مواجهة التطبيع تتطلب ثقافة واضحة

28.07.2016 12:53 PM

كتب: عباس الجمعة

نقف امام خطورة ما يجري في المنطقة من تطبيع مع كيان الاحتلال ، هذا الكيان الذي اغتصب ارض فلسطين وما زال يحتل اراضي عربية ، فيما البعض العربي يهرول من اجل اقامة العلاقات، وهنا السؤال اين الجامعة العربية مما يجري ، هل اصبح كيان الاحتلال صديق وفي لبعض الانظمة العربية ، من هنا نقول يجب مواجهة ما يجري بتعزيز الثقافة الوطنية والقومية لدى الشعوب العربية ، خاصة في عصرنا هذا الذي تتهاوى فيه كثير من النظم والأفكار حتى نواجه بهذا المفهوم "الثقافي" قضية التطبيع  ، وحتى لا تبقى الشعوب العربية مسلوبة الارادة تتحكم فيها انظمة رجعية تسعى الى التحكم في مصائر الشعوب والأفراد دون أي اعتبار لما تتعرض له هذه الشعوب من قبل القوى الاستعمارية والصهيونية والارهاب التكفيري، وكأن اغتصاب الحقوق والعدوان واضطهاد الشعوب والاستيلاء على مقدراتها تسهيل سير عملية الطغمة الحاكمة ، وعلاقاتها مع كيان الاحتلال الصهيوني ، بهدف فرض ثقافة السلام المزعوم ، أو الاستسلام والتطبيع بهدف إضعاف العمل السياسي والاجتماعي والثقافي الطليعي والجماهيري العربي وتراجع فاعليته الاجتماعية لحساب مفاهيم التخلف ، التي ستجلب المزيد من الانهيارات والتراجعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، وكلها مظاهر تصيب بالضرر البالغ والمباشر مصالح الجماهير الشعبية وتضاعف همومها ومعاناتها ، وهذا يتطلب من كافة الاحزاب والقوى العربية العمل على بلورة مشروع الثقافة والفكر على قاعدة الحفاظ على الهوية العربية دون سواها ، وتسخير جهودها على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لمواجهة سياسة التطبيع.

أن هذا المشهد الثقافي المأزوم  التي تسوده مفاهيم وأدوات السيطرة والاستبداد والخضوع في سياق إعادة إنتاج التخلف والتبعية ومزيد من التفتت والنزعات المدمرة ذات الطابع الذي نراها ، وخاصة في ظل ثقافة السيطرة والخضوع والتطبيع ، التي أصبحت تبرر خطوات بعض انظمة الرجعية  من خلال تجاهل رؤية الجماهير العربية ، التي تدفع الثمن الباهظ جدا لكل نتائج هذا المشهد لدول عربية ترتمي في احضان العدو الرئيسي للشعوب العربية ، هذا العدو الذي يعمل على تفكك الكل الى أجزاء ، في مناخ عام تسوده روح الإحباط والنفاق والثقافة الهابطة بديلا لروح المقاومة والشجاعة وثقافة المقاومة ، وخاصة في ظل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من الاحتلال والاستيطان ، وما يعانيه من انقسام داخلي كارثي وغياب الرؤية والوضوح لمعالم المستقبل ، الا ان هذا الشعب العظيم لم يفقد وعيه الوطني ، ولم يستسلم رغم كل مظاهر الإحباط واليأس من حوله.

وامام خطورة المرحلة نرى ان انتفاضة الشعب الفلسطيني ما زالت حية حيث يكتب شباب وشابات فلسطين بدمائهم رسالة واضحة من خلال التصدي للعدوان الصهيوني والتمسك بخيار المقاومة دفاعا عن الحقوق الوطنية المشروعة ، فدماء الشهداء أكدت للعالم من جديد على وحدة الأرض والشعب والقضية ، وهذا بكل تأكيد هو قاعدة مادية لثقافة المقاومة المرتبطة حاضرا ومستقبلا بالثقافة الوطنية والقومية والانسانية بهدف المزيد من الفعل المقاوم في مواجهة العدو الصهيوني.

لذلك نرى ان الانتفاضة بما هي عليه ، خلقت مناخا وجسرا لنا نحو تفعيل وترسيخ أهدافنا الوطنية ، بمثل ما خلقت تعزيز لثقافة المقاومة ببعديها الفلسطيني والعربي ، وهذا يستدعي من كافة المثقفين الفلسطينيبن والعرب  العمل لوضع الخطط الهادفة الى النهوض للقوة الجماهيرية الفلسطينية والعربية ، واعادة الاعتبار للعمل السياسي المنظم الذي يعطي اولوية لاعادة بوصلة صراع الى واجتها الحقيقية ، بمعنى التفاعل بين الوعي السياسي والثقافي مرتبط بصورة مباشرة بالواقع المعاش ، يملك القدرة على فهم واستيعاب وتغيير هذا الواقع دون الرضوخ لسوداويته أو تعقيداته التي تعمقت خلال السنوات الماضية.

في هذه المرحلة نحن بحاجة الى زمن ثقافة المقاومة ،  في مواجهة استمرار حالة الهبوط الاجتماعي والسياسي ، والعمل على تطوير لجان مواجهة التطبيع الثقافي مع العدو الصهيوني ، ورفض ممارسات قوى الإسلام السياسي ، التي تسعى عبر محاولة صياغة مشروعات و نماذج دينية سلفية تسعى الى الانتشار و التوسع في أوساط الجماهير الفقيرة ، وتحديدا في أوساط شعبنا الفلسطيني وكافة الشعوب العربية بنسب متفاوتة ، مما يستدعي من كافة القوى والفصائل الفلسطينية والاحزاب العربية  تفعيل وتطوير دورها في مواجهة هذه الحالة والعمل على توحيد الجهود الثقافية العربية ، في اطار رؤية سياسية ديمقراطية موحدة ، تستجيب لمعطيات العصر ، وتشكل أرضية ننطلق منها على طريق الحضارة البشرية المعاصرة ، مشاركين في الإبداع العلمي ، لا عبيداً لأدواته.

ختاما :  كان في الفترة الماضية يعتبر التطبيع مع العدو خيانة، لهذا نقول مواجهة الأعداء لا تتمّ بالانفتاح والتبادل ، كما ليس بالتقرب اجتماعياً وثقافياً مع جلاد يغتصب أراضينا ومقدساتنا ويعتدي على شعوبنا، لا سيما أنّ الصراع مع العدو هو صراع وجود لا صراع حدود، لهذا لا بد من تحصين الوضع الداخلي على مستوى كل دولنا والحذر من جريمة التطبيع التي تجري اليوم والتي كان اخرها انفتاح سعودي وتركي على كيان الاحتلال ، وخاصة  في ظل ما نراه من انتصارات يحققها محور المقاومة ، هذه الانتصارات التي يجب على كافة القوى العربية المحافظة عليها ، وذلك من خلال مواجهة ومكافحة التطبيع بكل السبل والوسائل، وليعلموا المتطبعين ان طريق الاستسلام هو طريق الاندثار فيما المقاومة هي طريق الانتصار الوحيد على الاحتلال ومشاريعه مهما بلغت الظروف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير