مسلسل الفدائي

01.07.2016 07:35 PM

كتب:معمر رمضان

إن الفنون بشكل عام لغة مؤثرة في العالم؛ وتمثل قوة ناعمة لتحقيق الأهداف المنشودة من أي جهة , حيث تحظى الأعمال الدرامية ، خلال تاريخها الطويل نسبيا وخلال صيرورة تطور أشكالها وجماليتها، بوجود نقد يتناولها بالنقد والتحليل، ويعرج إلى مواطن الجمال فيها والى مواطن النقص والخلل أيضا، كما يسلط الضوء على جوانبها المعتمة والمضيئة . سوف يستغرب البعض عندما يعلم أن فلسطين من الأوائل فى الوطن العربي فى نشأة الدراما حيث كانت فلسطين عام 1937 تبث التمثلية الدرامية على الهواء مباشرة من إذاعة هنا القدس .  إن تأخرنا كثيرا من صناعة دراما تلفزيونية يعود إلى أسباب الهجرة والشتات والاحتلال  ، رغم أنه كان هناك بعض المحاولات المتواضعة التى لاقت ترحيبا بالرغم من بدائيتها بالمقارنة مع دول الجوار إلى أن أنشأ التلفزيون الفلسطيني الذي ساهم بشكل أو بآخر في صناعة دراما وطنية فلسطينية لكنها كانت فقيرة وضعيفة ولا تلبي الغرض , والدراما الموجودة كانت مجرد محاولات تجريبية بدأت من الصفر، ولم تستفد من تطور الدراما في الوطن العربي، فاتسمت بالسطحية من حيث الموضوع والأداء والإخراج رغم أن الدراما هي الناقل بامتياز لهموم وآمال الشعب الفلسطيني والمؤثر الحقيقي في الجماهير كون المسلسل يدخل إلى كل بيت ويخترق عقول ومشاعر المشاهدين ويساهم في بناء المعرفة والتعاطف إلى حد الاقتناع , كان عدد من المشتغلين في حقل الدراما غير واعين بالفروق بين الفنان والواعظ  ، أو بين الخطاب اللغوي الذي يبث من فوق المنابر. وهذا الخلط لا يزال مستمرًّا في أذهان الكثير من العاملين في الحقل الفني بل وبين المتلقين أنفسهم، الأمر الذي أفضى بدوره إلى توافر عيوب كثيرة في مسيرة هذه الدراما التي ربما جنحت في أحايين كثيرة ودونما وعي إلى تكريس الوهم وعدم القدرة على عكس الواقع الاجتماعي والسياسي الفلسطيني فنياً ، بينما من سمات العمل التنويري أنه يشق طريقه ومساره لكي يلغي الوهم ويعكس الواقع . فالدراما ليست للتسلية والترفيه فقط، بل هي تنوير وخطاب تغيير وتجربة يومية . ويعرض الآن وعلى مدار شهر رمضان الفضيل على فضائية الأقصى  مسلسلا دراميا بعنوان "الفدائي". وهو عمل فني متميز يعكس تطوراً نوعياً في الأعمال الفنية بدأ منذ عامين بمسلسل الروح والذي بث في رمضان برعاية الاقصى أيضا، وهاذين العملين يعتبران نوعاً ما تجسيد فني للمقاومة الفلسطينية الحديثة في الضفة الغربية وغزة، فمسلسل الروح جسد التجربة النضالية في قطاع غزة قبيل الانسحاب الاسرائيلي عام 2005، والفدائي الجزء الأول العام المنصرم كشف جانب من جوانب المقاومة في الضفة الغربية وتعقيدات الحياة ورسم صورة ثورية بدأت تترجم على أرض الواقع. حيث لوحظ أن مسلسل الفدائي ركز على أحداث الضفة مع إضافات هامشية من قطاع غزة، ومسلسل الروح ركز على تفاصيل مقاومة غزة مع إضافات قليلة للضفة، وهذا اعتبره البعض رؤية متكاملة تعطي منهجية واضحة لتأريخ العمل النضالي وتعزيزه في الوجدان الفلسطيني , رغم اني ارى خلاف ذلك , حيث ان كتاب المسلسلين لم يحاولا دمج أحداث الضفة وغزة في حبكة درامية واحدة ليدللا على أن الفلسطيني الذي يعيش سواء في الضفة أوغزة هو ينتمي لشعب واحد ولأرض واحدة لربما القائمين على المسلسلين وقعوا في خطأ تكريس الانقسام ولربما كان ذلك بقصد أو بدون قصد .وتخلل العمل الدرامي اهمال وحدة شطري الوطن وكان من المفروض هو دمج الحياة والمواقف والمشاهد والعقدة والحبكة الدرامية والصراع الواقع ما بين الضفة وغزة من خلال  شخصيات متكافئة ومتناظرة حتى يظهر بأن شطري الوطن كتلة واحدة من خلال المسلسل ومن خلال سرد القصة حيث كان متفهماً حدوث ذلك في الجزء الأول كون أن القصة كانت تدور أحداثها في الضفة أما في الجزء الثاني كان من الأصوب أن تتزاوج الاحداث ما بين الضفة وغزة . ولكن المهم ما يميز العملين حقيقة أنهما نقلة نوعية فنية مشكورة ، فنحن أمام سيناريو محترم ، وحبكة درامية مقبولة مع حوار منطقي، بالإضافة لأداء تمثيلي مقنع نوعاً ما ، مع إضاءة وتصوير ومؤثرات وانتاج، وإخراج متعوب عليه . ويحسب لفضائية الاقصى انها اهتمت بالدراما واعطتها مساحات تستحقها ودققت في التفاصيل الصغيرة، حتى أن أغنية المقدمة "التتر" تخرج بصوت عذب ولحن جميل وكلمات قوية تشد المشاهد وخاصة الأطفال الذين ينتظرون موعد بث الحلقات ويعيدون مشاهدتها مرات عديدة ، وتدخلك في عالم المسلسل وتهيئك نفسيا للدخول لأحداثه . ويحسب للمسلسل أيضاً دخول العنصر النسائي بشكل قوي، فهناك الكثير من الوجوه والكم الهائل من العنصر النسائي والتي تمثل لأول مرة والتي لم نعتد على مشاهدتها في قناة الأقصى ، وهذا يعتبر توجهاً جديداً , من الاعلام والفن الديني الاسلامي , كما تلتقط المشاهد المصورة بشكل ذكي يثير الاعجاب . ويحمل المسلسل من خلال مخرجه محمد خليفه وطاقمه الذي جاوز الـ 80 ممثلاً ، أهدافاً ورؤىً عدة من بينها إبراز معاناة الاسرى داخل سجون الاحتلال لاسيما اثناء خضوعهم للتحقيق، والتأكيد على أن المقاومة هي الطريق الضامن لاستعادة كافة الحقوق ، إضافةً لتسليط الضوء على المرأة الفلسطينية الصلبة المتماسكة الداعمة للمقاومة، كما يتميز المسلسل بكشف الأساليب التي يستخدمها الاحتلال لاسقاط الشباب، وشاملاً تغيير مفاهيم المجتمع السلبية تجاه أسرة العميل .ولتحليل ونقد مسلسل الفدائي لابد من الفهم الواضح لحيثيات العمل الدرامي وفق قوانين الاعمال الدرامية التلفزيونية والتي تعتبر العناصر البنائية للعمل الدرامي والتي هي الفكرة والحوار والحبكة والشخصية والصراع للوصول الى الهدف المراد تحقيقه من العمل الدرامي فاتقان هذه العناصر تساعد على خلق وحدة فنية في نسيج اي مسلسل درامي ونحن لو تفحصنا الفكرة في مسلسل  الفدائي   كما هو ظاهر في المسلسل أنها تعود لتجربة عاشها الكاتب او شاهدها او سمع عنها يتلبسها بعض المبالغة والبعد عن الواقع بعض الشيء الا أنها أبرزت مشاهد عايشها أغلب الشعب الفلسطيني ومثل هذه التجارب تعتبر من الصعب معالجتها الا أن المخرج وبحق استطاع توظيف الفكرة الى صورة وتوصيف فيها ادق المشاعر الذي أعتبر عنصر ابهار متعدد الجوانب من حيث الديكور والاكسسوار والملابس التي ظهرت بنيتة في المسلسل لانها تمثل عناصر جذب بالنسبة للمشاهد , اما بخصوص التصوير والامكانيات حيث بدت هائلة من كوادر ضخمة مما  يظهر أنها أثرت على صرف مبالغ كبيرة اعتمدت على عنصر الانتاج حيث تكاليف إنتاج هذا العمل، الّذي شارك فيه قرابة الـ300 شخص، ووصل عدد حلقاته إلى 30 حلقة . أما بخصوص الحبكة التي تعتبر شبكة من العقبات والمواقف التي واجهتها شخصيات المسلسل في اماكن مختلفة خلقت احداث متشابكة دفعت شخصياتها نحو امتداد العمل الدرامي, حيث عمل الكاتب والمخرج لحبك وترابط احداث المسلسل بتسلسل منطقي ووفق ما تلاها من حوادث وكان اساس عمل الحبكة من خلال الصراع الذي سوف يقود العمل الدرامي في المسلسل نحو النهاية المحتومة للقصة والتي لا نعرفها حتى هذه اللحظة حيث برز في المسلسل قوتان متنافستان صلبتان لا تعرفان المساومة وهما قوة المقاومة وأهل الحارة التي جسدت امتداداً للمقاومة وجهاز الشاباك الذي جسد امتداده المستوطنين , وتم حشد الاحداث لتبدو اكثر جلاء لابراز الكثير من الاحداث المتعددة في الجوانب الحياتية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية حتى الجوانب الثانوية منها وحشد حبكات فرعية في خضم قالب تلك الاحداث الرئيسية التي أثرت على التصعيد الدرامي للحركة والجملة واللون والتشابك بينها في الزمن . لكن عدم الخوض في تفاصيل الحياة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الفلسطيني واقصارها على الحياة السياسية فقط أضعف العمل وجعله هلامي بعيداً عن الواقع وكان الأجدى بالعمل الدرامي أن جسد جميع جوانب الحياة اليومية للفلسطينيين من همومهم المعيشية واظهار جوانب القوة والضعف في عاداتهم  وتقاليدهم الاجتماعية حتى لا يقتصر المفهوم وكأن الشعب الفلسطيني يتغذى ويشرب سياسة ومقاومة دون أن يلتفت لباقي جوانب الحياة العادية حتى تكون الدراما أكثر اقناعاً للمشاهد الفلسطيني والعربي . ويشكل الصراع في مسلسل الفدائي من تصادم رغبتين متعارضتين أدتا الى توتر الاحداث نحو ذروتهما وتأزمهما الى الامام متمثلة بشخصية البطل نضال, وادارة السجن وجهاز الشاباك حيث كانتا رغبتين متكافئتان في القوة والذكاء متعارضتين في الاهداف والخصومة بحيث شخصية المقاوم تنساق وراء هدف نبيل وشخصية المستوطن وهي منزلقة نحو الشر والجريمة , وبرز صراع الخير والشر من خلال تحرك الشخصيات بدوامة  وحيرة دائمة حيث ان الحركة والصراع شكلا طبيعة الاحداث حيث اعتمدت احداث المسلسل الصراع الساكن الذي يتسم بالخمول وعدم التقدم نحو الذروة حتى كاد ان يضع المشاهد على حافة صراع لن ينفجر واعتمد ايضا على بعض الصراعات القافزة التي تتخذ شكل قفزات على طول احداث المسلسل ولكن للأسف افتقد المسلسل للصراع المتسلسل بالارهاصات لاحداثه والذي يعتبر اجود انواع الصراع حيث ياتي متنامي ومتدرج لسير الاحداث وفق حتمية منطقية . فيما يخص شخصيات المسلسل فهي المسئولة مسئولية كاملة لقيادة وتحريك الفعل الدرامي في المسلسل وهي المحرك الاساسي لكافة الاحداث من خلال افعالها وتمازجها والشخصيات في المسلسل كانت محور الفعل الدرامي الذي برز من خلال الاختلاف بين مجموعة الشخصيات في الاهداف والوعي والشكل الخارجي وكانت الشخصيات ملائمة لصفاتها وطبقاتها الاجتماعية وشعر المشاهد وهو يتابعها بانها قريبة منه وأن هناك شبيها لها في الحياة مما جعلها مقنعة وتمثلت الشخصيات من خلال البعد الطبيعي الفسيولوجي من حيث الهيئة واللون والعمر والجسم وصفات اخرى كانت ملائمة وموائمة للواقع  والبعد الاجتماعي السيسيولوجي للشخصيات ظهرت من خلال مجموعة العلاقات الانسانية والمعتقدات الدينية والسياسية والتعليمية في اقوال ميزها وفي اعمال عبرت عنها والبعد النفسي السيكولوجي والذي مثل الميول والفكر والاهداف والمواهب والطباع والهدوء والانطواء والتعقيد اضافة للمعايير الاخلاقية كلها ظهرت جلية للمشاهد قوي الملاحظة وهذه الابعاد يتم الاعتماد عليها في الدراما التلفزيونية اذ تم تجسيد الشخصية من خلال التركيب والتكوين الداخلي والخارجي والذي تمثل بالملابس والحركة والازياء والزمان والمكان الذي تتواجد فيه الشخصيات مع مستوى تواجدها على الشاشة وكذلك الاضاءة المستخدمة للشخصية والمصاحبة لها والاحداث في الدراما التي ساعدت الات التصوير بتحركها وموقعها ونوع العدسة المستخدمة ووجوه الممثلين مع الملابس الملائمة ظهرت كل تلك العناصر وغيرها في الفعل الدرامي للمسلسل وكان هناك اهتمام للممثلين بالصوت وقوته وسرعته وتركيزه ونبرته حيث تاتي بالحياة من خلال الصوت ونوعيته واللهجة والايقاع . حيثً الأداء التمثيلي كان مقنعاً بعض الشيء, لكن هذا لا ينفي من عدم وجود بعض التكلف والتصنع والافتعال لدى بعض الممثلين رغم محاولاتهم الجاهدة لاتقان اللهجة الخلايلية الا أنهم جميعاً وقعوا في فخ الحرص الشديد لاتقان اللهجة مما أثر على قوة الأداء واتضح ذلك جلياً أيضاً مع الممثلين الذين جسدوا شخصيات المستوطنين وظباط المخابرات الاسرائيلي وذلك من خلال التكلف في ابراز اللهجة العربية بألسنة يهودية غربية وكان الأجدر بهم  أنهم استخدموا اللهجة الفلسطينية العادية لان المهم هنا ابراز الشخصية الصهيونية من جميع جوانبها الجوهرية وعدم الالتفات كثيراً الى طبيعة صوت الشخصية حتى تعطي مصداقية أقرب لتجسيد الواقع . والحوار الذي كان عنصر مهم واساسي في دراما المسلسل الذي قام على ابراز  حقيقة ومنحى الاحداث فنحا منحى بالغ التاثير في سياق الاحداث ووصف المكان والمشاعر والزمان خالقا جو عام للمسلسل الذي منح المشاهد الشعور بالحميمية والانسجام مع ما يسمعه ويشاهده من صور راسماً مشهداً تبرز اهميتة في الدراما من خلال تصعيد الصراع والوصول الى الذروة وايصال المعلومة التي لا تستطيع الصورة وحدها ايصالها عدى عن اهميتها في ابراز الشخصية ودواخلها . الا أن دائماً من المتعارف عليه حتى في الدراما العربية أن يكون الجزء الأول من أي مسلسل أقوى وأنجح من الأجزاء التي تليه وذلك بسبب الحرص الشديد من القائمين على العمل بأن ينتجوا عملاً مكملأ للعمل الأول ومضاهي له بالقوة والنجاح فهنا يبتعد القائمين عن التلقائية والعفوية التي تظهر الابداع وتغذيه ويقعوا في فخ التعمد والحرص التي تضعف العمل وهذا ما وقع به الأخوة القائمون على مسلسل الفدائي . رغم كل ذلك فأن ذلك لا يقلل من أهمية المسلسل ولا من نجاح رسالته التي سعى اليها ولا يضعف من قوة جمهوره ومشاهديه ولكن هذه قراءة نقدية متواضعة بهدف تحسين العمل الدرامي في الأيام القادمة . فالمسلسل حقق صدى كبيرًا فلسطينيًا وعربيًا وإستطاع إيصال الرسالة الفنية رغم شح الإمكانيات وعدم مضاهاتها للمعدات العربية والدولية المستخدمة في صناعة الأفلام والمسلسلات، التي لم تكن عائقاً أمام انجاز مسلسل “الفدائي”، وهذه نقطة تُحسب للمسلسل، إضافة لإتقان المسلسل الشديد لعددٍ  كبير من الأمور الفنية التي أشرنا اليها سابقاً .ولربما أهم القصور في الدراما الفلسطينية هوعدم وجود بيئة حقيقية لتشجيع الدراما من خلال تشريعات وقرارات تدفع بعجلة الدراما، وعدم معرفة حجم القائمين على صناعة الدراما الفلسطينية . وهنا تكمن أهمية التفات المؤسسة الرسمية الفلسطينية للاهتمام بالدراما، عدا عن أهمية توجيه المستثمر الفلسطيني إلى أهمية الاستثمار في هذا القطاع المربح ماديا، ووطنيا بتسويق الوطن وآماله إلى العالم الخارجي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير