هل ينتصر «داعش»؟ مستحيل

25.07.2016 07:05 PM

وطن:  كتب نصري الصايغ 

يطرح سؤال «الفلسفة في العالم العربيّ» إشكالياتٍ لا حصر لها، تتصل، في معظمها، بالتوتر الذي يثيره الاشتغال الفلسفيّ/ العقلانيّ في مفاصل الأنماط التفكيرية الفقهائيّة التقليدية. الأمثلة العينيّة على ذلك التوتر، من التاريخ السياسيّ الحضاريّ العربيّ، عديدة. لعلّ أشهرَها تلك المحن التي أودت بمئات آلاف الكرّاسات والنتاجات الفلسفية إلى الطمس. نذكر، مثالاً لا حصراً، محنة أبي الوليد بن رشد في الدولة الموحدية أو تلك التضييقات على الفلسفة التي ظلت واقعة في التفاوت، تبعاً للظرف السياسيّ السلطويّ واستثماراته المعروفة. على أن المجمل في هذا الشق أن الحضارة العربية الاسلامية كما آلت لم تتقبل السؤال الفلسفيّ المبني على أوالية الشك وإعادة النظر الدائم بالمبادئ والأسس، إذ يكون ذلك من منظور التشريع العقديّ هدماً للدين وسعياً للفتنة وتفريق الجماعة.

يكتسب الكتاب البحثيّ «حال تدريس الفلسفة في العالم العربي»، 2015، (17 باحثا عربيا، بإشراف د. عفيف عثمان مع نصّ مترجم: الحق بالفلسفة لجاك دريدا) الصادر عن المركز الدولي لعلوم الانسان ـ بيبلوس برعاية «اليونسكو»، أهميته الجوهرية، لا بالضرورة من تظهير حال الفلسفة في المناهج الدراسية العربية عموماً، وهذا أساسيّ في كلّ حال، بل من فكرة انواجد هذا الجهد الراهن والمثير في الرؤية إلى الفلسفة تدريساً كموضوع مفكّر فيه وداهم، ويحتاج مراراً وتكراراً إلى أن يكون متفتّحاً وحيوياً بشكل دوريّ، .

هي دولة بلا حدود. خلافة إسلامية بادعاءات كونية: أسلمة العالم، أو إخضاعه للإسلام، وفق حروف الشريعة لحظة ولادتها في زمن الدعوة، من دون الالتفات إلى أسباب النزول. دولة بلا حدود، بطموح سماوي وتقليد لتاريخ منجز، قضت فيه الدولة الإسلامية الوليدة على الإمبراطورية الفارسية وطردت الإمبراطورية البيزنطية، سيدتي العالم المشرقي آنذاك، وأقامت مدى إسلامياً، بسرعة الفتوحات الباهرة، يمتد من نهر جيحون إلى ضفاف الأطلسي في الأندلس، آخر الكرة الأرضية آنذاك.

حلم، تحتذيه «الدولة الإسلامية في العراق والشام» بطموح القضاء على الثنائية القطبية في العالم. السابقون لـ «داعش» من «الجهاديين الأفغان» أنجزوا مهمة إسقاط القطب السوفياتي وإمبراطورية ماركس. وهم ماضون لإسقاط القطب الأميركي ومَن معه بحرب كونية، هنا وهناك وفي كل مكان.

حلم عدمي. هدف خرافي. تقليد استئصالي. نجاحه مستحيل. لكن إفشاله ودحره يحتاجان إلى أزمنة ربما. ليس لدى أي مرجع القدرة على تحديد مواعيد تقريبية لنهاية هذا الجنون العدمي، وكأننا لا نزال في البداية.

لم يتغيَّر الكثير بعد برغم الخسائر الميدانية لـ «داعش». تقلّصت «أرضه» على الثلثين بعد عام ونيف من حروب «المحورين»! تضاءل عدد مقاتليه حتى بلغ العشرين ألفاً بحسب بعض التقديرات، وانحسرت أعداد الملتحقين بالتنظيم، من خزانات التهميش في الدول العربية والأوروبية. فيما تشير الأرقام إلى نقص في أموال «داعش» بعد تعرّض موارده النفطية لأضرار جسيمة وبعد تضاؤل عائداته من الجباية والضرائب والمنهوبات والمسبيات.

وعليه، لا أحد يتجرأ ويجازف بوضع نقطة أخيرة على نص «داعش» المجنون، لا أحد يضرب موعداً لبداية التراجع. مسؤولون سياسيون دوليون يتوقعون بحذر أن تكون بداية النهاية لـ «داعش» قد أزفت. الدليل على ذلك، لجوء «داعش» إلى عمليات انتحارية انتقامية، تعويضاً عن الخسائر التي يتكبّدها في العراق والشام. وهي بالمناسبة ليست خسائر «نظيفة». لا يبدو هذا الاستنتاج سليماً، جون كيري يُمني النفس بهذا التوقع. الوقائع تثبت أن العمليات الانتحارية أينما كان، هي جزء لا يتجزأ من استراتيجية التنظيم، وقد أعلن عنها في العام 2014، وعليه، فالمبادرة لا تزال بيد «داعش»، وهذه بعض أعراض القوة:

ـ أكثر من 500 ضحية في شهر واحد. «داعش» تصيَّد الأبرياء في العراق والشام وأوروبا وأميركا. العالم يعيش الزمن الداعشي بدقائقه المريعة.

ـ خسائر «داعش» في العديد وفي المعارك، لم يولِّد يأساً يدفع التنظيم للانتقام. استراتيجية «داعش» أعلنت في ذروة الاكتساح لإقامة «الدولة الإسلامية». أبو محمد العدناني، دعا الانغماسيين، حيثما وجدوا إلى «القتل بأي طريقة... السحق بالسيارات، كل كافر أميركي أو أوروبي... وبالتحديد الفرنسيين الأشرار، ومواطني الدول التي انتظمت في التحالف ضد «الدولة الإسلامية».

ـ أسفرت سياسة الجبهات المفتوحة في كل مكان عن تحقيق ما لم تحلم به دولة ولا أحست بكوابيسه. الرعب ينام في فراش العالم. الطمأنينة مفقودة. أزيل الهامش تقريباً، بين الإسلام والإسلاميين. أخطر ما تتعرّض له أوروبا هو انتفاء الهامش بحيث يصبح الإسلام متّهماً بذاته بأنه مصدر الإرهاب.

سخط كبير من الشعوب على عجز حكامها. فرص ذهبية أمام اليمين المتطرف. خوف من أن يؤدي ذلك إلى حرب أهلية بين المسلمين ومواطني الدول الأوروبية. لم تبدأ الحرب وقد لا. لكن هناك مَن يقرع أبوابها ويفتح نوافذها. وهذا ما يريده «داعش»: الفتنة ثم الفتنة والانقسام. نسبة المواطنين الذين ما عادوا يميزون بين الإسلام و «الجهاديين» بلغت في فرنسا 28 في المئة.

ـ كرَّس «داعش» القطيعة الحاسمة بين البيئة السنية والبيئة الشيعية، برغم ما يلقاه من عداء مدوزن ومحسوب من قبل أهل السنة عموماً. عداء مشروط بأن لا يكون ذلك رصيداً في حساب المنظمات الشيعية التي تعاملها البيئة السنية عموماً، بظلم واضح، على أنها الوجه الشيعي لـ «داعش» السني.

أمام «داعش» زمن أو أزمنة. انتصاره مستحيل وهزيمته صعبة. زوال «الدولة» لا يعني اختفاء «داعش» وتراجع الإرهاب. إذا خسر «داعش» الدولة في العراق والشام، فسيصير العالم كله في مرمى انتحارييه.

أليست هذه هي حرب عالمية جديدة غير مسبوقة؟
ألا يعني ذلك أن الحرب على «داعش» ما تزال في أولها ومتعثرة وقاهرة على العسكر والأمن، وبعيدة عن إعادة تأسيس ثقافي جديد؟
ألا يعني أن لبنان ما يزال في مرمى «داعش»؟

السفير

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير