي، وعندما فشلت جميع طموحاته هذه، لم يجد اي غضاضة في التراجع عن معظم سياساته ومواقفه في محاولة لتقليص الخسائر، وانقاذ بلاده من انهيار جغرافي وديمغرافي حتمي، وتجنب سقوطها في مصيدة ارهاب يأكل معظم، ان لم يكن كل، انجازاتها الاقتصادية، ويعيدها الى المربع الاول مجددا.

غرور الرئيس اردوغان اوقعه في سلسلة من الاخطاء والخطايا دفعه واحدة، اولها سوء تقديره لقوة الرئيس بوتين، ودهائه السياسي والاستراتيجي، وجرأته في اتخاذ قرار الحرب، وثانيها سقوطه، او بالاحرى اسقاطه، في المصيدة السورية التي نصبتها له الحليفة الامريكية عبر ادوات عربية، تماما مثلما اوقعوا الراحل صدام حسين في الكويت، وثالثها رهانه على “ربيع عربي” كان ممنوعا عليه ان يزهر، ناهيك ان يعطي ثماره، ورابعها تبني مشروعا طائفيا اسلاميا، وهو الذي يترأس دولة علمانية، وخامسها الاعتماد على حلف “ناتو”، طابعه عنصري، لا مكان للمسلمين امثاله فيه.

براغماتية اردوغان هذه لا يمكن ان تكتمل الا اذا اتجه شرقا، واستقل طائرته للهبوط في مطار دمشق، والصلاة في مسجد الامويين، وهذا غير مستبعد، بل باتت هذه الخطوة وشيكة جدا، فمن يطبع علاقاته مع اسرائيل، ويعتذر خطيا للرئيس بوتين، لماذا لا يفعل الشيء نفسه مع حليفه القديم الرئيس السوري الذي استعصى على السقوط لاكثر من خمس سنوات من الحروب تنخرط فيها مئة دولة؟

قد يجادل البعض من حلفاء الرئيس اردوغان، العرب خاصة، بأن الرئيس الاسد يقتل شعبه السوري، ولكن الرئيس اردوغان ساهم ويساهم بقتل هذا الشعب السوري ايضا، من خلال دعمه للمعارضة السورية المسلحة، والمنظمات الاسلامية المتشددة، وهل كانت هذه المعارضة، التي سلحتها وتسلحها الولايات المتحدة ودول خليجية هنودا او فلبينيين، او احباشا، طوال الاعوام الخمسة الماضية؟

الرئيس اردوغان كان يتهم الروس وطائراتهم بقتل الشعب السوري ايضا، وها هو يعتذر لهم ويطلب الصفح والغفران، ويطبع علاقاته مع الاسرائيليين الذين لم يكتفوا بقتل الشعب الفلسطيني واحتلال ارضه على مدى سبعين عاما، بل يقومون بتهويد مدينة القدس المحتلة، ويريدون هدم المسجد الاقصى لاقامة هيكل سليمان على انقاضه، فلماذا يطبع الرئيس التركي مع هؤلاء، ولا يطبع مع نظيره السوري المسلم مثلا؟ ويطوي صفحة هذه الحرب الدموية ويساعد في حل سياسي ومصالحة وطنية؟

نعتقد ان هذه الاعتذارات وخطوات التطبيع مع كل من اسرائيل وروسيا هي مقدمة لاخرى مماثلة مع سورية وايران وارمينيا واليونان والاتحاد الاوروبي، وليس نحن الذين نقول هذا، وانما ايضا السيد بن علي يلدريم رئيس وزراء تركيا الجديد، وصديق اردوغان المقرب، الذي قال ان حكومته ستتبنى سياسة تقوم على زيادة عدد الاصدقاء، وتقليص عدد الاعداء، ووصف الحرب في سورية بأنها “عبثية” يجب وقفها، فماذا يعني هذا، ومن بقي من الاعداء بعد التطبيع مع اسرائيل، والاعتذار لروسيا؟

الرئيس اردوغان ادرك انه لا يستطيع خوض حربين ضد “الدولة الاسلامية”، وحزب العمال الكردستاني في الوقت نفسه، فواحدة منهما كفيلة باستنزاف تركيا بشريا واقتصاديا، مثلما ادرك ان تفتيت سورية سيكون خطوة لتفتيت تركيا نفسها، هذا في وقت ارتكب فيه اكبر خطأ في حياته السياسية عندما خسر روسيا دون ان يحافظ على حليفه الامريكي، واستخدم معاناة اللاجئين السوريين كورقة ابتزاز ضد اوروبا للحصول على مكاسب مادية، فخسرها دون ان يحصل على اي شيء في المقابل.

الانباء التي ترددت عن قيام الجزائر بوساطة سرية بين سورية وتركيا، تكتسب مصداقية اكبر الآن، بعد ان بدأت التنازلات التركية لموسكو وتل ابيب واضحة للعيان، فكل هذه التنازلات تظل محدودة القيمة والفاعلية دون الذهاب الى المنبع الاساسي لكل مصائب تركيا الحالية، وهي الازمة السورية، ومن يقول غير ذلك يكشف عن سذاجة في قراءة المشهد السوري، وشخصية اردوغان معا.

التطبيع مع اسرائيل سيعطي اردوغان بعض الغاز، وربما تحسين العلاقات مع امريكا، ولكنه سيفقده الكثير من مصداقيته ومكانته في العالمين العربي والاسلامي، لان واقعة دافوس ومواجهته مع شمعون بيريس كانت وراء هذه المصداقية، وارتفاع اسهم شعبيته في العالمين العربي والاسلامي.

صحيح انه سيقيم مستشفى، ومحطتي كهرباء، وتحلية مياه وسيقدم عشرة آلاف طن من المساعدات الانسانية لابناء قطاع غزة ستمر عبر ميناء اسدود (مسقط رأس والدي واجدادي)، ولكن ابناء القطاع كانوا يعولون عليه كثيرا لرفع دائم للحصار، ودعم المقاومة، وهذا لم يحدث، وقد لا يحدث على يديه في المستقبل القريب، وجاء اتفاق التطبيع مكشوفا دون اي غطاء شرعي اسلامي وطني.

هل ستؤدي تنازلات اردوغان هذه لاسرائيل وروسيا في انقاذه، وبلاده، من ازماتها الاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية، وتحقق له ما يريد من ورائها؟
الاجابة صعبة للغاية، لان الاعوام الاربعة القادمة، في رأينا، هي الاخطر على تركيا الحديثة، ومستقبلها منذ تأسيسها قبل مئة عام، ولا نعتقد ان اسرائيل ستكتفي ببيع الغاز، ولا نؤمن بأن بوتين سيكتفي بالاعتذار، وكأن شيئا لم يحدث، فالاسرائيليون ملوك “الابتراز″، واسألوا الرئيس الفلسطيني محمود عباس عن لوائح مطالبهم الطويلة جدا، اما الرئيس بوتين الذي فرض شروطه كاملة، فعينه على سورية التي خسر فيها طائرته وطيارها، وبات اللاعب الرئيسي فيها، ويتوقع من اردوغان سياسات غير سياساته الحالية فيها.

طريق الخلاص الجديدة بالنسبة للرئيس اردوغان فيما تبدو تبدأ من اسطنبول، وتعرج على القاهرة، وتنتهي في دمشق، فهل يفعلها الرئيس التركي؟ ولماذا لا فبعد التطبيع مع اسرائيل لا شيء مستبعد او مستغرب ابدا.

في اليمن يقولون لا بد من صنعاء وان طال السفر، ونحن نقلب الآية ونقول للرئيس اردوغان، في البدء كانت دمشق.. والايام بيننا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير