رسالة نتنياهو: اعتذار أقبح من ذنب

28.07.2016 05:11 PM

وطن: كتب سليمان أبو إرشيد

رسالة نتنياهو المتلفزة إلى المواطنين العرب "العزاء"، كما لفظها بالعربية بعد قرط الـ "أ" وفتح الـ "ع"، هي محاولة لدس السم بالدسم وأخذنا بالكلام المعسول للتغطية، ليس فقط على فعل عنصري سابق ضد العرب، بل وعلى ما هو آت من أفعال عدوانية، تندرج ضمن مخطط لعزل ومحاصرة المواطنين العرب وضع نتنياهو أسسه بعد عملية تل أبيب التي نفذها ابن وادي عارة نشأت ملحم.

لقد دعا نتنياهو في خطابه التحريضي ضد المواطنين العرب في تل أبيب،
إلى وضع حد لما اسماه وجود دولة داخل دولة وفرض سلطة الدولة على المجتمع العربي في مجالين أشار اليهما، الأول هو السلاح غير المرخص والثاني هو البناء غير المرخص، وقد ترجم لاحقًا بمخطط لفتح محطات شرطة في القرى والمدن العربية وتعزيزها بعناصر محلية عبر تشجيع الشبان العرب للخدمة في هذا المجال وبمخطط لهدم آلاف وربما عشرات الآلاف من البيوت العربية بادعاء أنها غير مرخصة وتشكيل وحدات محلية تابعة للمجالس والبلديات لمراقبة أعمال البناء والقيام بمهمات الهدم.

من موقعه كرئيس للسلطة التنفيذية في المؤسسة الإسرائيلية لا يكتفي نتنياهو بالتحريض ضدنا، علمًا أنه يتقن هذا الدور ويقوم به على أكمل وجه أيضًا، بل يضع مخططات تنفيذية لمحاصرة العرب وتقليص تأثيرهم ونفوذهم داخل الحيز الإسرائيلي، وهو عندما يشير إلى ما وصلوا إليه من مواقع ومراتب فهو يسوق ذلك للتباهي بالرفعة والديمقراطية الإسرائيلية التي "تغمرنا بكرمها ومنجزاتها"، مقابل ما يسود حولها من "فقر وتخلف" ما يجب أن يجعلنا "شاكرين حامدين" عوضًا عن "عض اليد الممدودة إلينا".

هذه اللهجة وهذا النفس هو ما ميز رسالة نتنياهو، عندما استعمل منذ البداية "مواطنينا العرب" وليس المواطنين العرب، والـ"نا" في هذا السياق تدل على فعل الاستملاك وتضعنا في حالة دونية، بل تجردنا من أي نوع من الاستقلال الذاتي وتعزلنا عن محيطنا العربي الواسع، لنصبح خاصتهم هم، وعندها حتى لو أصبحنا دكاترة وقضاة وكتاب ونواب في الكنيست، فذلك بسبب كرم أخلاقهم وسعة صدر ديمقراطيتهم، بمعنى إننا مهما علينا سنبقى نعيش في كنفهم ضيوفًا وسنبقى كذلك طالما احترمنا أصول الضيافة.

هذه هي الرسالة التي أوصلها لنا نتنياهو في خطابه الأخير "المضمخ" بالاعتذار، والذي هو "اعتذار أقبح من ذنب"، لأنه أخطر من خطاب الانتخابات التحريضي الذي حذر فيه وقتها من "هرولة العرب إلى صناديق الاقتراع"، والذي حتى وإن ابتغى نزع الشرعية عن أصوات المواطنين العرب، فإنه تعامل معهم كندٍ قوي ويحسب له حساب وليس كتابع ذليل يعيش على هامش الدولة وعطاياها.

وفي الجانب العملي لرسالة نتنياهو، والتي جاءت مكملة لرسالة كان بثها باللغة الإنجليزية تتعلق بالمثليين، وهما رسالتان دعائيتان (رسالة العرب بثت باللغتين الإنجليزية والعبرية) تهدفان إلى تحسين صورة حكومته في أميركا وأوروبا، وأرادت أن تزف للمواطنين العرب بشرى مصادقة حكومته على تشريع قانوني لفرض سلطة الدولة على المجتمع العربي وكأن هذا المجتمع يعيش خارج الدولة أو هو "دولة داخل دولة" كما سبق وقال، وأن قراهم وبلداتهم مليئة بالسلاح غير المرخص، ولا تخضع "للسيادة الإسرائيلية الحقيقية".

والسؤال هو، هل يحتاج فرض القانون على تجار وحاملي السلاح الذين يعملون بغالبيتهم العظمى تحت غطاء الشرطة والمخابرات الإسرائيلية في المجتمع العربي، إلى قانون خاص بالعرب لفرضه؟ وهل يحتاج القبض على قاتل زوج المرأة الشابة وأولادها ومنفذي مئات الجرائم التي تحدث في القرى والمدن العربية إلى قانون خاص بالعرب؟ وما هو هذا القانون الذي يخص "وسط معين" في الدولة دون غيره ويندرج على ما يظهر في الفترة الأخيرة أنها سلسلة قوانين، مثل قانون عزل النواب العرب (قانون الإقصاء) وإجراءات هدم البيوت التي تنضم إلى قوانين مصادرة الأراضي وقانون أملاك الغائبين وقانون العودة وقانون النكبة وغيرها. أليست هذه قوانين أبرتهايد أو هي تؤسس لنظام أبرتهايد.

عرب 48

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير