خالد بطراوي يكتب لـوطن: زمن أول .... حول

25.07.2016 11:48 AM

ذات يوم، ثمانينات القرن المنصرم، وعندما كنت على مقاعد الدراسة في الاتحاد السوفياتي قامت سيدة أردنية مناضلة تنحدر من أسرة مناضلة بزيارتنا، وكنا نتحدث أمامها بالسياسة وكانت تضع أصبع السبابة على فمها وتقول لنا " هس ، هس، ولا كلمة ، الحيطان الها دنين".

تلك السيدة المناضلة المخضرمة التي عملت لسنوات في العمل الوطني السري كانت تعتقد – وهي محقة – أن الحديث في السياسة ومهاجمة النظام في العلن لا يجدي بل يقود الى التهلكة وأن الحيطان كما أفراد المخابرات تنقل احاديث الغرف والصالونات الى عسكر النظام والداخلية.

وكان والدي ووالدتي – رحمهما الله – في ستينات القرن المنصرم يدخلان الى احدى غرف المنزل ليستمعان بصوت خافت لاذاعة صوت العرب على جهاز ترنزيستور صغير يعمل بالبطاريات، كيف لا ووزارة الداخلية ومخابراتها كانت تلاحق كل من يستمع لاذاعة صوت العرب.

وفي سبعينات القرن المنصرم كنت أرتعد خوفا عندما أسمع اسم الجنرال أوفقير الذي كان وزيرا للدفاع ووزيرا للداخلية في المملكة المغربية وقد عذّب وقتل المئات الى أبناء الشعب المغربي ووصل في جنون عظمته الى قيامه بمحاولة انقلاب فاشلة ضد الملك الحسن الثاني، فاكتوى بتبعاتها وتم إعدامه والانتقام من أسرته التي اعتقلت لمدة 20 عاما ففرح المغاربة لهذه النتيجة الحتمية لمرتكب المجازر ضد المعارضين ولاغتياله المعارض المغربي المهدي بن بركة.

ومما لا شك فيه أن المواطن الغزي الذي رزق سبعينات القرن المنصرم بأطفال توأم هم ثلاثة من الذكور فسماهم ابتهاجا معمر وجعفر وأنور هو نادم أشد الندم الان اذا ما زال على قيد الحياة، وربما يحقد أولاده الثلاثة عليه الان لأنه سماهم تيمنا بالجنرال الليبي معمر القذافي والجنرال السوداني جعفر النميري والجنرال المصري أنور السادات.

وعندما اختلطت بالمناضلين السوريين والعراقيين سمعت الأهوال عن أفعال حافظ الأسد في سوريا وصدام حسين في العراق المنحدران من خلفيات عسكرية.

انقلابات عسكرية ... يقودها عسكريون .. عصفت ببلادنا والشرق الأوسط على امتداد التاريخ، نادرا من وصل الى سدة الحكم رئيسا منتخبا، وان وصل بالكادر تمكن قفاه أن يستوي على عرش الرئاسة ليجد نفسه في غياهب زنازين العسكر عقب انقلاب، وان صمد و" ترتح" بالكرسي فان ذلك قد تسنى له بفعل قبضة العسكر والمخابرات والداخلية على رقاب المواطنين والحركات السياسية وقمع المعارضة.

خالي سمير هاشم السيد البرقوني – رحمه الله – نهشت جسده كلاب تركت لأيام محشورة في زنزانة قريبة منه في السجن الحربي العسكري المصري أطلقوها عليه بعدها ونجا من موت محقق بأعجوبة.
عام 1959 أذاب النظام السوري جسد الشهيد المناضل اللبناني فرج الله الحلو بالأسيد الحامضي بعد أن وضعوه فيه حيا.
قتل المناضل المصري شهدي عطية الشافعي تحت التعذيب في سجن أبوزعبل في الخامس من حزيران عام 1960.
عام 1984 أصرت المناضلة العراقية الكردستانية أن ترتدي بدلة العرس عندما قادوها الى الاعدام، وكانت قبلها بعامين قد ولدت ابنها في السجن ولم تره الا مرة واحدة.

مطلع ستينات القرن المنصرم قضى المناضل الشركسي الأردني عبد الفتاح تولستان نحبه تحت التعذيب.
نهاية عام 1979 اختطف المعارض السعودي ناصر السعيد من لبنان وما زال مصيره مجهولا حتى يومنا هذا و" عظامه أصبحب مكاحل" كما يقولون.

والقائمة أيها الأحبة تطول وتطول .. تاريخ دموي عصف بالشرق الأوسط والدول العربية صبغته الدماء وعذابات المناضلين وعائلاتهم تحت تعذيب مبرمج همجي قاده قادة العسكر والداخلية والمخابرات الذين قادوا ويقودون الآنظمة الى يومنا هذا.
صفقنا لرياح التغيير ثم أكلنا " بعبوص" محترم، لم نعد نخشى الانقلابات العسكرية، ولم تعد هذه الانقلابات ترعبنا كما في السابق عندما كنا نندس في منازلنا عند سماعنا الأخبار الأولى لأي محاولة انقلاب في بلد عربي ما.

أصبحنا نضحك من سيطرة العسكر على المطار والاذاعة والنشيد الوطني وبيان رقم (1)، أصبحنا نلمس تردد العسكري بين أن ينصاع للأوامر العسكرية ويقتل أبناء شعبه وبين أن يرفض تنفيذ الأمر حتى لو أدى ذلك الى محاكمته عسكريا بتهمة الخيانة.
لم تعد الانقالابات العسكرية تحقق غايتها كما في الزمانات .. زمن أول حوّل .. الحراك الشعبي يخيفكم أيها العسكر .. العقليات العسكرية الانقلابية هي مرض نفسي هتلري دموي عفى عنه الزمن وشرب.
أين أنت أيها الجنرال أوفقير ... يا من كانت ترتعد الشعوب لمجرد سماع اسمك ... سترتعد خوفا أمام أصغر طفل مغربي هو جنرال المواطنة.

أغلبكم أيها الدمويون اكتوى بنار النهج الذي كرسه، اما اغتيالا أو رميا بالأحذية حتى الموت.
زمن أول حوّل ... ألم تدركوا بعد .... أنا الذي كنت طفلا في ستينات القرن المنصرم، أذكر بكل فخر الشهداء الذين قضوا في زنازينكم تحت وطأة تعذيبكم ، لا أنساهم فردا فردا، وأذّكر بهم الجيل الجديد وأشير باصبعي نحوكم أيها المجانين، مجانين العظمة الظلاميون الهتلريون.

قبل استشهادة بعشر سنوات نظم في العام 1939 الشاعر الفلسطيني الراحل عبد الرحيم محمود قصيدته التي مطلعها
سأحمل روحي على راحتي    والقي بها في مهاوي الردى
فاما حياة تسر الصديق    واما ممات يغيظ العدى

وأتبعه الشاعر الفلسطيني معين بسيسو  قائلا
أنا إن سقطت فخذ مكاني يا رفيقي في الكفاح
وانظر إلى شفتي أطبقتا على هوج الرياح
أنا لم أمت! أنا لم أزل أدعوك من خلف الجراح
واقرع طبولك يستجب لك كل شعبك للقتال
يا أيها الموتى أفيقوا: إن عهد الموت زال

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير