مرة أخرى.. حول البصاق في صحن اليسار

28.07.2016 08:35 PM

وطنكتب جبريل محمد

كنت سابقا قد نشرت مقالا حول مستنكفي اليسار وسلوك الحطيئة الذي حين لم يجد من يهجوه بعد ان اشبع الناس هجاء، نظر الى نفسه من فوهة بئر فانعكست صورته على سطح الماء فما كان الا ان انبرى لهجاء نفسه.

هذه الايام وفي حمأة التحضيرات للانتخابات البلدية ينبري بعض من طلّق اليسار فكرة وممارسة، واستزرع نفسه في دفيئات الليبرالية والنيوليبرالية للتهويش على اليسار باعتبار انه شخوص وقيادات، ومن منطلق اعتبار انفسهم يساريين، وانهم باتوا فوق صغائر الممارسة اليسارية، بحيث يملكون القدرة على الاستذة على اليسار بفعل خبرات التدريب الانجيؤوزية، والمؤتمرات والسفرات الخارجية وفن الاتيكيت الدبلوماسي، منكرين انهم في يوم ما تعلموا الفكر والتنظيم والسياسة من ينبوع هذا اليسار وان لليسار فضل عليهم حتى فيما هم فيه من ابهة وقدرة على نفخ الاوداج، وثني الشفاه بلكنة انجليزية غير فصحى.

ما يهول الانسان هذا الاستعداد العالي لديهم لجلد ماضيهم وكانه جاهلية يريدون ان يكفروا عنها بلعنها صباح مساء، إضافة لادعاء مفتعل حول ادوار هي وهمية او تخريبة يمارسونها الان، ناهيك عن جلسات "التحشيش السياسي" التي لا تترك شاردة ولا واردة الا وتقدم لها فتوى جاهزة.وكأنهم يبصقون في صحن كان يوما يشبعهم فكرا وصقل شخصية، وتعليما، حتى ان بعضهم لم يكن ليدخل الجامعة دون ان يكون على قائمة الحالات الخاصة لهذا الفصيل او ذاك من اليسار.

ليس اليسار بثوب لا تلطخه بقع من هنا وهناك، ولكن من تخلى عن تنظيف البقع مسؤول تماما كمن لم يقم بتنظيفها اهمالا او مكابرة، وعجبي من اليسار نفسه انه حين يبحث عن شخصيات لهذه المؤسسة العامة او تلك يذهب الى هؤلاء بدلا من ان يختار "الكفؤ الاحمر" على رأي لينين الذي بات يثير حفيظة هؤلاء، لذا يحق لهم ان "يدندلوا ارجلهم " على اليسار طالما ظل يشعر بالحاجة اليهم.

ما يجري من جلد لليسار على صفحات التواصل الاجتماعي، لم يدفع احدهم للسؤال ماذا انا فاعل، ومن المستفيد من هذا الجلد غير قوى الدعشنة الدينية والليبرالية والسلطوية، وهل هذا يهمز اليسار ليتحرك ام ان اليسار بات مثل كيس الملاكمة يتلقى كل الضربات ومن كل الاتجاهات حتى من ابنائه العاقين؟

هناك ثلة قليلة الان في هذا اليسار الذي يعاني كل الازمات تحاول اما ان تحافظ عليه او تستنهضه، وهي لا تدفع لاجل ذلك جهدا فقط بل انها تتعرض للاعتقال، والشهادة والجرح، وحتى المحاربة في لقمة عيشها،سواء من الاحتلال او السلطة وعند اي حركة بسيطة هنا او هناك، بحيث ان الاحتلال لم ينم على حرير انتهاء اليسار بقدر ما هو متيقظ لاي رعشة حية له، وبالتالي فان هذا كفيل ان يقول ان لليسار ضرورة وان المهمة الان حمايته وتصليبه لا جلده واعاقة اي محاولة لتطوير فعله، فالاملل في هؤلاء في ان يمدوا ايديهم للفعل بات معدوما.

اذا شئتم حتى مجتمعا ليبراليا ديمقراطيا وعصريا، فليس لكم الا الاتكاء على تراث اليسار وليس لكم من سنيد غيره، فكل تمويل الاتحاد الاوروبي وامريكا لم ينجح في لبرلة المجتمع ولكنه خلق طبقة من منتفعي هذا التمويل طلقت مواقفها وباتت الان تدافع عن مواقعها. ولهذا فحتى مشروع التحديث الليبرالي في هذا المجتمع سيبقى فاشلا بدون دعم اليسار له، والذي يدعمه بناء على رؤية تاريخية لا حبا في الليبرالية نفسها والتي تطلق العنان لشطب كل المفاهيم الاجتماعية الطبقية لصالح خطاب حقوقي عاجز ولا انياب له.

لذلك فالحوار الناقد مع امثال هؤلاء يجب ان لا يكون عبر لغة مداهنة، فهم لا يداهنون ولهذا لا بد من صدمة لوعيهم المأسور حتى يستفيقوا بان كل ما يعيشونه اليوم هو كذبة كبرى وان الحقيقة على اختلاف وجهات النظر اليها تكمن في الانخراط النضالي خارج قاعات التدريب وتعليم اساليب الضغط والمناصرة.

اما اذا شئتم نقدا موضوعيا لليسار فاعدكم بما هو اقسى مما خاطبتكم به ولكن على قاعدة الانتماء له طبقيا وايدولوجيا وسياسيا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير