اردوغان ينفذ انقلابا في الاكاديميا التركية

24.07.2016 05:04 PM

وطن: كتب تسفي برئيل

“محاولة الانقلاب في تركيا هي هدية من السماء”. هذا ما قاله رجب طيب اردوغان قبل يومين. وهو لا ينتظر عيد الأضحى من اجل فتح مغلف الهدية التي حصل عليها. فهو لا يؤجل الامور الجميلة حيث توجد أهمية كبيرة للوقت. وكلما استطاع أكثر خلال الفترة القريبة كلما استمر في الحصول على الشرعية لافعاله. وبدل الدول الرئاسية التي كان يطمح اليها، ينجح الآن في تحويل تركيا الى دولة الرئيس.

اذا كان هناك أحد يقوم بالانقلاب الآن فهو اردوغان وليس الجيش. فالتطهير الاداري الذي يقوم به في الوزارات الحكومية ولا سيما في الجهاز القضائي وجهاز التعليم. وسيكون له تأثير ليس فقط في الوقت الحالي، بل على الاجيال القادمة.

اردوغان يقوم بتشكيل نظام مناسب له حتى لو لم يتم تعديل الدستور. نظام يضمن له الولاء الكامل، سواء بسبب تأييده أو بسبب الرعب الذي ينجح في فرضه على عشرات آلاف الموظفين العاملين في وزارات الدولة، ومئات آلاف المعلمين في المدارس وفي هذه الاثناء القضاة والمدعين العامين والجيش. ويتفوق اردوغان على أسلافه من قادة الانقلابات العسكرية في 1960 و1971 و1980. واذا كان نجح حتى الآن في اخراج الجيش من مراكز القوة والتأثير المدنية واعادته الى المواقع العسكرية، وقام بعدة اصلاحات في الجهاز القضائي والتعليم وقمع وسائل الاعلام، فان مرحلة اعادة بناء الدولة تبدأ الآن من فوق. مرحلة تصبح فيها رغبة الرئيس هي رغبة الشعب.
       التعليم في مقدمة الجبهة

الهزة التي يحدثها اردوغان في جهاز التعليم هي الاكثر اهمية وتأثير. وهي أهم مما يحدث في الجهاز القضائي والجيش. فهذا الجهاز هو المسؤول عن المعرفة ومناهج التعليم والتعليم القومي. ومن هنا يأتي التأثير على التفكير السياسي الذي سيميز المواطنين في الاجيال القادمة، وسيهتم هذا الجهاز في كيفية تصويت الطلاب بجميع مستوياتهم في الانتخابات.

الصراع من اجل جهاز التعليم ميز اردوغان منذ تم انتخابه لرئاسة الحكومة في سنة 2003، بداية بخطوات حذرة من اجل عدم اغضاب الجيش الذي كان ما يزال في حينه محافظا على الدستور وتحديد من يتعلم وكيف يتعلم ومن يدير المدارس والجامعات. إن الدستور الذي كتب في عام 1982 في أعقاب الانقلاب العسكري ينصل على أن “على جهاز التعليم العالي تعليم الطلاب من اجل معرفة حق العيش كأتراك”. في 2003 اقترح اعضاء البرلمان من حزب العدالة والتنمية على اردوغان قوانين تقضي بأن على الجامعات “ايجاد اشخاص يقبلون بالجمهورية التركية ومواطنيها كوحدة واحدة… وادخال وعي الخدمة الى الطلاب حسب المباديء القومية لـ أتاتورك”.

هذه الصيغة تتلاءم مع مباديء الانقلاب العسكري، لكن النوايا غير مخفية، على الطلاب والمحاضرين الالتزام بايديولوجيا معينة حيث لا يوجد سواها. الالتزام تجاه الايديولوجيا بقي على حاله، أما الايديولوجيا نفسها فقد تغيرت. بعد ذلك ببضع سنوات قدم اردوغان القانون الذي يلغي الحظر المفروض على النساء بوضع الخمار في مؤسسات التعليم بذريعة أن هذا الحظر يضر بحرية التعبير والحقوق الاساسية للفرد. الجيش الذي كان ما يزال يستطيع تهديد اردوغان وحزبه في 2008 عن طريق محاكمته بسبب التصريحات المؤيدة للدين، لم يعد باستطاعته في عام 2010 الوقوف في وجه الرياح الجديدة.

في تلك السنة حدث الشرخ الاكبر بين اردوغان وبين من كان شريكه. الخطيب ورئيس المؤسسة الدينية الاكبر في الدولة، فتح الله غولن، الذي هاجر من تركيا في التسعينيات بعد أن تبين له أن الجيش يريد اعتقاله، بدأ اردوغان في حينه في حملة مزدوجة في قلب جهاز التعليم. وقد وضعت مدارس شبكة التعليم لفتح الله غولن على مهدافه القاتل، تلك المدارس التي أُديرت من قبل جهاز “هزمط” (خدمة) والتي قامت ايضا بتشغيل مدارس خاصة من اجل اعداد الطلاب لامتحانات الثانوية العامة وامتحانات القبول للجامعات. وقد قرر اردوغان في 2013 أن هذه الشبكة لا حاجة اليها وأن المدارس الحكومية هي التي يجب أن تهتم بهذا الامر. وكان الهدف من ذلك هو عدم تأثير غولن في جهاز التعليم، والذي يضر بمصادر دخل هذه المؤسسة.

في نفس الوقت قام اردوغان بتغيير تشكيلة المجلس الاعلى للتعليم العالي، الذي تأسس بعد انقلاب 1980. وقد عين فيه المقربين منه. وضم المجلس 21 عضو، 7 منهم يقوم الرئيس بتعيينهم و7 تقوم الحكومة بتعيينهم و7 آخرين يُعينهم مجلس الجامعات. وبشكل فعلي، تعيين الاعضاء الـ 21 يجب أن يحصل على موافقة رئيس الدولة. وتوجد صلاحيات واسعة لهذا المجلس، سواء في مجال منهاج التعليم وفي موضوع التعيينات ايضا. رؤساء الجامعات يقوم باختيارهم رئيس الدولة. ولوائح الجامعات التي يصادق عليها المجلس تقضي بأنه يُحظر على المحاضر التعبير عن موقفه في الامور التي ليس لها صلة بعمله في الجامعة. أي أنه محظور عليه التحدث في الامور السياسية، وتفسير ما هي القضايا السياسية الخاضعة لرئيس الجامعة وادارتها التي تخضع بالطبع لمجلس التعليم العالي.

في عام 2013، على سبيل المثال، تمت اقالة عشرات المحاضرين الدائمين والمعلمين المؤقتين بناء على بند نشر دعاية الارهاب والحاق الضرر بالدولة، بسبب تأييدهم للمتظاهرين في حديقة غازي في اسطنبول. وفي كانون الثاني من هذه السنة تم التحقيق مع 1400 استاذ جامعي لأنهم وقعوا على عريضة ضد الحرب الفظيعة التي تدور ضد الاكراد في جنوب شرق الدولة. وقد تم فصل الكثيرين منهم بذريعة تأييدهم للارهاب، بناء على بند غامض في قانون الارهاب. وقام اردوغان بتسميتهم “خونة” و”طابور خامس″، والطلاب المؤيدين له خرجوا في مظاهرات وهم يحملون لافتات كتب عليها “لا نريد بروفيسورات مؤيدين للارهاب”.
دين وحكومة

“الدولة الموازية”، تلك الاجهزة الظلامية التي يشك اردوغان بشكل دائم أنها تتآمر عليه، هذا ليس مصطلحا جديدا في السياسة التركية. فاردوغان يعرف هذا المصطلح منذ كان في الطرف الثاني للمتراس، كشريك لغولن وزعماء مسلمين آخرين مثل رئيس الحكومة السابق نجم الدين اربكان. إن ادخال نشطاء دينيين الى الاجهزة الحكومية كان جزءً من مسؤوليته قبل انتخابه لرئاسة الحكومة. الحكومات العسكرية والحكومات التي عملت تحت العيون المفتوحة اهتمت بأن يكون جهاز التعليم كابحا أمام دخول المتدينين المتحمسين جدا. كان يحدث في الجيش نقاش مرتين في السنة حول ترفيع أو اقالة الضباط الكبار، وكان المبرر المركزي هو الميول الدينية الزائدة لمن يتم طرده. وكان جهاز التعليم مبنيا بشكل لا يسمح بقبول الخريجين الأئمة للمساقات العلمانية في الجامعات. هذه المدارس اعتبرت مدارس مهنية، لذلك فان معدل الطلاب يتم احتسابه بشكل مختلف ويميز بحقهم. ولأنه لا يتم قبولهم في الكليات، لم يتم استقبالهم في الوظائف الحكومية التي تتطلب شهادة جامعية عادية وليس مساقا دينيا. وقد نجح اردوغان في الغاء هذا الشرط وبذلك فتح الباب أمام الخريجين الدينيين بأن يعملوا في الوظائف الحكومية. وعزى سبب الالغاء الى الحاجة لوجود مساواة بين الطلاب وليس بسبب الدين، بالطبع. ولكن من بين اولئك الطلاب كان الكثيرين من مؤيدي غولن، وهذا الامر لم يقلق اردوغان الى أن كان الانقسام بينهما.

وقام ايضا بتعيين عمداء ورؤساء جامعات من مؤيدي المؤسسة التي أيدته سياسيا في الانتخابات. وليس غريبا أن اعداد قوائم المطرودين بعد محاولة الانقلاب لم تحتج الى تحقيق طويل. فالاسماء كانت معروفة منذ زمن، ومعظمهم كانوا في السابق من مؤيدي اردوغان. والمقاعد الفارغة لأكثر من 1500 عميد ممن استقالوا هذا الاسبوع بأمر من مجلس التعليم العالي، ستمتليء خلال وقت قصير بمؤيدي الرئيس الذين سيهتمون بأن لا تكون الجامعات مراكز تحريض ضد الحكومة. وسيكونون مسؤولين عن تحديد كتب التعليم ومجالات البحث المسموح بها ومنع أي تحريض وتنظيف الجامعات من أي مواقف “غير قومية”.
لن يحتاج اردوغان الى كتاب الارشاد الايراني من اجل إحداث الثورة الثقافية التي ينوي تنفيذها في جهاز التعليم. وهو يستطيع مراجعة كتاب مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية التركية الذي أحدث في العقد الاول من ولايته الثورة الثقافية العلمية، سواء في المؤسسات القضائية أو في جهاز التعليم. وأثناء الثورة الثقافية في ايران وبعدها ترك آلاف المثقفون والباحثون والاكاديميون الدولة وتسببوا في هرب الأدمغة الجماعي. ومن شأن تركيا أن تتعرض لتهديد مشابه.

هآرتس 24/7/2016

تصميم وتطوير