الصاعدون إلى كاليمنجارو- كتب: طارق عسراوي

30.07.2016 08:00 AM

كان الصاعدون إلى قمة جبل كاليمنجارو يتسلقون جدار الجبل الأخير، وكانت " نوره " في رواية الكاتب ابراهيم نصرالله " ارواح كاليمنجارو " تتكئ على ارادتها الصلبة، وتلقي ثقل جسدها على ما في روحها من نديّة واصرار عوضاً عن طرفها الصناعيّ، لترسل لضابط جيش الاحتلال صورة تحديها له من على قمة الجبل بساقها الواحدةٍ، وهي ترفع شارة النصر وعلم فلسطين، تلك الرسالة التي أرادت ايصالها بطلة الرواية - كما فهمتها -  لن ينجح الاحتلال في جعل من الفلسطيني إنساناً عاجزاً ولو بتروا أطرافه طالما فيه روحٌ تقدح!

كُنْتُ قد وصلتُ إلى ذلك الجزء من الرواية حينما بدأت تتوارد الأخبار عن حصار الشهيد محمد الفقيه، طائراتٌ وآليات وجنود وكلابٌ مدرَّبة وعيونٌ مسعورة حاصرت محمد الفقيه في منزل بقرية صوريف. كان وحده حينما دعاه مكبّر الصوت للاستسلام، فذخّر بندقيّته ولقّمها من روحه النارية وخاض اشتباكه الحر وحيدا في وجه دولة عسكريّة على امتداد ساعات العتمة التي أضاءها بجمرة النديّة وايمانه الصادق بصواب الطريق ولو موحشاً.

في تلك الليلة، ذاتها، كان الأسير بلال كايد يقبض على أمعائه بصبر وملح، ويخوض يومه الأربعين في إضرابه المستمر عن الطعام، يلقي طبق الطعام في وجه الإعتقال الاداري ويثبُ بروحه النمرة فوق القيد وبخطاه الثابتة يسير صوب حريّته التي يُطعم
شمسها واشراقتها من جسده.

تلك رسائل حيّة قاطعة الدلالة ينقشها الفلسطينيّ فوق حجر الصوّان، ويبقى ما دونها ليس أكثر من غيمة تتسارع في طريق الصاعدين إلى قمة الجبل، تحجب الرؤيا في وادٍ أو تبطِئ خُطا الصاعدين وتجعلهم أكثر حذرا لكنها أبداً لا تشكّل عائقا في وجه بلوغهم لقمة كاليمنجارو، دلالة انعتاق الفلسطيني وحريته.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير