عدنان رمضان يكتب لـ وطن: مقامرات تركيا اردوغان والبعض منا

18.07.2016 07:20 PM

المغامرة والوقوف على حد الهاوية  واحدة من العديد من الصفات التي صاغت الكاريزما الخاصة بشخصية رجب طيب اردوغان وتركت اثارا هامة على مجريات الاحداث  في السنين الاخيرة  ليس في تركيا فحسب بل امتدت    إلى المنطقة بل وصلت   إلى ابعد من ذلك بكثير، احد اهم ميزات  هذه الشخصية  هي استعداده لاتخاذ مواقف ومغامرات خطيرة ، وضعت المنطقة والعالم في اكثر من موقف على حافة الهاوية وعلى حافة صدامات عسكرية اقليمية وعالمية وهددت امن الجميع ، صحيح ان المنطقة  اصلا مضطربة ومسرحا لصراعات مختلفة و عديدة حتى العنف والحروب وشلالات الدم اصبحت جزء ثابت في صورة وحاضر هذه المنطقة وخصوصا العربية  لكن الرجل لم يقم باية خطوات تساهم وتقود  إلى الاستقرار بل عمل بكل جد لتسعير هذه التناقضات والصراعات
الرجل لم يتردد في التدخل العسكري المباشر وغير المباشر في عدد من الدول المجاورة وخصوصا العربية وليس ادل على ذلك من تدخله السافر والدموي المستمر في كل من سوريا والعراق وحضوره القوي في ازمات المنطقة بشكل كبير سواء في ليبيا ومصر وفلسطين  وفقط  بجردة بسيطة لهذه التدخلات  فاننا لا نستطيع ان نرى و نلحظ  مساهمات ايجابية لهذا الرجل في المنطقة بمقدار ما تصدمنا النتائج المدمرة وسلبيات هذه التدخلات
تركيا لم ولن  تبقى بعيدة و بِمَنْأىً عن التداعيات السلبية لهذه السياسات  والتي دمرت واثرت بشكل كبير وواضح  على ما تم اعتباره انجازا لحزب التنمية والعدالة و تغنى به مؤيدوه ومساندوه والمعجبون به  من حركات الاسلام السياسي  في السنوات الاخيرة،  حيث بدا يظهروبشكل جلي  هذا التراجع على كافة المستويات سواء اقتصادية أو سياسية أو حتى على مستوى الامن الداخلي وتفاقم وعودة التهديدات الاستراتيجية التي تهدد الدولة التركية كما كانت معروفة منذ اتاتورك
محاولة الانقلاب العسكري الاخيرة والتي افشلها  الشعب التركي  "مؤيدون ومعارضون لحزب العدالة والتنمية " عندما وقفوا امام العسكر والدبابات  واعلنوا اكتفائهم من التغيير عبر القوة والتاكيد على ان التغيير يتم من خلال نظام الانتخابات والتداول السلمي للسلطة ليس دفاعا عن اردوغان بل عن بلدهم وطريقة عيشهم وخوفا من الدخول  في  دوامة  من العنف والدم   لكن يبدوا ان هذا الامر ليس بمضمون في ظل زعيم كاردوغان .
    الانقلاب العسكري الفاشل سواء ا كان هذا الانقلاب من منافسي واعداء اردوغان ومعارضي سياسته أو بترتيبات من اردوغان  نفسه كما يدعي البعض ،وما تلاه من حملات اعتقال واسعة في صفوف العسكر والجهاز القضائي  "انقلاب على الانقلاب " وما سيتلوه من خطوات   ،هو في جميع الاحوال بداية تغير كبير في تركيا وهويتها  وهو بالتاكيد سيعزز فرص دخول الاطراف المتصارعة في تركيا في ظل قيادة اردوغان في صراعات ليس مستبعدا ان تكون دموية  مما يعزز فرص الاحتراب الداخلي التي طالما دعمها في دول الجوار رغبة  في  استعادة مجد السلاطين .
   هذا الانقلاب لا بد وان يؤدي  إلى انكفاءات داخلية ستبعد جزئيا تركيا عن القيام بنفس الدور الذي قامت به سابقا في المنطقة  ولو لفترة وجيزة  ،لكن في ظل وجود شخصية اردوغان الخطيرة فان احد السيناريوهات المطروحة هو دخول تركيا في دوامة الدم والعنف والفوضى  مما سيكون له اثار هائلة لا تحمد عقباها على الجميع ،صحيح ان الشعب التركي وقواه استطاعت عبر عقود طويلة ان تبني هوية دولة علمانية تسير وفقا لنظام ديمقراطي تلعب فيه المؤسسات والسلطات المختلفة والاحزاب والمجتمع المدني والمؤسسات  ادوارا تعزز صيغة المجتمع الديمقراطي حيث  لعب النمو الاقتصادي وارتفاع مستوى الحياة  في السنوات الاخيرة دورا مهما مشاركة الافراد والجماعات وفي تعزيز دافعيتهم في الدفاع  عن نمط الحياة هذا حتى ولو بتحدي الدبابة العسكرية .
من الواضح ان المنطقة لن تستقر وتنتظرها العديد من المفاجات فالعالم يعيد تموضعه ويصيغ موازين قوى جديدة على مستوى العالم ومنطقتنا احد مداخل اعادة التموضع العالمي هذا   ،مما يعني ان علينا ان نتوقع المزيد من الانقلابات  والتي قد تكون عسكرية أو باشكال اخرى وكذلك استدارات وتغيرات في موازين القوى بشكل مستمر وان ان لا نرى الاشياء الموجودة كانها قدر ثابت فكل شيء قابل للتغير في هذه المرحلة 
الملفت للانتباه ومثار التساؤل هو اصرار بعض القوى الفلسطينية ن تذهب بعيدا في الارتماء باحضان هذه القوى الاقليمية سواء تركيا أو غيرها والتاكيد  على ذلك  في كل مناسبة ،  من الجيد ان نكون حلفاء أوفياء ولكن انداد لا اتباع اصدقاء لا ادوات ،
قد يكون من الطبيعي والمتوقع ان يفرح الاخوان المسلمون في فلسطين لفشل الانقلاب حتى بعد ان خذلت تركيا حلفائها الفلسطينيين عندما اعادت العلاقات مع اسرائيل    إلى مستواها المعتاد كعلاقات تعاون استراتيجي  ،متنازلة بذلك عن وعود قدمتها  للفلسطينيين بفك الحصار عن غزة وايضا قد نذهب  حد التوقع ان تبقى هذه القوى مغمضين اعينهم عن الحقائق الدامغة المتعلقة  بطبيعة هذا البلد وتحالفاته وطموحاته وسياساته  بعصابة من الايدلوجيا  ، لكن  غير الطبيعي ان يعلن البعض بعد كل ذلك "الاستعداد للموت على شطآن تركيا"  أو ان يتم اتهام الذين تعاملوا مع الانقلاب ببعض التهليل  كانهم خانوا الوطن     وفقط للتذكير نحن  عرب فلسطينيون ،لا اتراك أو غيره  ،
السؤال  هو لماذا هذا ؟  يامن  تقومون  بذلك وانتم تعلمون ان تركيا بلدا علماني  وديمقراطي  وعضو اساسي في الناتو وحليف اسرائيل التاريخي  يحتضن اكبر القواعد الامريكية  وكل  ذلك  مخالف  لابسط ما تنادون  به  ليل  نهار ؟  ما هي الرسالة التي يريد البعض ايصالها  إلى ابناء شعبنا؟؟ عندما يصورون  ان  فشل الانقلاب في تركيا هو انتصار لهم على خصومهم السياسييين في فلسطين ،  نعم  انتصار على ابناء جلدتهم   وفي الحقيقة  ليس في هذا اي  انتصار   بل هو انحدار وانهيار وامعان في الذيلية ، ما الذي  ينفعنا كشعب يناضل لاستعادة هويته الوطنية ان نضع رهاناتنا السياسية  على شخص أو حزب في  تركيا  اثبت  عبر السنوات الماضية  انه  يسير على الدم والجماجم لتحقيق  غاياته  وانه  على استعداد ليسير بالعالم  نحو  حروب طاحنة باشارات من امريكا  التي  نصبت له الفخ تلوالفخ   ماالذي  يجعلنا نخرج  بمسيرات ونرفع اعلام  تركيا  اكثر مما نرفع  علم  فلسطين ؟ ونعلي  هذه القضايا      إلى مرتبة  تصل حد أن تكون  فوق قضايانا الوطنية؟  كيف سيعود علينا ذلك ونحن في اشد الحاجة إلى التركيز على وحدتنا وحقوقنا وقضيتنا التي تتعرض للنهش والاستغلال وللتهميش من  كل من  هب ودب .
دعونا نلتفت لذاتنا قليلا     ان نرى مصالحنا ومصالح شعبنا وهذه ليست دعوة للانكفاء  على الذات و لكن علاقتنا بالمحيط وتحالفاتنا يجب ان لا تتعارض و لاتكون فوق  قضيتنا وحقوقنا واحلامنا  ، دعونا نركز على تطوير مشروعنا الوطني الفلسطيني الجامع  وان نبني على اساسه علاقتنا بالمحيط ووففقا  لذلك نقرر من هم حلفائنا  ومن  هم اصدقائنا،   لاان  نركض ونصنع من انفسنا ادوات تساهم في المزيد من التفتيت والتجزئة والانقسام  
كلما نجحنا في انجاز مشروعنا الخاص وتصرفنا وفقا لما تحكمه حقوقنا ومصالحنا وتعاملنا مع الواقع في اطارفهمنا  لحركيته  المستمرة   ومقتضياتها وتداعياتها  كلما كان لنا دور في   توضيح الطريق  امام  ابناء شعبنا  وفي لعب  دور  فعال  تجاه القضايا المتعلقة بحاضرنا و مستقبلنا  وبالعكس تماما   كلما  سخرنا  انفسنا  لخدمة  اجندات ومشاريع الاخرين فلا  بد  للضبابية وعدم الوضوح  والضياع ان يكون  سيد الموقف  و حدد لنا الاخرون مصيرنا  وكان   الارتجال وردة الفعل والعبثية  سيدة الموقف .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير