إسرائيل تبقي ملف اللاجئين في أرشيف الجيش قيد السرية

20.09.2016 11:10 PM

وطن: من المتوقع أن تمدد الحكومة الإسرائيلية غطاء السرية على أحد الملفات المركزية في أرشيف جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي يتصل بنشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين عام النكبة 1948، وذلك في أعقاب توجه جمعية حقوق المواطن لأرشيف الجيش بطلب الإفراج عن الملف كي يكون متاحا لاطلاع الجمهور.

ونقل عن مسؤولين إسرائيليين كبار قولهم إنه خلال جلسة للجنة الوزارية لشؤون المواد المؤرشفة، برئاسة وزيرة القضاء أييليت شاكيد، عرضت وزارة الخارجية ووزارة الجيش وجهة نظر صارمة ضد فتح الأرشيف أمام الجمهور، وذلك بذريعة "الخشية من المس بأمن الدولة وبعلاقاتها الخارجية".

كما تطرقت وجهة نظر وزارة الخارجية، من جملة ما تطرقت إليه، إلى المكانة الدولية لإسرائيل، وإلى تأثير عملية النشر على المفاوضات المستقبلية مع الفلسطينيين أو على قرارات مؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة بقضية اللاجئين.

وبحسب صحيفة "هآرتس" فإن الحديث عن ملف يتبع لشعبة التاريخ في الجيش الإسرائيلي ويحمل الرقم 1975/922 – 681، ويشتمل على دراسة كان قد طلبها رئيس الحكومة دافيد بن غوريون في مطلع سنوات الستينيات بهدف إثبات أن ما يقارب مليون فلسطيني كانوا يعيشون في القرى والمدن الفلسطينية داخل "إسرائيل" في العام 1948 قد "هربوا برغبتهم أثناء حرب الاستقلال ولم يطردوا من قبل الجيش الإسرائيلي".

وكانت الصحيفة قد كشفت أمر وجود الدراسة قبل 3 سنوات على يد المؤرخ د. شاي حزكاني، وقد كتبت من قبل مجموعة من المستشرقين الإسرائيليين بناء على طلب بن غوريون، الذي سعى إلى تحييد الضغوط الأميركية من أجل إعادة اللاجئين. وفي حينه كان بن غوريون يأمل أن تخف حدة الضغوط لإعادة اللاجئين إلى ديارهم في حال اقتنع المجتمع الدولي بأن اللاجئين الفلسطينيين قد غادروا برضاهم، ولم يطردوا بالقوة من قراهم بواسطة الجيش.

ويتضح من المراسلات الحكومية في تلك الفترة أنه قيل لمعدي الدراسة مسبقا أن عليهم أن يثبتوا أن العرب هربوا بتشجيع من قادتهم وبمساعدة جيوش عربية، في حين أن اليهود حاولوا منع ذلك.

ونقل عن مسؤول إسرائيلي تعليقه على "ملف النكبة" أنه "عندما يحل السلام سيكون بالإمكان فتح هذه المواد أمام الجمهور للاطلاع عليها".

وكان بن غوريون قد طلب إجراء دراستين على الأقل بشأن اللاجئين. وكتبت الدراسة الأولى من قبل المستشرق روني غباي في إطار هيئة أطلق عليها في سنوات الستينيات "معهد شيلوح"، والذي تحول لاحقا إلى "مركز ديان" في جامعة تل أبيب. وكانت الدراسة تستند إلى وثائق في الأرشيفات الإسرائيلية، وبضمنها أرشيف الشاباك.

أما الدراسة الثانية فقد كتبت من قبل موشي معوز، الذي أشغل في حينه منصب مستشار رئيس الحكومة لشؤون العرب، وهو اليوم بروفيسور في شؤون الشرق الأوسط في الجامعة العبرية. وقد استندت الدراسة جزئيا إلى دراسة غباي.

وفي العام 2013، توجه د. حزكاني، الذي يعمل اليوم محاضرا كبيرا في مركز "مايرهوف" لدراسة اليهودية في جامعة ماريلاند، بواسطة المحامي أفنير بينتشوك، من جمعية حقوق المواطن، إلى أرشيف الجيش الإسرائيلي بطلب الإفراج عن الملف كله كي يطلع عليه الجمهور. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2013، أعلن أرشيف الجيش أنه "لا يمكن وضع الملف أمام الجمهور كي يطلع عليه، وسيبقى قيد السرية".

وتوجه حزكاني وبينتشوك إلى المسؤول عن أرشيف الدولة، يعكوف لزوبيك، الذي يمتلك الصلاحيا العليا بهذا الشأن، بطلب إصدار أمر بالإفراج عن الملف، وادعيا أنه نظرا لأن الوثائق في الملف قد كتبت قبل العام 1964 في أعلى تقدير، بذلك تكون قد مضت فترة التحديد، والتي تصل إلى 50 عاما على الأقل.

وفي تموز/يوليو من العام 2014 أبلغ المسؤول عن أرشيف الدولة حزكاني وبينتشوك أنه بعد التشاور بهذا الشأن مع أرشيف الجيش الإسرائيلي، الذي يعارض الإفراج عن الملف ووضعه أمام الجمهور للاطلاع عليه، فقد قرر طلب عقد اجتماع للجنة الوزارية للمواد الأرشيفية كي تتخذ القرار بنفسها.

يشار إلى أن اللجنة الوزارية للمواد الأرشيفية تجتمع على فترات متباعدة، وفقط من أجل البت في قضايا حساسة مختلف عليها. وفي المرة الأخيرة التي اجتمعت فيها اللجنة كانت في العام 2008، وفي حينه صوتت على إبقاء ملفات مرتبطة بمجزرة دير ياسين قيد السرية. وبحسب قانون الأرشيفات، فإنه في حال أراد المسؤول عن أرشيف الدولة تمديد السرية على مواد كانت يفترض أن يفرج عنها وتعرض أمام الجمهور، يتوجب عليه أن يحصل على مصادقة لجنة خاصة مؤلفة من ثلاثة وزراء، وتدعى "لجنة الوزراء لشؤون السماح بالاطلاع على مواد أرشيفية سرية".

وكان قد تقرر عدة مواعيد لعقد اجتماع اللجنة، إلا أن الاجتماع كان يتأجل في كل مرة. وقد تأجل في إحداها بسبب حل الحكومة وانتخابات 2015، ومرات أخرى بسبب جدول الأعمال. وقبل أسبوع، في الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، اجتمعت اللجنة أخيرا من أجل مناقشة فتح "ملف النكبة".

يشار إلى أنه يشغل عضوية اللجنة التي تترأسها وزيرة القضاء شاكيد، وزيرة الثقافة ميري ريغيف التي أشغلت في السابق منصب المراقبة العسكرية الرئيسية والمتحدثة باسم الجيش، ووزير الطاقة يوفال شطاينتس الذي أشغل في السابق منصب رئيس لجنة الخارجية والأمن والوزير للشؤون الاستخبارية.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول إسرائيلي، شارك في الجلسة، قوله إن وزارة الأمن ووزارة الخارجية ووزارة القضاء عرضوا وجهة نظر سلبية بشأن فتح الملف أمام الجمهور. وفي الواقع فإن وزارة الأمن تبنت الموقف التقليدي لأرشيف الجيش، والذي بموجبه فإن "كشف تفاصيل عن النكبة قد يؤدي إلى المس بأمن الدولة".

في المقابل، فإن وزارة الخارجية عرضت وجهة نظر تتصل بمسائل راهنة أكثر، وتتركز، من جملة ما تتركز عليه، على المكانة الدولية الحالية لإسرائيل، وفي مجابهة المفاوضات المستقبلية مع الفلسطينيين، وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالقضايا الجوهرية للحل الدائم مثل قضية اللاجئين.

وبحسب مسؤول إسرائيلي كبير، فإن وزارة الخارجية ادعت أن الكشف عن "ملف النكبة" أمام الجمهور قد يمس بالعلاقات الخارجية لإسرائيل، وبمكانتها الدولية، وبموقف إسرائيل في قضية اللاجئين الفلسطينيين في أي مفاوضات مستقبلية حول الحل الدائم.

ومع انتهاء جلسة اللجنة الوزارية، لم يتخذ أي قرار نهائي، وطلب الوزراء توضيحات مكتوبة أخرى من جهات مختلفة لم تعبر عن رأيها في الجلسة. وقررت اللجنة أنه إلى حين الحصول على وجهات النظر الأخرى وعقد جلسة أخرى، فإن المواد تظل قيد السرية.

إلى ذلك، نقل عن مسؤول إسرائيلي قوله إن وزيرة القضاء شاكيد عاينت الملف السري، وقرأت أجزاء كبيرة منه. وبحسبه فإنه لا يوجد "تفاصيل جدية لم تنشر في الدراسات بشأن النكبة حتى اليوم". ومع ذلك، وفي ظل موقف وزارة الخارجية وأجهزة الأمن، فإن شاكيد وريغيف وشطاينتس يميلون إلى إبقاء "ملف النكبة" قيد السرية، وتبقى تحديد عدد السنوات التي تمدد فيها السرية.

وقال د. حزكاني لصحيفة "هآرتس" إنه في الأرشيفات الإسرائيلية يوجد عدد ليس قليلا من الملفات والوثائق المرتبطة بعام 1948، والتي لم تفتح بعد أمام الجمهور، كما أن هناك عددا ليس قليلا من الملفات التي كانت مفتوحة في السابق وتم إغلاقها.

وشدد على أنه "بتشجيع من المستوى السياسي وأرشيف الدولة وأرشيف الجيش الإسرائيلي يتم تمديد فترة السرية على الملفات، وبذلك يمنعون الباحثين في إسرائيل والعالم من الحديث عن الرواية الكاملة للعام 1948". على حد قوله.

المصدر: عرب48

تصميم وتطوير