هل يتم تتويج أردوغان سلطانا عثمانيا؟

24.07.2016 02:13 PM

كتب: صالح عوض

بعد أيام ثمانية يبدو من غير الوارد اقفال ملف الحدث الذي هز تركيا أوالحسم في نتائجه بمجرد فشله.. فهو لم يتوقف عند حدود تركيا وتفصيلات المكونات التركية وان كان هذا في حد ذاته يثير الدهشة ويمتلك من القدرة ما يكفي لاعادة تشكيل الاوضاع بصيغة مختلفة.. فهو لايزال يلقي بالتحدي على مستقبل العلاقات التركية الاقليمية بل والدولية وعلى دور الدولة التركية  وفي هذا كله لا زالت سفينة تركية متأرجحة سياسيا وامنيا تتعرض لامواج عاتية وامامها الاحتمالات العديدة فالشامتون بها يتوقعون لها حربا أهلية ستحل في المجتمع التركي والعاشقون لها يتوقعون أنها خطوات ما قبل اعلان السلطنة والخلافة العثمانية فتهيج الافكار على الجانبين وتتضاءل فرص التحليل العلمي والتبصر لما حدث وتوقع مآلاته..

من البداية يجب وضع الحدث التركي في سياق التطور التركي السياسي الاجتماعي والاقتصادي وتفاعل المكونات السياسية والاجتماعية التركية وذلك في اطار الارتباط بسياسات دولية واشتراطات استراتيجية وما دفعت اليه التطورات الدولية على صعيد الحلف الاطلسي وسياساته وبروز اقطاب دولية جديدة كروسيا والصين تطرح تحديات على خريطة تشكل دوائر النفوذ والتحالفات الدولية وكذلك التغيرات الحاصلة في الاقليم بعد اندلاع شرارة "الربيع العربي" في تونس وليبيا ومصر وسوريا وماتبع ذلك من فوضى حيث كان الحضور التركي بفاعلية قادرا على رسم ملامح الدور التركي الاقليمي.. ودخول معامل الاتفاق النووي الغربي الايراني والتفاهمات المرافقة بما لها من علاقة في ترتيبات في المنطقة.. كما يشير تغلغل الاختراق الصهيوني في المطقة وقدرته على احداث اصطفاف امني وسياسي في المنطقة يعمق الشروخ بين مكوناتها الى ان هناك رهانات يمكنها اعادة ترسيم جديد للخريطة السياسية في المنطقة بعد ان استنفذت اتفاقية سايكس بيكو اغراضها ولم يعد مقبولا لدى صناع القرار الغربي ان تستمر الدولة الوطنية.

هذا هو الاطار العام الذي ينبغي ان يكون حاضرا فيما نحن نحاول الاقتراب من فهم الزلزال التركي والتبصر في سياق الاحداث وما يمكن أن يتبعه من ارتدادات على المنطقة كلها.. ففي تركيا بعد ان حسم كمال اتاتورك العلاقة مع الغرب ثقافة وسياسة وقطع التواصل بين تركيا والامة الى درجة تغيير الحرف وترجمة اذان الصلاة فكان ذلك كله الغطاء المطلوب لتفشي علمانية متوحشة في السياسة والثقافة والاقتصاد وقد استبدلت كل القوانين والتشريعات حسب ارداة الغربيين الذين تحالفوا على اسقاط السلطنة العثمانية وتقطيع اوصال ممالكها..

لم تستسلم روح الانتماء الحضاري لهذه الهزيمة الواسعة فتحركت طلائع النهوض الاسلامي من خلال علماء افذاذ تعرض كثير منهم الى الاعدامات بالجملة الا ان افكارهم لاسيما افكار المجدد العظيم سعيد النورسي استطاعت ان تسري في ارواح اجيال واسعة من الاتراك وعقولهم وعليه تنامت الحركات والنشاطات المتعددة لاعادة الوعي في تركيا العلمانية المتوحشة وظهر ذلك مؤخرا في حضور البروفيسور نجم الدين اربكان الذي استطاع ان يصل عن طريق صناديق الانتخابات الى رئاسة الوزراء الا ان العلمانية المستبدة ومن خلال يدها الباطشة المؤسسة العسكرية وضعت حدا لذلك.. تراجعت الحركة الاسلامية خطوات لكي تقفز اشواطا..تم التحالف بين قوتين اسلاميتين كبيرتين التيار الاخواني المتمثل بالتنمية والعدالة وتيار صوفي تيار الخدمة بقيادة فتح الله قولن.. وبعد مغالبات تمكن اردوغان من الوصول بجماعته الى سدة الحكم وليكون هو القوة الرئيسية في البرلمان وذلك بفضل التحالف القومي بين الحركتين الاسلاميتين.

لم يكن ما يحدث بعيدا عن عين الغرب واحيانا تدخلاته..فلقد كان اردوغان المتجرع غصص تدخلات العسكر في حياة الاتراك وقيامهم بحماية النظام العلماني فانصبت جهوده لتقليص فعالية المؤسسة العسكرية في الهيمنة على الاعلام والاقتصاد وكان هذا يتم في الوقت نفسه الذي يتقدم فيه بطلبات ملحاحة للانضام الى الاتحاد الاوربي الذي كان يصر على مدنية الدولة وانسحاب العسكر من المؤسسات المدنية فاستعان اردوغان بهذا الموقف الاوربي لينزع الشرعية والمرجعية من المؤسسة العسكرية.. كان هدف اردوغان تحرير الدولة من سطوة العسكر وكان هدف الغرب اضعاف عسكر تركيا وهز الثقة به في انتظار اضعاف مركزية الدولة التي تهددها اخطار انفصالية يكون العسكر فيها ضمانة الوحدة لقمع الانفصاليين حيث التقسيم والتجزئة اداة استعمارية دائمة يلعب بها المستعمرون الغربيون في بلداننا.. وخطوة بعد خطوة تمكن اردوغان من تحجيم دور العسكر وعزز مدينة الدولة وفي ظل هذا التوجه انتقل بالمجتمع التركي انتقالات واسعة نحو الرفاه والنمو والتنمية فكانت مرحلة ملهمة للقيادة التركية بضرورة التحرك لقيام بدور اقليمي ولكن تركيا هنا تجد نفسها مكبلة بقيود عديدة اخطرها العلاقات السابقة المتجذرة بالكيان الصهيوني وبالدول الغربية وبوجود قواعد عسكرية استراتيجية للحلف الاطلسي وبقاء الجيش التركي كجزء فاعل في نشاطات الناتو..

وبعد ان تحركت تركيا حسب رؤية استراتيجية في الاقليم تقوم على قاعدة "صفر مشكلات" وانفتحت على الاقليم على روسيا وايران وسوريا والبلدان العربية جميعها..وحقق لها ذلك ارتفاع معدلات النمو كما هيأ لها القيام بادوار سياسية في الاقليم حيث قامت الكومة التركية بادوار وساطات بين هذا الطرف وذاك الطرف.

وفي ذروة استقرارها جاءت رياح الربيع العربي الذي وجدت تركيا نفسها من يدعمه ويحرض من اجله ويفتح الابواب لدعاته على اعتبار ان هذا من شأنه خلق ظروف اقليمية اكثر تهيئة لميلاد مشروع كبير بين الاقاليم الحساسة والتي تمتلك امكانيات استراتيجية ضرورية..وهنا كان التقاطع مع ارادة غربية في احداث تغييرات في المنطقة من شأنها التهيئة لمشروع الفوضى الخلاقة التي تنتهي بتقسيم الدولة الوطنية الى اثنياتها العرقية او الطائفية لاضعاف الجميع وادخالهم في دوامة اقتتال وتصارع الفوضى الخلاقة التي تحقق شروطا جديدة وواقع جديد في ظله تضيع فلسطين نهائيا ويصبح الكيان الصهيوني جزءا من المنطقة له علاقاته العضوية بدولها ويتم بذلك توجيه ضربة ماحقة لطموحات ابناء الامة بنهضة وتحرر واستقلال.

وجدت تركيا نفسها في المعمعة الدامية ولكن بعد زمن لم يكن قصيرا ادرك الاتراك ان الغربيين غير صادقين في تغيير الانظمة الديكتاوترية انما هم يتاجرون بالموضوع وان لديهم سيناريوهات عديدة وهم غير اخلاقيين ولا يلتزمون باتفاق ويمكنهم بيع حلفائهم في اي لحظة..ومن هنا بدا التباين في الموقف بين الاتراك والامريكان.. فلقد اندفع الاتراك بعيدا في مشكلات المنطقة واحسوا ان الامريكان بالذات تركوهم وحدهم يواجهون ازمات عدة في الاقليم حيث ثم خلق العداء مع كل الاقليم وما يمكن ان يكلفه ذلك من خسائر كبيرة.. وفي هذه الظروف دفعت امريكا بخبرائها الامنين والعسكريين لتزويد الاكراد بالسلاح والمعلومات ليشكلوا حالة تمرد خطرة تتهدد وحدة الدولة التركية ومصيرها كما تستنزف قدراتها وخيراتها وبالفعل قامت تلك لمجموعات الانفصالية بعمليات ارهابية في المطار والمدن الرئيسية.

ادرك اردوغان انه لابد من القيام بتعديل في التوجهات وتغيير في السياسات لتنفيس احتقانات اقليمية فغير تشكيل حكومته واعلن عن سياسات جديدة وكان قد احس من زمن بتحركات حليفه الاسلامي " الخدمة" المغاضبة حيث لم يلب مطالبها بتعييانات حساسة في الدولة فكان يواجه حركاتها بعمليات جراحية محدودة وكانت قد استطاعت من خلال التفاهم معه التغلغل في الدولة بكل مؤسساتها لاسيما الشرطة والقضاء والتعليم وفي مراكز حساسة.

تحرك اردوغان في خط داخلي يفترق شيئا فشيئا عن جماعة " الخدمة" التي تواصل عمليات الضغط عليه وملاحقته وجماعته بقضايا لها علاقة بتهم مالية..كما تحرك بافتراق عن الرغبة الامريكية والرغبية فتوجه الى روسيا وايران واعلن انه سيغير من سياسته تجاه سورية.

هنا اجتمع على اردوغان خصمان كبيران وخطيران خصم داخلي" الخدمة" يجد انه لابد من التخلص من اردوغان الذي لم يلتزم بوعهوده وخارجي يرى في تحركه روسيا وتركيا اخلال بالتوازنات الدولية والاقليمية.. فكانت لحظة التوافق لازاحة اردوغان من المسرح السياسي ولم تنفع خطوته في تطبيع علاقاته باسرائيل والارتقاء بها في طمأنة الامريكان والغربيين.

واضح ان الامريكان كانوا ينتظرون بدقة تطورات مايحدث ولم يظهروا موقفا مباشرة شانهم شأن الاوربيين وبعض الدول العربية التي ترى فيه منافسا اقليميا فيما يمكن ملاحظة اسناد الروس لاردوغان من اللحظة الاولى ووقوفهم مع الشرعية..

الان يقوم اردوغان بعملية " تطهير" واسعة من جماعة الخدمة ليأمن جبهته الداخلية وبالتأكيد لديه البدائل على الصعيد الدولي والاقليمي لتأمين جبهته الخارجية والمحافظة على التنمية والنمو..فالى اين تصل المواجهات التي يعلن اردوغان انها لم تنته بعد وان احتمال ارتدادات الزلزال لازالت قائمة؟ تركيا الان في عين العاصفة وتولانا الله برحمته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير