نادية حرحش تكتب لـوطن .. حمى الانتخابات (الوهمية)

05.08.2016 09:09 PM

رام الله: أكاد لا أصدق بأن ما يجري من تنافس مستميت على انتخابات المجالس المحلية حقيقي، فهناك استعار بالأجواء من كل الاتجاهات، الحكومة من جهة والفصائل من جهة وقوى الامن من جهة، ومن جهة مراسيم رئاسية تحدد مسار القبيلة التائهة، وطبعا هناك الشعب الذي من المفترض إقناعه بتفضيل هذا الفصيل على ذاك.

الحقيقة ان ما ينتابني يشبه ما انتابني عند اعلان ظهور داعش، كنت على يقين حينها ان داعش هذه نكتة ستنتهي، وكنت استغرب من فيض الناس بالحديث عنها وتهويل امرها، طبعا اثبتت الأيام أني كنت مخطئة، فلم انتبه الى ان داعش ليست متمثلة بجهاز استخباراتي سيتم كشفه يوما ما فقط، ولكن تبين ان داعش تلعب على وتيرة الفكر العربي غير المتواجد في كيان لا يعمل به الا قنوات الاستشعار.

كنت كذلك في السنوات السابقة أعيش سذاجة تبدو اليوم بلهاء، كنت اعتقد جازمة بأن الشعب الفلسطيني فيه من الاختلافات المتناغمة بفكره وانتمائه التي مهما اختلفت تصب في جوف الوطن، طبعا يبدو هذا كلاما تاريخيا عفا عليه الزمن ولا يكاد أحد يصدق انه كان أصلا.

كنت افتخر ان البيت الفلسطيني مزيج من الاختلاطات الحزبية، ففي نفس البيت ترى الجبهاوي والفتحاوي والجهادي والتحريري والشيوعي واللا منتمي، المهم.... بما ان الحنين الى الماضي لن يسمن ولن يغني من جوع، لربما توقفت لمتابعة اللحظة من جديد، أعترف بأنني لا زلت لا أستطيع ان آخذ هذه الانتخابات على محمل الجدية او الأهمية وليس لعدم أهميتها ولكن لان ما نحتاجه هو انتخابات حقيقية.

ما يجري هو عملية الهاء تتحول الى واقع وحيد، فما يجري من تداولات ومنافسة وترتيبات يؤكد مرة أخرى اننا امام نفس الازمة، ازمة غياب الفكر من عقولنا، هناك أولا هذا التوجس والرعب من خسارة فتح امام حماس، وهو رعب مشروع ولو كنت  في فتح لخفت، خصوصا وان فتح كالعادة التي صارت من شيمها منذ ان أصبحت سلطة، يرى مكتسبوها ان كل واحد منهم هو الحق والاحق والاجدى والسيطرة هي الهدف، السيطرة على كراسي سلطوية أكثر.

اما حماس فتغزل من جانبها وتستمتع بالبازار الغوغائي بالساحة الفتحاوية، فالحرب الفتحاوية الداخلية لا يخفف من ازيرها الا عداء حماس، وعليه تتصرف حماس مرة أخرى وفق اجندة مدروسة حذرة، الا ان حذر حماس أكثر لريبة من غوغائية فتح، فبينما تتشاغل قوى فتح وفصائلها فيما بينها بشراسة صارت بالنسبة للمشاهد معهودة، تقوم حماس بنشر دعاية انتخابية خطيرة.

تم تداول فيديو لامرأة تتحدث باسم حماس بخطاب ديني كالذي ترتاده النسوة في حلقات الدعوة، عملت مقاربة بين حماس والرسول محمد عليه الصلاة والسلام ،وكأن حماس هي الحق واتباعها هو الطريق الوحيد، اعتقد ان الفيديو المتداول أكثر إرهابا من ترهيب قوى الامن الفلسطينية لمن لا ينتمي للفصيل المطلوب، طبعا نحن لم نعد نعرف من محسوب على من، ومن يعمل مع او ضد من، وطبعا في الاتجاه الاخر من هذه المعادلة معدومة المعالم، لا يستحي أي من الفصيلين من عرض تصورات لحلول للقضية المنسية لا يصدقها الفلسطيني ولا الإسرائيلي.

حماس تريد الاعتراف بإسرائيل وفتح تعرض شروطا لاستكمال المفاوضات، المشكلة ان إسرائيل هي من تحتاج الى الاعتراف اليوم بالوجود الفلسطيني، وان ما يريد القائد الفتحاوي وضع شروط لاستكماله لم يعد موجود، وفي اللعب على الوتيرة الوطنية، تصبح المزايدات المؤلمة على الشهداء والأسرى، فيصبح الأسير والشهيد محور الدعاية الانتخابية لهذا الفصيل او ذاك، نشهد لحاما مستعر الوطيد على انتخابات ليست محورية من جهة، مفرغة من لوائح انتخابات تحمل اجندات وخطط عمل وبرامج انتخابية، مزايدات من فئات معروفة ومكشوفة لنا الشعب معروفة بالفساد والرياء والخديعة تبيع وتشتري بالوطن والمواطن. قرفنا من تصرفاتهم وفسادهم، نراهم متبجحون امامنا وكأننا شعب اخر لا يعرفهم ولا يعيش معهم، يزايدون بما لا يملكون ويبخسون بما لا يقدرون عليه،يستخدمون نفس الشعارات البالية، وكأنهم وضعوا غشاوة على قلوبنا وعقولنا فلا نكاد نتذكر صنيعهم، وننسى معهم بان هذه الانتخابات واهية، عديمة الجدوى، خطيرة، تكرس من انحداراتنا نحو الهاوية، لأنها تؤكد فكرة الاحتلال الأولى في إبقاء مآل شؤوننا في دوائر المجالس المحلية التابعة سابقا للحاكم العسكري، واليوم للسلطة الفلسطينية.

نحن بحاجة الى عملية اصلاح حقيقية تقوم اما على انتخابات عامة تشريعية تفرز سلطة حقيقية من اختيار الشعب على حسب احتياجات الشعب، أو حل هذه السلطة وننتهي الى الاحتلال ، لأن الحياة تحت الاحتلال بصورة علنية مباشرة اشرف واصلح لنا كشعب.....قد يفرز جيل ما قيادة حقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير