ما يميز الانتخابات الامريكية هو كثرة الازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية

28.07.2016 05:02 PM

وطنكتب  آري شبيط

المعركة على الولايات المتحدة 2016 تختلف عن كل معارك الحرب العالمية الثانية. ففي هذه المرة سيبقى الكثير من الجمهوريين الاثرياء في البيت، أو حتى سيصوتون للمرشحة الديمقراطية. وهذه المرة كثير من الديمقراطيين الفقراء سيصوتون للمرشح الجمهوري. وفي هذه المرة النبلاء والمثقفين وأبناء الاقليات سيصوتون انطلاقا من شعور غير مسبوق بأن الديمقراطية الامريكية في خطر. وفي هذه المرة سيصوت البيض بشكل غير مسبوق كمجموعة أقلية مهددة ومجندة. وفي هذه المرة امريكيتان مختلفتان لا تفهمان بعضهما البعض ولا تستمعان لبعضهما البعض ستصوتان مع الشعور بوجود أزمة حرب على البيت.

يوجد في أساس الازمة الامريكية ظاهرتين: من جهة الرأسمالية التي ليس عليها قيود ولا رقابة بسبب العولمة، الامر الذي يغير العدالة الاجتماعية المطلوبة للحفاظ على المجتمع الحر والمتحد والمستقر والذي يقدر على العمل. الحلم الامريكي تصدع. مبدأ الطليعية الاجتماعية تراجع. وضع العمال نسبيا اسوأ مما كان عليه في عهد آيزنهاور أو نكسون. أبناء الطبقة الوسطى لا يشعرون بالأمن وأن الغد سيكون أفضل من الأمس، وأن لأبنائهم سيكون أكثر مما كان للآباء.

من جهة اخرى، نقاش الحقوق وسياسة الهويات للجيل الحالي ينشيء توقعات غير واقعية للمساواة. شعور الأحقية أقوى من شعور الواجب. هناك صفر تقبل للآخر في المجال الاجتماعي. رياح الزمن هي رياح مقاومة كل قوة، امتياز، سيطرة عليا وتسلسل هرمي، وهي تؤدي الى اعتبار الآخر غريبا ومهددا وصاحب قوة.

بين هاتين الظاهرتين يوجد تناقض بنيوي. عندما يتجه الواقع نحو قطب، والوعي الى قطب مناقض له، فان الهواء يمتليء ببخار الوقود، الامر الذي يتحول الى نار حقيقية بسبب ظاهرة ثالثة وهي الشبكات الاجتماعية.

قدرة مئات الملايين على التعبير عن خيبة الأمل بشكل يومي تنشيء مزاجا متعاظما من عدم الهدوء وعدم الراحة. النظام الجديد الذي يشبه الديمقراطية المباشرة التي تعتمد على استفتاء شعبي دائم، يقيد الحكم. وعندما يحدث التقاء بين قلة العدالة الاجتماعية والمطالبة بالعدالة الاجتماعية وبين البركان المتواصل للشبكات الاجتماعية تكون النتيجة تسونامي سياسي. والنتيجة هي بارني ساندرس من جهة ودونالد ترامب من جهة اخرى. السود غاضبون والبيض غاضبون والنساء غاضبات والشباب غاضبون والشيوخ غاضبون، والغضب يجر كل شيء. المركز ينهار، والمجتمع يتمزق، والدولة ضعيفة وليست لها القدرة على ادارة سياسة مسؤولة وحكيمة.

الازمة ليست ازمة امريكية فقط. كما حدث في اسرائيل وبريطانيا وجميع أرجاء اوروبا، نشأ ما يشبه الربيع الغربي. نظام سياسي اقتصادي توقف عن العمل، الامر الذي أدى الى اندفاع قوى تزعزع النظام. لذلك فان الديمقراطية الليبرالية في ازمة. ولذلك العقلانية في ازمة. ينشأ هجوم على الحرية السياسية التي خيبت الآمال وعلى الحرية الاقتصادية التي خيبت الآمال وعلى الحكمة بحد ذاتها. المتهكمون السياسيون تحولوا الى نجوم، والمحرضون والديماغوجيين تحولوا الى ابطال. أوبئة ثقافة الواقع تهاجم الثقافة بشكل عام وتحول الساحة العامة الى ساحة سيرك.

عندما ستخرج هيلاري كلينتون في هذه الليلة الى معركة حياتها، فهي ستخرج ايضا الى معركة حياتنا. والسؤال الذي سيطرح خلال المئة يوم القادمة لن يكون شخصيا أو ايديولوجيا، سيكون السؤال هل نخبة كلينتون التي أدارت العالم بشكل لا بأس به ومنحته السلام والرفاه سيمكنها معرفة الاخطاء في البيت وكيفية اصلاحها من اجل تبديد الغضب. هل سيعرف النبلاء والمثقفون كيف يقدمون اليد للجمهور الواسع الذي ليس له مال ولا تعليم وهو متضرر من العولمة. فقط اذا عاد الديمقراطيون للاستماع الى ضائقة ومعاناة الاغلبية سيستطيعون انقاذ الديمقراطية.

هآرتس   28/7/2016

تصميم وتطوير