في ذكرى اغتيال ناجي العلي: دلالَةُ حنظلة- كتب: طارق عسراوي

30.07.2016 12:15 PM

قالت العربُ ؛ لكل إمرء من اسمه نصيب ..!
و قد إستعانت العرب فيما روي عنهم بالأسماء لمعرفة صفات حامل الاسم ، فروي أن عمر بن الخطاب سأل رجلا عن اسمه فقال : جمرة بن شهاب من الحُرقةِ ، فقال له عمر : أدرك أهلك فإنهم قد احترقوا ..!

وفي ذلك قال إبن القيّم ( ( لما كانت الأسماء قوالب للمعاني ودالة عليها ، اقتضت الحكمة أن يكون بينها وبينها ارتباط وتناسب ، وأن لا يكون المعنى معها بمنزلة الأجنبي المحض الذي لا تعلق له بها ، فإن حكمة الحكيم تأبى ذلك )) .

في الثاني و العشرين من شهر تموز من العام ١٩٨٧ أطلقَ كاتم الصوت رصاصات الظلم في وجه نور الحكاية، و إستقرت إحداها قُربَ عين ناجي العلي ، فأدخلته في غيبوبة حتى أستشهد في ٢٩/٨/١٩٨٧ ، ومن هنا سنذهب إلى ما ذهبت إليه العرب في العبور من نافذة الأسماء إلى فضاء الإنسان و ما ارتبطت به.

الأسم : ناجي سليم العلي ، مواليد١٩٣٧ ( كما يُرجّح ) من قرية الشجرة الواقعة بين طبريا و الناصرة، لجأ مع أهله في عام النكبة إلى مخيم عين الحلوة في لبنان ، نَشَرَ له غسان كنفاني أولى رسوماته في مجلة الحرية عام ١٩٦١ وكان الرسم الأول لخيمة تلوّح يد من قمتها  .

ناجي وهو اسم الفاعل من الفعل نجا، أي خرَجَ سالما من الحادثة، و سليم فهو اسم فاعل  من سَلِمَ أي لم يمسسه أذى، و العلي تعني المرتفع .

ناجي الذي لم ينج من رصاصة الصمت المطبق على شفاه العروش الخائفة من قلمٍ فحم، أنجب الوطن منه طفلا معترضا، فولّى وجهه صوب قبلته و شجرة ميلاده، و أدار ظهره للكروش المنتفخة بالشعار ..!

كما أنه لم يسلم من الأذى منذ أن كان في العاشرة من عمره و خطّت يده رسم الحقيقة على جدران زنارين الأعداء و الأشقاء على حد سواء.

العليّ  الذي جهدت العرب ( الذين منهم ) في إلقاءه من علوّ الفكرة و وضوح الرسم إلى ضحالة الموقف و اصفراره فأبى إلا أن يكون عاليا مترفعا عن الخوف و الرياء !

هو ناجي اذن ، إرتبطت فكرته بدلالة اسمه نيابة عنه  فنجا الكاريكاتير  من الاغتيال و الصمت، و ارتفعت فكرته سليمة خالية من المرض الى قلوب الناس .

اليوم ، و بعد مرور ثمانية و عشرين عاما على رحيل ناجي العلي ، ما زال حنظلة يكبُر فينا جيلا بعد جيل ، حنظله الذي خرجَ من الرسمة و صار قلادة في عُنقِ فتاةٍ بعمرِ الغزال ، او لوحة أو تمثالا أو طابع بريد ، ما زال يكرس الفكرة و يدير ظهره ، هذي فلسطين التي أقف على حدودها ، وما زال يقول ما دمتم ترون ظهري إذن فأنتم  خارجها .

و حنظلة هو مصدر الحنظل ، وهو  نباتٌ بريٌّ طعمه شديد المرارة ، و لذا كان الرسم مُرّا ، لم تستطع شخصياته المتكرّشة هضمه و احتمال مرارته ، فإمتدت اليد الخائفة إلى قبر في لندن ، كتب على شاهده :  ناجي العلي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير