الحرم.. المبدأ المقدس

01.07.2016 06:55 PM

وطن: كتب آريه الداد

احدى العبارات الدارجة والمتآكلة تقول ان “القدس مقدسة للاديان الثلاثة”. وحتى لو قبلنا بهذا التعريف – لا يمكننا الا نتذكر بان قدسيتها للمسيحية وللاسلام تنشأ عن قدسيتها لليهود.

 

ظاهرا لا يوجد في القدس سوى أمر واحد مقدس اكثر من هذه القدسية الثلاثية: قدسية الوضع الراهن (الستاتوس كو) الدينية في المدينة المقدسة. على الواجهة في “كنيسة القيامة” في البلدة القديمة يستند سلم. وهو هناك منذ اكثر من 150 سنة. ولا يمكن لاحد ان يحركه لان هناك نزاع بين طائفتين مسيحيتين. ولما كان لا يمكن خرق “الستاتوس كو”، يبقى السلم في مكانه.

المسلمون يحوزون مفاتيح الكنيسة، يفتحون في الصباح ويغلقون في المساء بواباتها منذ مئات السنين. لماذا؟ للتعبير عن حكم المسلمين وانطلاقا من قدسية “الستاتوس كو”. اليهود لا يمكنهم ان يصلوا في جبل البيت (الحرم). وهم يحق لهم ان يدخلوا الى الجبل فقط عبر بوابة واحدة. لماذا: إذ  هكذا قرر موشيه دايان فور حرب الايام الستة وبات هذا منذئذ جزء من “الستاتوس كو”. وهذا مقدس. فهل حقا؟

تميل اسرائيل الى الاستناد الى “الستاتوس كو” بخاصة حين تحاول ان تتملص من القرار. هكذا في كثير جدا من مواضيع الدين والدولة لليهود بينهم وبين انفسهم وحيال الدولة. وهكذا تحرص اسرائيل على الحفاظ على علاقات المسيحيين – المسلمين، والعلاقات المتبادلة بين الطوائف المسيحية المختلفة في القدس. وحده “الستاتوس كو” بين اليهود والمسلمين ليس مستقرا على الاطلاق. من يعتقد أن “الستاتوس كو” من عهد موشيه دايان محفوظ – لا يعرف شيئا ونصف شيء عن جبل البيت.

“الستاتوس كو” في  اللاتينية معناه في العبرية والعربية “الوضع الراهن”. في جبل البيت وبالعبرية الدارجة معناه “ما يريده العرب”. واذا لم يكن “وضع راهن” يمكنهم ان يستندوا اليه في مطالبهم – فانهم يلفقون واحدا كهذا ويرفقون به تهديدا في أنه اذا لم يلبى مطلبهم الوقح – فانهم سيعربدون – سيشاغبون. سيرشقون الحجارة الى ساحة المبكى. سيطلقون المفرقعات في اتجاه مباشر نحو الجبل. سيتمترسون في المساجد. الشرطة تقتحم. وتكون قنابل غاز وصوت. ويكون جرحى ومعتقلون، والصور ستملأ كل وسائل الاعلام والشبكات الاجتماعية. اسرائيل تتضرر في صورتها. وبالتالي من الافضل لها أن تستسلم مسبقا. وعندها يتقرر “الستاتوس كو” جديد. يصمد بالضبط لوقت يرغب فيه العرب. وعندما يروق لهم يطرحون طلبا جديدا، تهديدات جديدة وهلمجرا.

هذا الاسبوع سمعنا عن طلب عربي جديد في جبل البيت: الا يسمح لليهود بالدخول الى الجبل في  الايام العشرة الاخيرة من رمضان “لان هذا هو الستاتوس كو”. كذب وبهتان. “الستاتوس كو” الجديد قرر في جبل البيت في نهاية 2015 في الاتصالات بين نتنياهو وعبدالله ملك الاردن. انتبهوا الى التضارب الداخلي. فاذا كان “وضع راهن” فلا حاجة الى اعادة صياغته كل بضعة اشهر. ليس “ستاتوس كو” هو الذي صاغه نتنياهو مع عبدالله، بل كتاب استسلام آخر من اسرائيل للمطالب العربية التي تصبح وقحة اكثر فأكثر. لا يوجد اي فقه ديني خلفها بالطبع، بل تحديد آخذ بالتعاظم في مكان جبل البيت في مركز الوعي القومي العربي، والذي لا يحظى برد فعل مناسب من جانبنا. وكل “الستاتوس كو” جديد كهذا يضيق خطى اليهود ويحسن حقوق العرب.

شرطة اسرائيل بالذات لم تنذعر هذا الاسبوع. حين بدأ العرب يشاغبون ويهددون، قالت الشرطة انها يمكنها أن تسيطر على الوضع في الجبل وتواصل السماح بزيارات اليهود اليه. اما الشاباك – المخابرات من جهته فقد أوصى بالذات باغلاق الحرم امام اليهود. واستسلم نتنياهو وقبل الاملاء العربي. فاغلق  الجبل في وجه اليهود حتى نهاية رمضان. فمن يستسلم لمطالب الارهاب الابتزازية في قضية جلعاد شاليط، ومن عاد واستسلم هذا الاسبوع نهائيا للمطالب التركية في قضية مرمرة، ووافق على تعويض عائلات المخربين فقط كي لا ترفع تركيا الدعاوى في المحكمة في لاهاي ضد قادة الجيش الاسرائيلي – هو مستسلم مواظب وليس له ما يتمسك به كي يوقف حملة التنازلات والاستسلام.

انا واثق من  أنه بعد جهد فكري قصير سينجح نتنياهو في ان يشرح كيف سيحسن اغلاق الجبل في وجه اليهود بشكل دراماتيكي وضع اسرائيل  الاقتصادي ويفتح امامها الاسواق لتصدير الغاز. الكثير  من الفضائل في الامتناع عن المواجهة مع المبتزين العرب. غاز، سبق  أن قلنا؟

لا يتعلم الاطفال العرب في شرقي القدس حسب منهاج التعليم لدولة اسرائيل بل وحسب المنهاج الاردني – الفلسطيني. لماذا؟ لان هذا هو “الستاتوس كو”.  وهذا يمكن لنتنياهو أن يشكو من التحريض والتعليم على الكراهية في نطاق السلطة، اما في القدس السيادية، بمسؤولية وصلاحية نتنياهو ووزير تعليمه نفتالي بينيت، فيستمر تعليم الكراهية من الصف الاول وحتى الصف الثاني عشر. بتمويلنا.

وهكذا يسأل اطفال الصف السادس في درس الحساب: اذا قتل شهيد عشرة يهود في باص، فكم يهوديا ينجح ثلاثة شهداء في قتلهم في قطار؟ هكذا يتعلمون في الصف الرابع في أن مدينة الميناء الاهم لفلسطين هي حيفا. وهكذا يتعلمون بانه لا توجد اي صلة بين الشعب اليهودي واليهودية وجبل البيت. وكل هذا يستمر بسبب “الستاتوس كو”.  لا يحترم نتنياهو بالطبع “الستاتوس كو” بالنسبة للبناء في شرقي القدس. أسلافه بنوا عشرات الاف وحدات السكن في  الاحياء اليهودية وهو جمد البناء. كما أنه لا يحترم “الستاتوس كو” الديني في جبل صهيون، واليهود مطالبون باخلاء مكان صلاتهم في قبر داود عندما يأتي المسيحيين بعقد قداساتهم. منذ قيام الدولة لم يكن امر كهذا. وهذا هو النقيض التام لـ “الستاتوس كو”. لماذا؟ لان نتنياهو قرر ان من المجدي له ارضاء الفاتيكان او جهة مسيحية اخرى.

من يعتقد ان الاستسلام لمطالب العرب سيؤدي الى الهدوء في جبل البيت يبدو أنه لا يعرف العرب، على الاقل لا يعرف اولئك الذين يسيطرون على جبل البيت. او لم يكن في البلاد في  المئة سنة الماضية. من يستسلم للارهاب – يطرح الارهاب عليه فورا مطالب جديدة. من يهرب من الارهاب – ان الارهاب يطارده. من يستسلم للعرب في جبل البيت – سيكون مستعدا لتقسيم القدس والانسحاب من يهودا والسامرة. هكذا هو الحال عندما لا يكون  هناك عمود فقري.  هكذا هو الحال عندما تكون مؤشر ريح وليس بوصلة. عندما لا يكون للقائد هدف وطني يقود الدفة نحوه.

وعليه ينبغي العودة الى الحاجة للاتينية: ليس “الستاتوس كو” بل “كو فادس؟” ليس “الوضع الراهن” بل “الى اين تتجه؟”.

معاريف   1/7/2016

تصميم وتطوير