أمريكانا، فخر الصناعة العربيّة المتخلفّة!../ بقلم:زهير أندراوس

06.08.2011 11:59 AM

في المملكة العربيّة السعوديّة، حيث تُمنع المرأة من المشاركة في الانتخابات، ويُحظر عليها، حظرًا تامًا، قيادة السيارة، في هذه الدولة العربيّة التي تصل فيها نسبة البطالة إلى أكثر من خمسين بالمائة، من الذكور والإناث، والتي ارتفعت بنسبة 64% مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، هذه الدولة، وفق الإحصائيات الرسميّة، حققت في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري أرباحًا قدرها 116 مليار دولار من مبيعات النفط.

 علاوة على ذلك، ذكرت وزارة الطاقة الأمريكيّة أنّ السعودية تُسْهم بنحو أربعين بالمائة من إمدادات الطاقة بالعالم، وتحقق نحو 429 مليار دولار من مبيعات النفط، في هذه الدولة لا توجد صناعة ولا مَنْ يحزنون، ولكنّ استهتار النظام الحاكم الشموليّ والمستبد، واستخفافه بعقول المواطنين وصل إلى حدٍ لا يُطاق. لقد عبر النقطة التي يُمكن للعقل البشريّ أنْ يتقبلّها أوْ أنْ يفهمها. فالمملكة تُسيطر بإحكامٍ شديدً على العديد من وسائل الإعلام العربيّة، المكتوبة والمسموعة والمرئيّة، وتُحاول عن طريقها غسل دماغ المواطن في العالم العربيّ، وصرف أنظاره عن نهب الثروات وسلب الأرباح، وقمع الحريّات ومنع التعدديّة وكمّ الأفواه والتمييز البربريّ ضدّ النصف الآخر: المرأة.

 وعلى سبيل الذكر لا الحصر، خرجت صحيفة (الحياة) الصادرة في لندن والتابعة لآل سعود، يوم الثلاثاء من هذا الأسبوع، بعنوانٍ رئيسي جاء فيه: "جدد مجلس الوزراء السعودي خلال جلسة في جدة فجر اليوم برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز مواقف المملكة الثابتة فيما يتعلق بتطورات الأحداث في عدد من الدول العربية، وما تشهده تلك الأحداث من سقوط المزيد من القتلى والجرحى، سائلاً الله أنْ يجعل في قدوم شهر رمضان فرصة عظيمة للأمة الإسلامية لنبذ الفرقة وتحقيق معنى الأخوة والتسامح وتجاوز الخلافات والحرص على العيش بسلام".

عن أهميّة هذا العنوان الرئيسيّ لا حاجة للتعليق، لأنّ الأدهى من ذلك، هو الإعلان التجاريّ الذي تنشره المملكة حول زيت السيارات، التي تزعم أنّها تُصنّعه، وقد تمّ اختيار اسمه بعنايةٍ فائقةٍ للغاية: أمريكانا، والأنكى من الأدهى، والعكس صحيح، إذا جاز التعبير، أنّ الإعلان يقول في ما يقول: أمريكانا، فخر الصناعة السعوديّة، والمأساة تكمن في أنّ نشر الإعلان جاء متزامنًا مع إعلان الولايات المتحدّة الأمريكيّة وقف نشاطات المركبات الفضائيّة، بعد أربعة عقود من العمل، وبعد مرور أكثر من أربعين عامًا على وصول أولاد وأحفاد العم سام إلى القمر، بناءً على ما تقدّم يُمْكن التخمين: إذا تمكنت السعوديّة من إنتاج الزيت للسيارات في العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين فنحن، أبناء الأمّة العربيّة، على ما يبدو، يجب أنْ نكون على درجةٍ عاليةٍ من التفاؤل، ذلك أنّه على هذا المنوال، كما يقول المثل: "مص القصب عقدة، عقدة"، سنُسيطر على الكرة الأرضيّة، بعد أنْ يكون جميع سكان العالم قد وصلوا إلى الكواكب الأخرى.

لا نُورد هذه الأمور من باب التهكم أوْ السخرية، أوْ الاستهزاء، بل نتطرق إليها لأنّ وضع الأمّة العربيّة في المجال الإنتاج الصناعيّ وصل إلى الحضيض، وبتنا رهائن للمنتجات التي تُصنّع في أمريكا وأوروبا ودول أسيوية مثل اليابان والصين وكوريا الجنوبيّة، وحتى الشماليّة، التي على الرغم من نظامها الاستبدادي وفقر سكانها المُدقع، باتت تُخيف واشنطن، لأنّها تملك القنابل النوويّة، وتًهددها باستعمالها في حال إقدام الولايات المتحدّة بأيّ عملٍ عدواني على سيادتها.

وحتى لا نُفلسف الأمور أكثر من اللازم، لا بدّ من التصرف بعقلانيّة، بعيدًا عن الشوشرة والمهاترات والترهات والمزايدات، وتوجيه الأسئلة بشكلٍ صريحٍ للغاية: مَنْ منّا لا يستعمل المنتجات الأمريكيّة والأوروبيّة بشكلٍ يومي تقريبًا؟ مَنْ منّا لا يدخل إلى شبكة مطاعم ماكدونالدز وأخواتها؟ مَنْ منّا لا يشرب الكوكاكولا وباقي المشروبات المصنعّة في أمريكا؟ هل تذكرون المشروع العربيّ الذي أطلق المشروب المنافس للكوكا كولا وسُميّ: مكة كولا، وكيف تمّ وأده قبل أنْ يُنهي ربيعه الأول؟ أمّا عن السيارات فحدّث ولا حرج: العرب لا يُنتجون السيارات، ولكنّهم يستوردونها من الغرب الاستعماريّ، ربّما لأنّ السعودية بدأت بإنتاج زيت السيارات، مع أنّ المثل الإنجليزيّ يقول: الذي يُولدْ وهو يزحف، لا يستطيع أن يطير.

ربّما ينبري هذا أوْ ذاك، ويقول إنّ الدولة العبريّة هي الأخرى لا تُنتج السيارات، نعم هذه حقيقة لا يختلف عليها اثنان، ولكن بالمقابل، نقولها بألمٍ شديدٍ إنّ دولة الاحتلال باتت الدولة الرابعة عالميًا من حيث إنتاج وتصدير الأسلحة المتطورّة، بحيث أنّ شبكة بيع الأسلحة الإسرائيلية توغلت وتغلغلت في عدد من الدول الإسلاميّة مثل تركيا وماليزيا واندونيسيا، وتصدر أكثر من 500 نوع من الأسلحة والمعدات العسكرية، يتم إنتاجها في 220 شركة إسرائيليّة، ويتم تسويق السلاح إلى أكثر من 50 دولة، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكيّة.

القضيّة التي يجب طرحها على الأجندة في هذا السياق: أين الخلل؟ وما العمل؟

1) قبل كل شيء، يجب التشديد على أنّ الأمّة العربيّة قدّمت للحضارة العديد من الاختراعات والاكتشافات في الطب وعلم الجبر والفلك والكيمياء والبصريّات، والعديد من الاختراعات الأخرى، التي خدمت الإنسانيّة، ولكنّ البكاء والعويل على الأطلال لا يُجدي نفعًا، كما أنّ التباهي بأنّ العرب احتلوا إسبانيا في الفترة ما بين عامي 711م و714م بقيادة طارق بن زياد وموسى بن نصير لا يُسعفنا في هذا الزمن الرديء.

2) لا توجد إحصائيات رسميّة حول عدد العلماء العرب في أيامنا هذه، ولكن ما نعرفه أنّ الإمبرياليّة العالميّة لا تألو جهدًا في استيعاب العلماء العرب واستغلال طاقاتهم، وبذلك تُحقق هدفين: الأول منع العرب من التقدّم، والثاني كسب هذه الكم من العلماء لتطوير مصالحها، وهجرة الأدمغة العربيّة إلى الغرب نابعة في ما هي نابعة من عدم وجود أماكن عمل لاستيعابهم واحترامهم واستنفاذ طاقاتهم وخاماتهم.

3) بما أنّ الأمّة العربيّة لا تنقصها الأدمغة ولا تُعاني من شحٍ في العلماء، فإنّ قضية تخلف الأمّة العربيّة، التي وفق الإحصائيات الرسميّة يعاني نصفها من الأميّة، نابع من عدم وجود قرار عربيّ مستقل، آتٍ من عدم وجود قيادة عربيّة تعمل على دفع الشعوب إلى الأمام للحاق بركب الحضارة، وبالتالي نعود إلى البداية: القمع في الدول العربيّة يشمل أيضًا العلماء، الذين لا يجدون مَنْ يحترمهم ويُقدّر طاقاتهم، وعليه فإنّ هذه الأنظمة الرجعيّة، من حيث تدري أوْ لا تدري، تُقدّم خدمةً جليلةً لأعداء الأمّة المتربصين: تقمع العلماء، تُهجّر الأدمغة، ولا حاجة لأنْ نذكر في هذه العجالة قيام المخابرات الأمريكيّة وربيبتها الإسرائيليّة بتصفية علماء عرب بطرقٍ شتى، وبالمناسبة، فإنّ رئيسة المعارضة الإسرائيليّة، تسيبي ليفني، التي كانت عميلة للموساد في سنوات الثمانين من القرن الماضي، شاركت في عملية اغتيال عالم عراقيّ في عاصمة الأضواء، باريس، وللمعلومات العامّة نذكر أنّه عندما كان هارون الرشيد حاكمًا لبلاد الرافدين، كانت شوارع بغداد مليئة بالمصابيح للإنارة الليليّة، في حين كانت باريس تغص في الظلام الدامس، لأننّا أيضًا نحن تركنا علمنا للغرب، وسرقنا تفاهات الغرب.

4) غنيٌ عن القول إنّ تقاطع المصالح بين الرجعيّة العربيّة والإمبرياليّة العالميّة والصهيونيّة الاستعماريّة تظهر جليّةً للعين المجردة في قضية التخلص من العلماء العرب وتهجير الأدمغة، ذلك أنّ إبقاء الأمّة العربيّة تعيش حالة من التخلّف والفقر والبطالة هو الهدف الرئيسيّ لهذه القوى الشريرة، لأنّ نهضة الشعوب من المحيط إلى الخليج تتناقض مع مصالحها، لا بل أكثر من ذلك، تُشكّل تهديدًا مباشرًا عليها، وبالتالي فإنّ هذه القوى لن تتخلى عن مخططاتها الخبيثة القائلة إنّ الأمّة العربيّة يجب أنْ تبقى إلى الخلف دُرْ. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير