السعودية في الاستراتيجية الإسرائيلية

28.07.2016 08:10 PM

وطن: كتب أليف صباغ

يناقش إعلاميون ومحللون سياسيون أسرار العلاقة القائمة بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية في الوقت الراهن، وكأن هذه العلاقات هي وليدة الساعة. ولكن السؤال الأهم، ما هو الدور الذي رسمته إسرائيل، والحركة الصهيونية العالمية من قبل، للسعودية في الاستراتيجية الإقليمية للحركة الصهيونية منذ الحرب العالمية الأولى، والمتمثلة بدولة إسرائيل منذ عام 1948؟

أعتقد أن الإجابة على هذا السؤال تمكننا من فهم الدور الذي تلعبه السعودية اليوم ايضاً، وما يمكن أن تلعبه في المستقبل، ضمن هذه الاستراتيجية. أؤكد أن هذا الدور هو ضمن الاستراتيجية الإسرائيلية، لأن غياب استراتيجية عربية مستقلة في الواقع الحالي، وفي المستقبل المنظور لا يُبقي في المنطقة الا استراتيجيتين، واحدة إسرائيلية وأخرى إيرانية، وهما تتصارعان على مستوى الإقليم (الشرق الأوسط) وربما على نطاق اكثر اتساعاً، من دون مبالغة.

للإجابة على السؤال المطروح أعلاه لا بد من مراجعة التاريخ وربطه بالحاضر والمستقبل، وهذا يتطلب استحضار الاحداث الماضية وأولها، مراسلات الشريف حسن مكماهون (1915-1916) التي عبر فيه الشريف حسين، بصفته شريف مكة وملك الديار الحجازية، عن استعداده بمنح فلسطين لليهود مقابل الدعم البريطاني للمملكة السعودية، وهم يرون أنفسهم ورثة طبيعيين للحكم العثماني الآيل إلى السقوط، في ظل محاولات بريطانية فرنسية لتقسيم التركة العثمانية في المناطق العربية بينهما، بموجب مخطط سايكس بيكو. مثل هذه المراسلات أسست، بلا شك، لوعد بلفور (1917)، الذي رأى به الحكومة البريطانية المتصهينة، بداية لعصر جديد في الشرق الأوسط تحت الرعاية البريطانية والصهيونية، وبموافقة عربية وإسلامية من قبل حكام مكة المُكرّمة و"حامي الحرمين الشريفين". ازدادت هذه الاستراتيجية قوة، وازداد الصهاينة ثقة بإمكانية تحقيقها بعد اتفاق فيصل- وازيمان عام 1919 الذي يعيد التأكيد، ضمنياً، مراسلات حسين مكماهون وعلى وعد بلفور، ويقدم بموجبه الملك فيصل فلسطين للحركة الصهيونية مقابل دعم هذه الحركة لطموحات السعودية السياسية لدى المملكة المتحدة، وكانت السعودية ترى الحركة الصهيونية، ووايزمان بشكل خاص، ذوي نفوذ كبير لدى بريطانيا العظمى، تماماً كما ترى اليوم اللوبي الصهيوني وإسرائيل قوة نافذة في أجهزة الحكم كافة في الولايات المتحدة.

بعد غروب نجم بريطانيا العظمى في اعقاب الحرب العالمية الثانية، وبروز الولايات المتحدة قوة عظمى مقابل الاتحاد السوفييتي، عمدت السعودية الى التحالف مع الولايات المتحدة وانصاعت الى جميع مطالبها الإقليمية والدولية، ضد الاتحاد السوفييتي "الكافر".

عدا فترة وجيزة خلال حرب تشرين 1973 عندما اخذت السعودية قراراً باستخدام سلاح النفط نصرة لمصر وسوريا، وقد دفع الملك سعود الفيصل حياته ثمناً لهذا الموقف. لقد تجلى هذا الانصياع بتأييد السعودية الكامل للمواقف الاميركية، على الصعيدين الدولي والإقليمي، بالتحالف مع شاه ايران، الشيعي، ولكن الموالي لأميركا، وتأييد مبطن لمسيرة كامب ديفيد، وبمحاربة الاتحاد السوفييتي في كل محفل دولي ومحاصرة نفوذه في الشرق الأوسط. بالمقابل قامت إسرائيل سراً بدعم السعودية في حربها ضد اليمن في الستينات من القرن الماضي، ولم يعد هذا سراً اليوم، وهي تقوم بدعم السعودية اليوم أيضاً في حربها ضد اليمن، وهو ليس سراً الا عند الذين يطمرون رؤوسهم بالرمال. هذا وعملت السعودية خلال العقود الماضية على تدجين منظمة التحرير الفلسطينية بأشكال متعددة أولها منع المنظمة من جباية ضريبة ال 5% التي دفعها الفلسطينيون الى المنظمة، وتحويلها الى القنوات الحكومية الرسمية، وبذلك قطعت الأنظمة العربية خيوط التواصل الذي حصل بين الشعوب العربية و م.ت.ف، وجعلت تمويل المنظمة يرتبط بمدى رضى الأنظمة العربية، وخاصة السعودية عن مواقفها السياسية، وهذا الامر ما يزال نقطة ضعف أساسية لدى المنظمة لغاية اليوم.

كان الدور السعودي يظهر اكثر خلال عملية انتقال الحكم بين ملك وآخر، ويتجلى بتقديم أوراق الاعتماد من ولي العهد الى الولايات المتحدة ليثبت قدرته، كملك قادم، على فرض مبادرات ومواقف سياسية استراتيجية على م .ت.ف خاصة وعلى العرب عامة، في صالح إسرائيل. وقد شهدنا مبادرتين سعوديتين، على الأقل، خلال هذه الفترة ونحن نشهد اليوم مبادرة ثالثة، تصب كلها في صالح إسرائيل، وتنتقص من الحق الفلسطيني. هذا عدا المبادرات والمواقف السياسية والعسكرية ضد سوريا وحزب الله وأخرى، وكلها تصب، وبمعرفة مسبقة، في صالح إسرائيل.

في العام 1981، ناقش مؤتمر القمة العربية في مدينة "فاس" المغربية، مبادرة ولي العهد فهد بن عبدالعزيز لتسوية النزاع في الشرق الأوسط، وتضمنت المبادرة تنازلا فلسطينيا وعربيا عن الوطن الفلسطيني الكامل، واعترافا عربيا ضمنيا بإسرائيل دون مقابل. ولكن المؤتمر فشل في قبول المبادرة بسبب رفض م. ت.ف  لها ورفضها من قبل سوريا والعراق والجزائر وليبيا أيضا. ولكن الملك فهد بن عبد العزيز عاد بعد اشهر قليلة عام 1982 ليقر مبادرته ذاتها في مؤتمر قمة فاس الثانية، بموافقة عربية شاملة. وكانت هذه المبادرة تشكل إقرار أمريكيا واسرائيليا بأحقية الملك فهد في عرشه. من الجدير تأكيده ان هذه المبادرة لم تقرّب إسرائيل الى الحلول السلمية بل زادتها غطرسة، فبعد أشهر قليلة، شنّت إسرائيل حربها الدموية على م. ت.ف في لبنان لتحتل عاصمة عربية، بيروت، وتقضي على أي أمل بالتقدم نحو حلول سلمية، يمد لها العرب أيديهم.

لاحقا، لا يجوز ان ننسى الدور السعودي والمصري لفرض اتفاقية أوسلو المذلة على م.ت.ف خدمة للمشروع الامريكو - صهيوني في الشرق الأوسط.  وفي العام 2002 تكررت المبادرة  السعودية، عشية استلام الملك عبدالله عرش المملكة العربية السعودية، بتقديم مبادرة سعودية بغطاء عربي ،سميت بالمبادرة العربية، لحل النزاع في الشرق الأوسط، وكان ذلك من خلال مؤتمر القمة العربية المنعقد في بيروت،  في آذار 2002 ، وسبق ذلك مناقشتها في مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة لضمان إقرارها في القمة. وتتضمن المبادرة تطبيعا عربيا واسلاميا ( ليس فقط عربيا)  كاملا مع إسرائيل مقابل انسحاب الى حدود الرابع من حزيران، ولكنها إضافة الى التنازلات السابقة، تتضمن المبادرة تنازلا فلسطينيا رسميا، وكذلك عربيا واسلاميا، عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، الا بما ترضى به إسرائيل. هنا لا بد من التذكير ايضا، ان هذه المبادرة جاءت مرة أخرى كأوراق اعتماد من الملك الجديد، عبدالله بن عبد العزيز، لدى الإدارة الامريكية والإسرائيلية على حد سواء، وجاءت استرضاء لإسرائيل، في ظل تصاعد قمع قوات الاحتلال لانتفاضة الشعب الفلسطيني، ولكن هذا الاسترضاء لم يُرض شارون، بل أكد له من جديد ان العرب لا يفهمون الا لغة القوة، فشن حملته الدموية على مخيم جنين في بداية نيسان 2002 ، ليقتل ويدمر ويحصد عشرات الأرواح، وهو ما سمي بمجزرة جنين، ورفض شارون المبادرة العربية الجديدة جملة وتفصيلا. إذن، مرة تلو أخرى، يقدم الملك الجديد من السعودية أوراق اعتماده الى أميركا وإسرائيل، مقابل التنازل عن حقوق فلسطينية مثبتة في القوانين والشرائع الدولية، وتُفرض هذه التنازلات على القيادة الفلسطينية مقابل دعم مالي يذهب مع الريح. وماذا قدم الملك سلمان مؤخرا؟

الملك سلمان لم يختلف عن سابقيه، وهو لم يقدم مبادرة جديدة، بل اصر على احياء مبادرة ميتة، ليس فقط  بتقديمها من جديد، بل بالعمل على تطبيقها وفق الاستراتيجية الإسرائيلية، سلام مع العرب، مع الأنظمة "السنية" بقيادة السعودية (أولاً) ومصر (ثانياً)، بالقفز عن الحق الفلسطيني. ويرى الاستراتيجيون الإسرائيليون ان الدور السعودي المطلوب يتجلى بالضغط على القيادة الفلسطينية من خلال الدعم المالي السعودي المشروط سياسياً، بالمقابل تقدم إسرائيل الى السعودية دعماً عسكرياً واستخبارياً وتكنولوجياً في حربها ضد اليمن وضد سوريا، وتقيمان سوياً حلفاً استراتيجياً، عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ضد إيران وحزب الله وسوريا، أو ما يسمونه هم ب - "المحور الشيعي". ضمن هذا الدور يقوم وزراء سعوديون ستبقون وحاليون بلقاءات مع نظرائهم الإسرائيليين، علناً او سراً، للتقدم الفعلي في نسج العلاقات بينما لا تقدم إسرائيل للفلسطينيين أي شيء.

مثل هذا الاصطفاف والتحالف تحدث عنه ش. برس عام 1993 امام الكنيست الإسرائيلي كأحد إنجازات اتفاق أوسلو. وقد بدأ هذا التحول في التحالفات الاستراتيجية لإسرائيل بعد اتفاقية كامب ديفيد، ونسجت خيوطه اكثر بعد الثورة الإسلامية في ايران كما يقول ضباط الموساد في مذكراتهم، وازداد وثوقا مع تحول المقاومة اللبنانية بقيادة حزب الله الى قوة جديدة متحالفة مع سوريا وايران. لقد تحولت استراتيجية إسرائيل الإقليمية من التحالف مع الاقليات القومية والدينية والمذهبية في الشرق الأوسط ضد الغالبية السنية الى التحالف مع الدول السنية ضد القوة الشيعية المتصاعدة عسكرياً واقتصادياً وتكنولوجياً. صراع يبدو ان نهايته بيست قريبة بل ما يزال في بداياته، وتطمح إسرائيل الى تحقيق أهدافها الاستعمارية الإقليمية واكثر من خلال هذه التحالفات البتي تلعب فيها السعودية دوراً كبيراً بقوة أموالها وإصرار السعودية على الاحتفاظ بالحكم، ولو على حساب كل العرب والمسلمين واولهم الفلسطينيين.

المصدر: الميادين نت

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير