نبيل عمرو يكتب لوطن: الطريق المعبد الى الهاوية

04.09.2016 10:36 AM

وطن:  هنالك مرض مزمن أصاب الفلسطينيين على مدى عقود، ولم يستطيعوا التخلص منه حتى يومنا هذا، انه الهبوط في مستوى الحوار الداخلي ..... هبوط في الشكل الذي هو اللغة والاسلوب، وهبوط في المضمون الذي هو الفكرة والخلاصة ، فما أن يختلف اثنان من الفلسطينيين حتى يذهبا في الهجوم الكلامي الى الحد الاقصى ، أي الى الادانة الصريحة بالانحراف عن الخط الوطني والغرق في مستنقع الخيانة ، وما أن يتفقا وربما بجهد يقوم به فاعل خير استضافهما على مائدة، حتى يخرج الاثنان ذاتهما بتصريحات متبادلة تذهب الى ما فوق الحد الاقصى من الاشادة والتبجيل .

ذلك يحدث على مستوى الافراد والفصائل والقوى، وهذا المرض منقول الى الفلسطينيين بالعدوى، فالمحيط العربي أنتج هذا النوع من المرض، سواء عبر الحملات الاعلامية المتبادلة، أو عبر الانقلابات العسكرية التي تتلاعب بمصير الوطن والامة لمجرد وصول دبابة الى القصر الملكي او الجمهوري ، ووصول جنرال الى الاذاعة ليتلو بيان التخلص من الطغمة الحاكمة لمصلحة طغمة جديدة تعد بالحرية والعدالة الاجتماعية وتحرير المغتصب من الوطن العربي الكبير .

كنا نأمل كفلسطينيين أصحاب قضية ومأساة، أن نبرأ من هذا المرض العضال بفعل الضرورة ووحدة الحال، وبفعل امور أعمق أهمها مواجهة خصم مشترك يجثم على صدرنا جميعا،ً ومن أجل كسب معركتنا معه ينبغي ان لا يكون هنالك مجال لحروب داخلية، لا على مستوى الرصاص ولا على مستوى الكلام ، الا ان الذي حدث في الواقع هو عكس ذلك تماما ومن يراقب اعلام الازمات الداخلية، يكتشف ان الجميع متهم بالخيانة العظمى، وأن الجميع انحرف عن الخط الوطني، وأن الجميع يخضع لاجندات خارجية وحسابات لا دخل للوطنية فيها .

وهذا الهبوط المروع في مستوى السجال الداخلي ، حقق نتائج لو أنفق العدو المجسم وهو الاحتلال، مئات مليارات الدولارات، لما تحقق له ما يتحقق الان ، فقد انصرف الناس عن متابعة الشأن السياسي لأن السدنة يقتتلون فيما بينهم، وسوط الاحتلال يلسع ظهورهم صبح مساء ، وحين ينصرف شعب صاحب قضية ومأساة عن الشأن السياسي ، فمن أين للقادة جمهور يمثلونه وعمق يلوذون به، ثم ان هبوط لغة السجال الداخلي وموضوعاته تبدد المصداقية وتضيع الهيبة ، وهذا وحده كفيل بفتح الابواب على مصراعيها لكل من يرى مصلحة له في تخريب البيت الفلسطيني وافساد حياته الداخلية ، وابعاد الرأي العام الوطني عن القضايا الاساسية بفعل الالتهاء بقضايا مخترعة لا صلة لها بما ينفع الناس.

لم يعد المواطن الفلسطيني مهتما بما يفترض ان يكون مصيريا بالنسبة له فهو يحجم عن قراءة الصحف ، لأنه لا يرى نفسه فيها ، ويحجم عن عن متابعة وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، لأنه يجد ضالته في غيرها، وهذه بكل أسف وأسىً هي كلمة سر فوضى الرأي العام ، وتسيد المنابر الخارجية في التأثير على حساب المنابر الفلسطينية ، وأخطر ما نواجهه الان هو ان الذي يشكل الرأي العام الفلسطيني ليس الفلسطينيين انفسهم ، بل المنابر صاحبة الاجندات الخاصة ومن ضمنها الاسرائيلية ، التي تزود جمهورنا بالغث والسمين من المعلومات الموجهة، فلا فضائية على وجه الارض ولا اذاعة تنطلق من أي مكان خارج الوطن تقوم بعمل خيري خالص لوجه الحقيقة بل تخدم اجنداتها واهدافها التي يكون الفلسطينيون غالبا مستهلكين لها ودافعين لاثمانها.
أخيراً ... هذا المرض الذي لم نبرأ منه رغم كل الاهوال المحيطة بنا هو الطريق المعبد نحو الهاوية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير