نبيل عمرو يكتب لوطن .. انتخابات فصائل ام قبائل؟

31.07.2016 02:52 PM

كتب نبيل عمرو: ما زالت الانتخابات المحلية هي مادة الحوار الاولى على مستوى الوطن كله، وكل الاحداث السياسية من المبادرة الفرنسية الى المصرية الى الدولية والاقليمية ، تراجعت في الحوار الداخلي وبالامكان القول تلاشت.

الشعب الفلسطيني وبفعل تكرار خيبات الامل في السياسة صار اكثر واقعية في التعاطي مع شؤونه، ولو "قل عقله" وربط كل شؤونه بالسياسة، لكانت النتيجة فشلا شاملا ولما رأينا في المدن والقرى الفلسطينية هذا النمو العمراني والتعليمي ولما رأينا كثافة متزايدة في خريجي المدارس والمعاهد والجامعات، فالشعب الفلسطيني على صعيد الاولويات سبق قياداته السياسية وسحب رقبته من تحت مقصلة التجاذبات ، فخفف من وطأة الاثمان المدفوعة لقاء المغامرات السياسية والشعارات، وبوسعك ان تسأل كل فصيل سياسي كم عضواً زاد خلال السنوات الماضية فإنه يجيبك دون وجل وبالمعلومات ... لا أحد.

ان استحواذ الانتخابات المحلية على اهتمام الناس او غالبيتهم، سوف يفرز حتماً حالة انتخابية لا صلة قيادية للفصائل بها، وان كان هنالك من صلة فهي اما الانفاق على عدد من المرشحين كي يجري التباهي بهم في السوق السياسي، و كأن يتمكن الفصيل من القول ان لي في المجالس المحلية عدد من المندوبين اذا فانا ما زلت على قيد الحياة السياسية، وفي حسبة النفوذ لي بعض الاسهم .

الفصيلان الكبيران فتح وحماس، يقيمان علاقات غير تنظيمية وغير قيادية مع المرشحين والناخبين، وسوف ينقادان ولا يقودان الى الواقع العشائري الذي ما يزال يفرض نفسه على كل نواحي الحياة في المجتمع الفلسطيني .

وفي موسم الانتخابات خصوصا المحلية منها سوف تسعى الفصائل الى تركيب قوائم عشائرية تغطيها بالانفاق واليافطات، بينما هي في واقع الامر عشائرية صرفة ، فالعشيرة تختار اي علم ترفع وأي عنوان توالي وما على الفصيل الا ان يقبل ويبارك.
وهذه مثلبة جوهرية اصابت ديموقراطيتنا التي كانت اكثر عصرية ونفوذاً في حياتنا قبل حدوث الاندماج التاريخي بين قيادات الفصائل ومكونات المجتمع الفلسطيني الذي يعد بالملايين على ارض الوطن.

كان يمكن ان نصوغ معادلة علاقات جديدة مع المجتمع كفصائل انتهت مرحلة في حياتها لمصلحة مرحلة جديدة مختلفة، غير أننا وبعشوائية مستهجنة لم نحسن ادارة هذا الاندماج التاريخي فتقلصت الفصائلية السياسية لتبتلعها الفصائلية العشائرية وزاد الطين بلة انهيار المشروع السياسي وانخفاض اسقفه الى الحدود الدنيا، وهذا لم يؤثر سلبا فقط على فكرة الديموقراطية الحديثة والياتها واطاراتها، بل ضربت جذور التجربة الوطنية من اساسها وها نحن نرى نتائج ذلك .

في حياة المجتمعات المستقرة او المكافحة من اجل الحرية والاستقلال ، تنشأ ظواهر من هذا النوع وتخرج من صلب المجتمعات قوى تجديدية فعالة، تعدّل المسار وتؤمن للمجتمع صيغاً من الحداثة في العلاقات الداخلية ونظام الحكم ، المؤسف عندنا ان المجتمع الذي نأى بنفسه عن القوى السياسية المنتمية الى الماضي، انصرف بمعظم فعالياته لادارة شؤونه الحياتية دون الاهتمام الجدي في افراز نخب قيادية اكثر حداثة وملامسة للواقع ومؤثراته ، وهذا الذي يؤسف له حقا هو كلمة السر في ما نعانيه من نضوب في التفاعل الشعبي مع السياسة، اذ بدون طلائع مستنيرة جريئة تملىء الفراغ السياسي بعيدا عن استنساخ الماضي المندثر، سنظل داخل دوامة من الارتباك والتذمر وانعدام الجدوى .

سيظل رهاننا الرغائبي على ان ينتج  المجتمع بحكم الحاجة هذا الذي نفتقد حتى الان .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير