خالد بطراوي يكتب لوطن: بالمشرمح.. أهلنا في غزة بين 4-4 و 5-5

19.09.2016 10:37 AM

هي فعلا هلوسات .... بل جنون بمعنى الكلمة .... ولا تغلبوا حالكم ... ولا تشكلوا أية مجموعات تهدف لاعادة اللحمة الى شطري الوطن ... وحتى المجموعات القائمة ... يعطيكم العافية ... حطوا كاميرات الاعلام على جنب ... وكفوا عن ارتداء البدلات الرسمية ومقابلة هذا وذاك واحتساء النسكافيه.

أجواء الانتخابات في الضفة والقطاع التي تم تجميدها بقرار قضائي فلسطيني أثبتت لي أنا الغبي .. قبل أذكياء البلد ... أن وحدة شطري الوطن في الافق المنظور غير قائمة ولا يمكن تحقيقها البته .... فلا تغلبوا حالكم ... ولا تستجدوا هذا النظام العربي أو ذاك .. أو حتى الانظمة غير العربية فالمعادلة واضحة وضوح الشمس كما يقولون .... أهل غزة كانوا وما زالوا وللاسف سيستمروا الخط المتقدم الأول في التضحية والعطاء منذ ما قبل جيفارا غزة مطلع الاحتلال حيث خاف الاحتلال عند استشهاده مع مجموعته فقط لمجرد أنهم ظنوا في اليوم التالي لدفنهم أن قبورهم كانت تهتز.

سأروي لكم تفاصيل معاناة مواطن أو مواطنة من قطاع غزّة يرغبون في الحضور الى الضفة الغربية وأرويها كما كتبت تماما لي حيث قال الكاتب أو الكاتبة ( والاسم محجوب طبعا خوفا من ملاحقة كل أجهزة العالم ) " في البداية لتحصل على امكانية تقديم اسمك ضمن كشوفات الشؤون المدنية التي تسيطر عليها حركة فتح في قطاع غزّة المرسلة للاسرائليين لتقديم التصاريح انت بحاجة لان تكون متطوعا او تعمل في مؤسسة وايضا بدعم الواسطة ، او لك واسطة في احد الجمعيات او المؤسسات ليتم ادراج اسمك في الكشوفات ، او تتمكن من دفع مبلغ لا اعلم تحديدا قدره لتحصل على تحويلة طبية مضروبة ( لاحظوا هنا المصطلح تحويلة طبية مضروبة).

انتظارك للتصريح وصدور الموافقة على اسمك من الجانب الاسرائيلي يستغرق 20 يوما ، مع حذف الجمعة والسبت ، يعني تقريبا شهر انتظار ، وعندما يكون فحصك الامني على تعبيرهم تمام ( أي تعبير مسؤولي حركة فتح ) ، فيصدر تصريحك ، او ان تكون مرفوض امنيا ، او ان تكون على قائمة الانتظار وقد يستغرق وجودك في تلك القائمة لاشهر واكثر .
بعد ان يتم تبلغيك بصدور التصريح من التاريخ كذا للتاريخ كذا ، هاتفيا، وذلك من جانب الجهة المسؤولة عن ارسال  الكشف للشؤون المدنية ( مسؤولي حركة فتح في قطاع غزة)، تبدأ رحلة معاناة جديدة ، وهي كيفية الحصول على مفتاح ( أعجبني المصطلح مفتاح) او تصريح للوصول الى نقطة 4/4 الخاصة بحماس ... ( انتبهوا هنا ... نقطة أربعة أربعة هي نقطعة تابعة لحركة حماس عند معبر ايرز .. كي يصل اليها المواطن الغزي يلزمه تصريح) ... تتوجه الي برج السوسي الموجود بالقرب من مفترق الصناعة في مدينة غزة ( حيث مكتب حركة حماس) :-

- لو سمحتوا ، بدي مفتاح ل 4/4    (عجبني المصطلح مجددا مفتاح)
-  وين رايح ؟ مين قدملك للتصريح ؟ قديش رح تقعد ؟ قديش مدة تصريحك ؟
- مكره اخاك لا بطل  رح تجاوب على كل الاسئلة

بعد ما تجاوب ....  معلش احنا ما بنتعامل بشكل فردي ، روح جيب كتاب خطي من المؤسسة او الجمعية اللي رح تطلعك " .... طبعا لو ما كان في مجال لاحضارك كتاب، لن تحصل على المفتاح "مفتاح الكنز" للوصول الى نقطة أربعة أربعة، ولن تغادر القطاع  .... وبدك واسطة لتحصل من المؤسسة او الجمعية على كتاب يرسل الى برج السوسي ، في حال كنت مسافر بشكل فردي (مصادفة اسم البرج ليس له علاقة بالسيسي) .... بتوخد الكتاب وبترجع لبرج السوسي ، اصدار الورقة او المفتاح بدون ادنى شك لا يستغرف النصف ساعة .... ممكن ان تنتظر ساعة ونص ،ساعتين .. حسب انت ونصيبك

سالتهم " - معلش انتو مطولين علي ! انا وراي سفر واليوم محسوب علي من التصريح !

- اصبر اصبر احنا اجينا عشان نغلبكم اصلا ، يمكن تضلك كمان يوم ، احنا مبسوطين فيك"

وبعد المعاناة والانتظار ، بتوخد مفتاح الكنز قصدي مفتاح 4/4 وتتوجه للنقطة  ... لو كان الك معرفة ، رح يعملولك تنسيق العرب الفلسطينيين (لاخوهم المسخم المسافر للشق الاخر من الوطن) والتنسيق لنقطة اخوتهم الفلسطينيين نقطة 5/5 الارتباط التابعة لفتح ( نقطة خمسة خمسة نقطة تابعة لحركة فتع عند معبر ايرز أيضا تقع بين نقطة أربعة أربعة التابعة لحماس ومعبر ايرز الخاضع للسيطرة الاسرائيلية ) ، وذلك ليتسنى لك دخول النقطة بسيارتك الخاصة .... ولو الك واسطة اقوى ممكن ما تنزل للتفتيش ، وتضلك طالع على 5/5 ، بس بضل على مرافقك او الشوفير يسجل بياناتك والى اي منطقة انت مغادر في الضفة وبأي صفة وتكرار للاستجواب معدل ما تدفعه حتى تصل الى نقطة أربعة أربعة ما بين 15 الى 70 شيكل حسب المنطقة التي تحضر منها من القطاع.

ولو ما الك يا عزيزي واسطة ، رح تنزل عالنقطة وتشحط شنطك شحط ، وتسجل وتتعرض للاستجواب  ... وبتاخد "صك غفران" ورقة زغيرة "فتفوتة" عشان تقدر تمرق لنقطة اخوتكم ارتباط فتح  ... نقطة 5/5 ، نقطة التحصيل الحاصل ، ازا خبروهم الاسرائليين انه هالشخص موجود تصريحه ، بياخدوا هويته وبياناته منه ، اذا لا ، اما بتنطر ليجي الفرج من عند اليهود ، او بخبروهم اليهود هالشخص يرجع .... بعد ال OK من اليهود وامورك تمام ، بياخدوا منك قبل لتحط شنطك بالتوك توك التركي ، ورقة صك الغفران تاعت حماس.

وبتتحمل انت وشنطك بهالتكاتك " جمع توك توك"  ... وبمشي فيك الطريق الطويلة نوعا ما لمسافر ، صعب تمشيها  .... بتوصل لنقطة ايرز ، انت بتوك توك وشنطك بتوك توك تاني .... اللي نقل الشنط بياخد منك على كل شنطة 5 شيكل ، صغيرة كبيرة مش مهم ، انشالله كيس , واذا كنت مغفل رح ياخد منك 10 شيكل للشنطة الواحدة... وبتحمل هالشنط وبتمشي .... بتفوت على مشرحة او كما تمسى " حلّابة " وبتدفش هالشنط والناس بتساعد بعض طول والضوء اخضر بتفوت ، لو صار احمر بتتسكر وبتمرق على كمان مشرحة  .. وبعدها بتبلش ، كل اشي لابسه ، بتحطه بالصندوق ، ساعتك ، حزامك ، كل اشي معك، حتى تلفونك ، نظارتك والنقود الورقية فقط ، بتبقى معك ...  بتدخل على جهاز كله شفاف ، وعلى الارض في رسمات لاقدام منها باللون الاصفر ومنها باللون الاحمر ، وكل لون بكون وجهة الشخص مختلفة  ... بتوقف كما يجب حسب رسمة الاقدام ، وترفع ايديك لفوق ، كما المشبوح تماما ، بياخد الجهاز حواليك لفة ، تماما مثل جهاز الاشعة . ... لو كان وضعك OK ، بتمرق من زقاق لآخر كالمتاهة، لو حصل شك في خصلة شعرك ، تدخل غرفة التفتيش الخاص ...  في المخرج ، تنتظر امتعتك وشنطك ، وعند خروجها عليك ان تعيد ترتيبها من جديد ، تخرج منفوضة راسا على عقب ، يطول التفتيش حسب محتويات امتعتك وخصوصا اذا كان هناك اطعمة ، وغالبا ما تكون اما دقّة غزاوي او كنافة غزاوي  ... تقف بطابور لتستلم تصريحك وتتحرر ... ان وصل لك الدور ، تدخل مقابل الموظفة هناك ، لتاخذ اوراقك الثبوتية ، ان لم يكن تصريحك امامها ، ترجعك للانتظار ، الى ان تنادي اسمك تستلم تصريحك وتخرج للحرية .... نعم الحرية .. الخروج من قطاع غزة من السجن الأصغر الى السجن الأكبر هو بالنسبة لنا أهل غزة .. حرية ، يقابلك بعد صالة انتظار ايرز ، سائقي ايرز وتبدأ المساومات ، غالبيتهم مع سيارات خاصة ، واذا كنت مضطرا ستجبر لاكمال طريقك معهم ، سعر السيارة 250 شيكل وصولا الى رام الله ، وقد يتم تقسيمها على الموجودين في حمولة السيارة في حال كان معك شركاء سفر في حال كان هناك تاكسي تابع لشركة ومحترم  سعر السيارة  300 شيكل وصولا الى قلنديا ، واذا كان لداخل رام الله يتراوح مابين 400 الى 500 شيكل ، وذلك حسب مساومتك مع الشوفير ... لك الخيار في ان تطلب عدم المرور عن حاجز قلنديا  ... غالبا شوفير التكسي يلتزم باتفاقه معك ، اما شوفيرية المركبات الخاصة قد يبيعك لزميله في وسط الطريق مقابل ان يأخذ من زميله على النقلة او الحمولة 100 شيكل ، ليعود لمنزله سريعا خاليا وربحان 100 شيكل وقد تتفق معه عدم المرور على قلنديا ، لتجد نفسك على الحاجز ، ويحاول هذا الشوفير التخفي من المجند الاسرائيلي كي لا يغرّم بمخالفة ، لا ادري نوعها فعليا  .. لتصل الى بلاد العسل الاسود رام الله .

تحاول بما أتيح لك من وقت أن تنجز معاملاتك وان كان لك أقارب في الضفة أن تزورهم واياك أن تفكر في ابتياع بوظة فسعرها أضعاف أضعاف ما هو موجود في غزة ومر مرور الكرام أمام بائع الشاروما واستنشق ان سمحوا لك رائحة اللحمة ولا تفكر في المشاركة بأي فعالية ثقافية فالتذاكر أغلى من التوك توك ويا ويلك ان طلبت طلب تاكسي وان كان لا يوجد لك أقارب وأقمت في فندق فربما باريس أرخص ... لا بأس المهم أن خرجت من قطاع غزّة ...

الان تريد أن تعود الى قطاع غزّة ، عند حاجز قلنديا بعد ان تجتاز نقطعة التفتيش الاسرائيلية وتكون على مرمى حجر من المسجد الأقصى وكنيسة القيامة يتلقفك أغنياء الحالة التي نعيشها ... الشوفرية ، سيارة التكسي تتقاضى 300 شيكلا لتوصلك الى نقطة ايرز وسيارة الخصوصي أقل بخمسين شيكلا أي 250 شيكل، ويرفض السائق الانتظار فتكون مجبرا على التحرك والدفع لوحدك دون مشاركة أحد أو أن تنتظر وربما لا يأتي أحدا والتصريح الذي بحوزتك على وشك الانتهاء.

تصل الى نقطة ايرز حيث يجري جنود الاحتلال تفتيشا سريعا وتقوم بتسليم التصريح وتدخل في متاهة ثم الى الحلابة وقد تعلق حقيبتك فعليك أن تنتظر رحمة أن يحضر مواطن أخر ينوي الدخول الى القطاع "ليدفش لك شنطتك" ثم بعد ذلك يستقبلك "التوك توك" وحقيبتك في توك توك آخر وطبعا لكل حقيبة تدفع المعلوم.

وتصل الى نقطة فتح ( خمسة خمسة) وتسلم بطاقة الهوية وتستقل سيارة ب 3 شيكل من نقطة فتح الى نقطة حماس وان كان لك واسطة تنقلك سيارة من نقطة فتح الى نقطة حماس، عند نقطة حماس يجري لك تحقيق لمعرفة أين ذهبت وماذا فعلت ومن قابلت وهناك يجري لك تفتيشا دقيقا كما تفتيش الاحتلال وان كان لديك أجهزة كهربائية أو الكترونية تحتاج الى يوم كامل ربما ليقتنعوا أنها جديدة ولم يتم استخدامها، وان كان لك واسطة عند نقطة حماس ممكن ما تنزل تحت ذريعة ساق القادم توجعه مثلا وان كان واسطتك من العيار الثقيل لا يجري تفتيش الحقائب، وعندما ينتهي كل ذلك تفتح غزة ذراعيها لك وتعود الى السجن الصغير.

معبر رفح الفاصل بين قطاع غزة وجهورية مصر العربية ليس بحال أفضل. وبين المعبرين ونقطة العبور لدى الجانب المصري وعدن نقطة ايرز هناك الجانب الاسرائيلي ودوواين خمسة خمسة وأربعة أربعة والتوك توك واستغلال السائقين والسجن الصغير والسجن الكبير والمصاريف .... و .... و ...... و ...... ، ماذا تبقى لنا كي نقول ... بالله عليكم ... ماذا تبقى لنا كي نقول ....
لا تردتدوا بذلات ولا ربطات عنق أيها المتمترسون حول قناعاتكم بامكانية  تحقيق الوحدة بين ما تبقى من شطري الوطن ... ان أردتم شرب النسكافية .. لن نمنعكم .. فذلك أشباه القهوة ... كما أشباه أفكاركم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير